ج 4. إعراب القرآن الزجاج
ومثله فما لكم عليهن من عدة تعتدونها، فيمن قرأها بالتخفيف، أصله تعتدونها، فأبدل من الدال حرف اللين
الثاني والخمسون ما جاء في التنزيل من حذف واو العطف
الثالث والخمسون ما جاء في التنزيل من الحروف التي أقيم بعضها مقام بعضوهذا الباب يتلقاه الناس معسولا ساذجا من الصنعة، وما أبعد الصواب عنهم، وأوقفهم دونه، وذلك أنهم يقولون إن إلى يكون بمعنى مع ويحتجون لذلك بقول الله تعالى من أنصارى إلى الله، أي مع الله وقال الله تعالى ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم، أي مع امولكم ويقولون في بمعنى على، ويحتجون بقوله تعالى ولأصلبنكم في جذوع النخل، أي عليها وهذا في الحقيقة من باب الحمل على المعنى فقوله من أنصارى إلى الله معناه من يضيف نصرته إلى نصرة الله، وكذا ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم أي مضمومة إليها، وكذلك قوله هل لك إلى أن تزكى، وأنت إنما تقول هل لك في كذا؟ لكنه لما كان هذا دعاء منه صلى الله عليه وعلى آله له صار تقديره أدعوك وأرشدك إلى أن تزكى وأما قوله ولأصلبنكم في جذوع النخل، فليس في بمعنى على، وإنما هو على بابه، لأن المصلوب في الجذع، والجذع وعاء له
الرابع والخمسون ما جاء في التنزيل من اسم الفاعل المضاف إلى المكنىوذلك قد جاء في التنزيل في ستة مواضع فمن ذلك قوله تعالى واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وقال فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجلٍ هم بالغوه وقال الله تعالى لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس وقال الله تعالى إنا منجوك وأهلك وقال إن في صدورهم إلا كبرٌ ما هم ببالغيه وقال إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين فهذه ستة مواضع فالهاء والكاف في هذه الآي جرٌّ عندنا
وقال أبو
الحسن هو نصب، واحتج بانتصاب قوله وأهلك، فلولا أن الكاف منصوب المحل لم
ينصب أهلك واحتج بأن النون إنما حذف حذفا لتعاقبه المضمر، لا لأجل الإضافة
فوجب أن يكون منصوبا،قياسا على قولنا هؤلاء ضوارب زيداً، وحجاج بيت الله،
فإن التنوين هنا حذف حذفا فانتصب ما بعده، كذلك ها هنا، ولا يلزم قولكم إن
المضمر يعتبر بالمظهر، لأنا نرى نقيض ذلك في باب العطف، حيث لم يجز عطف
المظهر على المضمر المرفوع ولا على المضمر المجرور، وإن جاز عطفه على
المضمر المنصوب، فكذلك ها هنا يجوز أن يقع المضمر منصوبا، وإن كان المظهر
لو وقع كان مجرورا ولنا أنه اسم مضاف إليه اسم قبله، فوجب أن يكون مجرورا
قياسا على ضاربا زيدٍ، وغلاما بكر، وهذا لأن المضاف إليه يعاقب النون أو
التنوين، وهذا الاسم عاقب النون، حتى لا يجمع بينه وبين النون في حال
السعة، فوجب أن يكون مجرورا، ولأن المضمر يعتبر بالمظهر ما لم يعرض هناك
عارض مثل ما عرض في باب العطف بامتناع المظهر على المضمر المرفوع، لما صار
المضمر المرفوع كالجزء من الفعل، بدليل إسكانهم لام الفعل من أجل هذا
المضمر، في ضربت، وامتنع عطف المظهر المجرور على المضمر المجرور، لامتناع
الفصل بين الجار والمجرور، وهذا المعنى لم يعرض ها هنا، فبقى اعتباره
بالمظهر وأما انتصاب أهلك من قوله إنا منجوك وأهلك فبفعلٍ مضمرٍ، لامتناعه
من أن يكون معطوفا على مضمر مجرور، لأن الظاهر لا يعطف على المضمر المجرور
وأما الهاء في قوله ما هم ببالغيه فقد قال أو على المعنى ما هم ببالغي ما
في صدورهم، وليس المعنى ما هم ببالغي الكبر، لأنهم قد بلغوا الكبر، إذ
كانوا قد فعلوه وطووا صدورهم عليه فإن قلت فإن معنى قوله إن في صدورهم إلا
كبر ما في صدورهم إلا كبر وإذ لم يكن في صدورهم إلا كبر، قلت المعنى ما هم
ببالغي ما في صدورهم؛ فقد قلت إن المعنى ما هم ببالغي ما في الكبر؛ لأن في
صدورهم الكبر لا غير فالقول في ذلك إن هذا على الاتساع، وتكثير الكبر لا
يمتنع أن يكون في صدورهم غيره، ألا ترى أنك قد تقول للرجل ما أنت إلا سير،
وما أنت إلا شرب الإبل؛ وإذا كان كذلك كان المعنى إن في صدورهم إلا كبر،
ما هم ببالغي ما في صدورهم، ويكون المعنى بقوله ما في صدورهم ما كانوا
يجاد لونه من أمر النبي، صلى الله عليه وعلى آله كقوله تعالى يريدون أن
يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره، فمعنى ما هم ببالغيه؛ ما هم
ببالغي ما يرونه من توهين أمره وتنفير الناس عنه وصدهم عن الدين قال أبو
عثمان المازني ولا يضاف ضارب إلى فاعله، لأنك لا تضيفه إليه مضمرا، وكذلك
لا تضيفه إليه مظهرا قال وجازت إضافة المصدر إلى الفاعل مظهراً لما جازت
إضافته إليه مضمرا وكأن أبا عثمان إنما اعتبر في هذا الباب المضمر فقدمه
وحمل عليه المظهر، من مثل أن المضمر أقوى حكما في باب الإضافة من المظهر،
وذلك أن المضمر أشبه بما تحذفه الإضافة، وهو التنوين، من المظهر وكذلك لا
يجتمعان في نحو ضاربانك، وقاتلونه، من حيث كان المضمر بلطفه وقوة اتصاله،
وليس كذلك المظهر لقوته ووفور صورته، ألا ترك تثبت معه التنوين فتنصبه،
نحو ضاربان زيدا، وقاتلون بكرا، فلما كان المضمر مما تقوى معه مراعاة
الإضافة حمل المظهر، وإن كان هو الأصل، عليه
الخامس والخمسون ما جاء في التنزيل في جواب الأمر
وفي التذكرة في قوله هل أدلكم
على تجارةٍ تنجيكم من عذابٍ أليم تؤمنون بالله إلى قوله يغفر لكم قيل
تؤمنون على إرادة أن فلما حذفت رفع، كأنه هل أدلكم على أن تؤمنوا، على أنه
بدل من تجارة فلما حذف رفع، فيكون المعنى معنى أن، وإن حذفت، وأن يكون
بمعنى آمنوا أقوى، لانجزام قوله يغفر، ألا ترى أنه لا يخلو من أن يكون
جوابا لقوله هل أدلكم، أو يكون جواب آمنوا، فلا يكون جواب هل أدلكم لأنه
ليست المغفرة تقع بالدلالة، إنما تقع بالإيمان، فإذا لم يمتنع أن يكون
جوابا له ثبت أنه بمعنى الأمر هذا قول سيبويه وقال قوم إن قول الفراء
أجود، وذا كأن تؤمنوا لا يقتضى جوابا مجزوما، لأنه مرفوع والاستفهام
يقتضيه، وإذا وجب بالإجماع حمل الكلام على المعنى، فأن يقدر هل تؤمنوا
يغفر أولى، لارتفاع تؤمنون، ولكون المعنى عليه، ويكون تؤمنون بدلا من
أدلكم قال أبو عثمان في قوله وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن التقدير في
يقولوا قولوا، لأنه إذا قال قل فقوله لم يقع بعد، فوقوع يفعل في موضع
افعلوا غير متمكنٍ في الأفعال، فلما وقع التمكن وقع افعلوا وهكذا تقول في
قوله
إذا الدين أودى بالفساد فقل له ... يدعنا ورأساً من معدٍّ نصارمه
أي دعنا وهذا لا يرتضيه أبو علي، لأن الموجب للبناء في الاسم الواقع موقع المبني لا يكون مثل ذلك في الأفعال، وإنما يكون في الأسماء
السادس والخمسون ما جاء في التنزيل من المضاف الذي اكتسى من المضاف إليه بعض أحكامه
قلت
وفي التنزيل يوم هم بارزون، و يوم هم على النار يفتنون وفيما اكتسى المضاف
من المضاف إليه التأنيث وتوفى كل نفسٍ و اليوم تجزى كل نفسٍ، وقوله ثم
توفى كل نفس، جاء تأنيث الفعل في هذه الآي وأمثالها، لأن كلا لما أضيف إلى
المؤنث اكتسى منه التأنيث ليكون حجة لقراءة الحسن تلتقطه بعض السيارة و كل
ك بعض و بعض ك كل
السابع والخمسون ما جاء في التنزيل وصار المضاف إليه عوضا من شيء محذوف
الثامن والخمسون ما جاء في التنزيل معطوفا وليس المعطوف مغايرا للمعطوف عليه وإنما هو هو أو بعضهفمن ذلك قوله تعالى ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا، إن حملت الكلام على المعنى وقلت إن التقدير أحرص من الناس، كان الذين أشركوا داخلين معهم، وخصوا بالذكر لشدة عنادهم ومثله من كان عدواًّ لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال ومثله إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرضٌ ومثله ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياءً، و الضياء في المعنى هو الفرقان وقال ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم فأما قوله فيها فاكهةٌ ونخلٌ ورمان، فالشافعي يجعله من هذا الباب فيقول، لو قال رجل والله لا آكل الفاكهة؛ فأكل من هذين يحنث، وجعله من هذا الباب ك جبريل وميكال وأبو حنيفة يحمله على أصل العطف من المغايرة دون ما خص بالذكر بعد الواو، إما تعظيماً، وإما لمعنى آخر ومثله الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين، إلى قوله والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين وحكى سيبويه مررت بزيد وصاحبك، ولا يجوز فصاحبك، بالفاء، خلافا لأبي الحسن الأخفش وقال تلك آيات الكتاب وقرآنٍ مبين وفي موضع آخر تلك آيات القرآن وكتابٍ مبين والكتاب والقرآن واحد فأما قوله، تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق فيكون من هذا الباب، فيكون الذي في موضع الجر، أي تلك آيات الكتاب المنزل إليك، ويرتفع الحق إذاً بإضمار مبتدأ، ويكون الذي مبتدأ، و الحق خبرا له
التاسع والخمسون ما جاء في التنزيل من التاء في أول المضارع فيمكن حمله على الخطاب أو على الغائبةفمن ذلك قوله تعالى خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم وتزكيهم بها، يجوز أن يكون تطهرهم أنت، وأن يكون التقدير تطهرهم هي، يعني الصدقة، فيكون الأول حالا من الضمير في خذ، وفي الثانية صفة ل صدقة قال أبو علي يمكن أن يكون حالا للمخاطب، أي خذها مطهراً لهم، فإن جعلت تطهر صفة ل صدقة لم يصح أن يكون تزكيهم حالا من المخاطب، فيتضمن ضميره؛ لأنك لو قلت خذ مزكيا، وأنت تريد الحال، فأدخلت الواو، لم يجز ذلك لما ذكرنا، ويستقيم في تطهرهم أن يكون وصفا، وكذلك تزكيهم وصفا له، وكذلك تزكيهم لمكان بها كما يستقيم فيهما أن تكونا حالين، ولا يستقيم أن تكون الأولى وصفا والأخرى للمخاطب، كما لا يجوز أن تكون الأولى حالا والأخرى وصفا، لمكان الواو ومن ذلك قوله ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعةٌ أو تحل أي تحل أنت وإن شئت أو تحل القارعة ومثله وألق ما في يمينك تلقف، إن شئت تلقف أنت، وإن شئت تلقف العصا التي في يمينك، فأنث على المعنى وقال يومئذٍ تحدث أخبارها إن شئت تحدث أنت، أو تحدث هي، يعني الأرض
المتم الستين ما جاء في التنزيل من واو الحال تدخل على الجملة من الفعل والفاعل، والمعروف منها دخولها على المبتدأ والخبر، كقوله وطائفة قد أهمتهم أنفسهم وقد دخل على الفعل والفاعل في مواضع
فمن ذلك قوله لا ذلولٌ تثير الأرض ولا تسقي الحرث كان سهل يقف على ذلول ويبتدى بقوله تثير الأرض فيكون الواو في ولا تسقى الحرث للحال دون العطف، لأن النفي لا يعطف على الإثبات ومن ذلك قوله إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً، ولا تسأل عن أصحاب الجحيم، أي غير مسئول، فهو في موضع الحال، وحمله مرةً أخرى على الإثبات
ومن ذلك قوله تعالى قد أجيبت دعوتكما
فاستقيما ولا تتبعان، فيمن خفف النون قال وإن شئت كان على لفظ الخبر،
والمعنى معنى الأمر، كقوله يتربصن بأنفسهن، ولا تضار والدةٌ بولدها، أي لا
ينبغي ذلك وإن شئت جعلته حالا من استقيما، وتقديره استقيما غير متبعين
وأنشد فيه أبياتاً تركتها مع أبيات أخرى فأما قوله وإذ قالت طائفةٌ منهم
يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريقٌ منهم النبي، فإنهما كانا
طائفتين طائفة قالت يا أهل يثرب لا مقام لكم، وطائفة تستأذن النبي فالواو
للاستئناف عطف على وإذ قالت ويجوز أن يكون للحال من الطائفة، أي وإذ قالت
طائفة منهم كيت وكيت، مستأذنا فريق منهم النبي وجاز لربط الضمير الجملة
بالطائفة، أي قالت كذا، وحال طائفة كذا ومن ذلك قوله تعالى الذين يصدون عن
سبيل الله ويبغونها عوجاً يجوز أن يكون حالاً من الباغين، أي يصدون باغين؛
ويجوز أن يكون حالا من السبيل ويجوز الاستئناف، لقوله في الآية الآخرى
وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجاً وحكم تعديته أعني تبغون إلى
أحد المفعولين، أن يكون بحرف الجر، نحو بغيت لك خيرا، ثم يحذف الجار ومن
ذلك قوله تعالى واتخذتموه وراءكم ظهرياً الواو في اتخذتموه واو الحال، أي
أرهطي أعز عليكم من الله وأنتم بصفة كذا؟ فهو داخل في حيز الاستفهام ومن
ذلك قوله تعالى إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون قيل لم يقولوا إن
شاء الله وقيل لم يستثنوا حق المساكين فعلى الثاني الواو للحال، أي أقسموا
غير مستثنين، وعلى الأول الواو للعطف، أي أقسموا وما استثنوا، فهو حكاية
الحال من باب وكلبهم باسطٌ وإن شئت من باب كفروا ويصدون نظير قوله إنا نحن
نزلنا الذكر، وقوله على خوف من فرعون، وقوله رب ارجعون وأما قوله يا ليتنا
نرد ولا نكذب بآيات ربنا قال الجرجاني كما لا يجوز أن يكون لا نكذب
معطوفاً على نرد لأنه يدخل بذلك الحتم ويجرى مجرى أن يقال يا ليتنا لا
نكذب، كذلك لا يجوز أن تكون الواو للحال، لأنه يوجب مثل ذلك من دخوله في
التمني من حيث كانت الواو إذا كانت للحال ربطت الجملة بما قبلها فإذا قلت
ليتك تأتيني وأنت راكب، كنت تمنيت كونه راكبا، كما تمنيت الإتيان فإن قلت
ما تقول في مثل قول المتنبي
فليتك ترعاني وحيران معرضٌ
لا يتصور
أن يكون دنوه من حيران متمنًّى، فإن ذلك لا يكون؛ لأن المعنى في مثل هذا
شبيه التوقيف، نحو ليتك ترعاني حين أعرض حيران، وحين انتهيت إلى حيران،
ولا يكون ذلك إلا في الماضي الذي قد كان ووجد، وكلامنا في المستقبل، فهذه
زيادة في آخر الكتاب تجئ على قول الفراء دون سيبويه وأصحابه، من عطف
الظاهر المجرور على المضمر المجرور، يذهب إليه في عدة آي منها قوله وصدٌّ
عن سبيل الله وكفرٌ به والمسجد الحرام، يحمل جر المسجد على الهاء ومنها
قوله واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، فيمن قرأها بالجر ومنها قوله
قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم ومنها قوله لا أملك إلا نفسي وأخى،
يحمل أخي على الياء في نفسي ومنها قوله وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له
برازقين، يحمل من على الكاف والميم ونحن ذكرنا الأجوبة في هذا الكتاب
وأبطلنا مقالته أن سيبويه لا يجيز مررت به وزيدٍ، حتى يقول وبزيد، بإعادة
الباء، لأنه لا يقال بزيد و ك، حتى تقول وبك فأخذ هذا من ذاك، ولأن حرف
الجر لا ينفصل عن المجرور، والتأكيد في هذا مخالف للعطف، لأنه يجيز مررت
بك نفسك، لأنه يجوز مررت بنفسك، ولا يجوز مررت بك أنت وزيد، حتى تقول
وبزيد، فالتأكيد ب أنت يخالف التأكيد بالنفس، وللفراء أبياتٌ كلها محمولة
على الضرورة قالوا والتوكيد بالمضمر المجرور لا يحسن عطف الظاهر عليه كما
حسن في المرفوع، لأن المرفوع بالفعل قد يكون غير متصل بالفعل الرافع له
الظاهر فيه، وإنما استحسن التوكيد لأن التوكيد خارج عن الفعل، فنصبوه
بمنزلة الفاعل الذي ليس متصلا، فيعطف عليه كما يعطف على ما ليس بمتصل من
الفاعل، والمجرور لا يكون إلا متصلا بالجار، فلا يخرجه التوكيد إلى شبه ما
ليس بمتصل
الحادي والستون ما جاء في التنزيل من حدف هو من الصلة
فمن ذلك قوله تعالى مثلاً ما بعوضةً فما فوقها، فيمن رفع
وقوله
تماماً على الذي أحسن، فيمن رفع أيضا وقوله تعالى وهو الذي في السماء إله
فالتقدير في هذه كلها ما هي بعوضة، وتماما على الذي هو أحسن، وهو الذي هو
في السماء إله فأما قوله ثم لننزعن من كل شيعةٍ أيهم أشد على الرحمن
عتياًّ، فعلى مذهب سيبويه من هذا الباب، والتقدير أيهم هو أشد، فحذف هو،
فلما حذف هو دخله نقص فعاد إلى البناء، لأن أيا إنما أعرب من جملة أخواته
إذ كان بمعنى الذي حملاً على البعض، فلما نقص عاد إلى البناء واستبعد أبو
بكر قول سيبويه، وقال لأنه لو كان مبنيا ًّ لكل بناؤه في غير الإضافة أحق
وأجوز، ولا يلزم ذلك لأنه على تقدير إضافة لازمة مع الحذف، وكلزوم الألف
واللام في الآنفإن قلت لم استحسن لأضربن أيهم أفضل، وامرر على أيهم أفضل
ومثله قوله تعالى لننزعن من كل شيعة أيهم بإضمار هو، ومثل قوله
إذا ما أتيت بني مالك ... فسلم على أيهم أفضل
ولم يستحسن بالذي أفضل، ولأضربن الذي أفضل، وقال هذا ضرورة، مثل قول عدي
لم أر مثل الفتيان في غبن ال ... أيام ينسون ما عواقبها
أي
هو فيمن قال ما خبر، دون أن تجعله زيادة، فالجواب قال؛ لأن أيهم أفضل
مضاف، وكان المضاف إليه قام مقام المحذوف، والذي ليس بمضاف، فخالف أيهم
فأما إذا لم يكن أي مضافا فهو في نية الإضافة اللازمة قال سيبويه واعلم أن
قولهم
فكفى بنا فضلاً على من غيرنا
أجود؛ يعنى، الرفع وهو ضعيف،
وهو نحو مررت بأيهم أفضل، وكما قرأ بعض الناس هذه الآية تماما على الذي
أحسن واعلم أنه قبيح أن تقول هذا من منطلق، إن جعلت المنطلق وصفا أو حشوا،
فإن أطلت الكلام فقلت خيرٌ منك، حسن في الوصف والحشو وزعم الخليل أنه سمع
من العرب رجلا يقول ما أنا بالذي قائل لك سوءا، وما أنا بالذي قائل لك
قبيحا، إذا أفرده فالوصف بمنزلة الحشو، لأنه يحسن بما بعده، كما أن المحشو
إنما يتم بما بعده فنرى سيبويه رجح في هذا الفصل رفع غير، وإن كان هو
محذوفا على حده تابعاً ل من المذكور والحديث ذو شجون، جر هذا الحديث ما
فيه تدافعٌ يدفع أحدهما صاحبه، فمن ذلك هذا ما نقلته لك ومنه قوله تعالى
إن الذين كفروا سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم، يحرك هنا شيئان
الابتداء بالنكرة، أو أن تقدر الجملة تقدير المفرد فتجعله مبتدأ، وإن لم
يكن في اللفظ، فإما أن تقدر الإنذار وترك الإنذار؛ سواء أو تقدر سواء
عليهم الإنذار وتركه ولما كان هذا الكلام على هذا التجاذب قرأ من قرأ سورة
يس وسواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم، فجعل سواء دعاء، كما كان ويل و
ويح و ويس و جندلٌ وترب كذا ومما تجاذبه شيآن من هذا الجنس قوله تعالى ومن
آياته يريكم البرق فتحمله على حذف الموصوف، أو على حذف أن، وكلاهما عنده
كما ترى إلا أن حذف الموصوف أكثر من حذف أن ومنه قوله تعالى وممن حولكم من
الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا إما أن تقدر وممن حولكم من الأعراب
منافقون مردوا ومن أهل المدينة، أو تقدر ومن أهل المدينة إن مردوا ومن ذلك
قوله ليس كمثله شئ إما أن تقدر ليس كصاحب صفته، فتضمر المضاف؛ أو تقدر
زيادة الكاف فهذا مما تجاذبه الحذف والزيادة، وكان الحذف أكثر من الزيادة،
ومثله فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به
الثاني والستون ما جاء في التنزيل من إجراء غير اللازم مجرى اللازم وإجراء اللازم مجرى غير اللازم
ومن ذلك قوله الذي جعل لكم الأرض فراشاً، وقوله ويجعل لك قصورا
ولما كان مثلين من كلمتين استجازوا الإدغام كما استجازوه في نحو رد، ومد
وقد قالوا لم يضربها ملق، فامتنعوا من الإمالة لمكان المستعلى، وإن كان
منفصلا، كما امتنعوا من إمالة نافق، ونحوه من المتصلة ومن ذلك قوله ولو
شاء الله ما اقتتل الذين وولو شاء الله ما اقتتلوا فهذا بيانه نحوٌ من
بيان سبب تلك، و جعل لك إلا أنه أحسن من قوله
الحمد لله العلي الأجلل
وبابه،
لأن هذا إنما يظهر مثله في صورةٍ، وإظهار نحو اقتتل مستحسن، وعن غير
ضرورةٍ، وكذلك قوله أتحاجوننا في الله و أتمدونني بمال و فبم تبشرون وما
أشبه ذلك، وكذلك يضربونني، وهم يضربانني، أجرى مجرى يضربان نعمان ويشتمون
نافعا ووجه الشبه بينهما أن نون الإعراب هذه لا يلزم أن يكون بعدها نون
الأتراك،تقول يضربان زيداً، ويكرمونك؛ ومن أدغم نحو هذا، واحتج بأن
المثلين في كلمة واحدة، فقال يضرباني، وقل أتحاجونا، فإنه يدغم أيضا، نحو
اقتتل فيقول قتل، ومنهم من يقول اقتتل، فيثبت همزة الوصل مع حركة الفاء
لما كانت الحركة عارضة للنقل أو للالتقاء الساكنين، وهذا مبين في فصل
الإدغام ومن ضد ذلك قولهم ها الله، أجرى مجرى دابة و شابة وكذلك قراءة من
قرأ ولا تيمموا، ولا تفرقوا، واذكروا، ولا تعاونوا على الإثم، وقوله فتفرق
بكم عن سبيله، في نيف وثلاثين موضعا، أدغم التاء الأولى في الثانية، وجعل
ما ليس من الكلمة كأنهما واحد ومثله وإن أدرى أقريبٌ ما توعدون، هذا كما
أنشدوه من قوله
من أي يومي من الموت أفر ... أيوم لم يقدر ام يوم قدر
والقول
فيه أنه أراد أيوم لم يقدر أم يوم قدر، ثم خفف همزة أم فحذفها وألقى
فتحتها على لم يقدر، فصار تقديره أيوم لم يقدر، ثم أشبع فتحة الراء فصار
تقديره لم يقدر ام، فحرك الألف لالتقاء الساكنين، فانقلبت همزة فصار يقدر
أم، واختار الفتحة إتباعا لفتحة الراء ونحو من هذا التخفيف قولهم في
المرأة و الكمأة إذا خففت الهمزة المراة و الكماة، وهذا إنما يجوز في
المتصل ومن ذلك قوله لكنا هو الله ربي لكنا أصله لكن أنا، فخففت الهمزة
فحذفها وألقيت حركتها على نون لكن، فصارت لكنا فأجرى غير اللازم مجرى
اللازم، فاستثقل التقاء المثلين متحركين فأسكن الأول وأدغم الثاني، فصار
لكنا كما ترى وقياس قراءة من قرأ قالوا الآن فحذف الواو، ولم يحفل بحركة
اللام، أن يظهر النونين هناك، لأن حركة الثانية غير لازمة، فقوله لكننا
بالإظهار كما يقول في تخفيف حوأبة و جيأل حوية، وجيل، فيصبح حرفا اللين
هنا لا يقلبان، لما كانت حركتهما غير لازمة ومثله قوله قالوا لان لأن قوله
عاداً لولى من أثبت التنوين في عاد ولم يدغمها في اللام فلأن حركة اللام
غير معتد بها، لأنها نقلت إليها من همزة أولى، فاللام في تقدير السكون وإن
تحركت، فكما لا يجوز الإدغام في الحرف الساكن فكذا لا يدغم في هذه اللام و
عادا على لغة من قال ألحمر، فأثبت همزة الوصل مع تحرك اللام، لأنها غير
معتد بها ومن قال عاد لولى، فأدغم، فإنه قد اعتد بحركة اللام فأدغم، كما
أن من قال قالوا لان، أثبت الواو اعتداداً بحركة اللام ومثله قوله تعالى
إنا إذاً لمن الآثمين، من اعتد بحركة اللام أسكن النون، ومن لم يعتد حرك
النون ومن ذلك قوله تعالى لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب، حرك النون من
يكن لالتقاء الساكنين، ولم يعتد بها لأنها في تقدير السكون، ولو كان
الاعتداد بها لأعاد ما حذف من أجله، وهو الواو وقال أبو علي فإن قلت فقد
اعتدوا بتحريك التقاء الساكنين في موضع آخر، وذلك قوله لم يكن الذين
كفروا، ألا ترى أن من يقول لم يك زيد منطلقا، إذا تحرك لالتقاء الساكنين
لم يحذف، كما أنه إذا تحرك بحركة الإعراب لم يحذف، فالقول إن ذلك أوجه من
الأول من حيث كثر في الاستعمال وجاء به التنزيل، فالاحتجاج به أقوى فأما
حذف الشاعر له مع تحريكها بهذه الحركة، كما يحذفها إذا كانت ساكنة، فإن
هذه الضرورة من رد الشيء إلى أصله، نحو يعنى بحذف الشاعر له قوله
لم يك الحق على أن هاجه ... رسم دارٍ قد تعفى بالسرر
وقد ذكرنا في المستدرك أن هذا ليس بلغة من قال لم يكن، وإنما من لغة من قال أو لم تك تأتيكم و ولا تك في ضيق، وما أشبه ذلك
ومن
ذلك قوله وقل الحق من ربكم، و قل اللهم مالك الملك، وقم الليل، قل الله،
وإنا أو إياكم يعتد بكسرة اللام والميم فلم يرد المحذوف، كما اعتد بها في
قوله فقولا له قولا لينا، فقولا إنا رسول رب العالمين فرد المحذوف لما
اعتد بفتح اللام ومن قرأ فقلا له قولاً لينا حمله على قوله وقل الحق من
ربكم، فإن قلت إنهم قد اعتدوا بحركة التقاء الساكنين في قوله عليهم الذلة
ومن دونهم امرأتين وإليهم اثنين فيمن قرأ بضم الهاء، إنما ضموا تبعا لضم
الميم وهي لالتقاء الساكنين، وعلى ما قدمت تلك حركة لا اعتداد بها، فكيف
أتبعها الهاء؟ قيل إن من ضم الهاء أراد الوفاق بين الحركتين وهم مما
يطلبون المطابقة، فكأنهم اعتدوا لأجل هذا المعنى بحركة التقاء الساكنين
فمن ذلك قوله تعالى وقد خلت القرون من قبلى و قد خلت النذر وقوله زنت
الأمة، وبغت الأمة، فحذفوا الألف المنقلبة عن اللام، لسكونها وسكون تاء
التأنيث، ولما حركت التاء لالتقاء الساكنين لم ترد الألف ولم تثبت، كما لم
تثبت في حال سكون التاء، وكذلك لم يخف الرجل، ولم يقل القوم، ولم يبع ومن
ذلك قولهم اضرب الاثنين، واكتب الاسم، فحركت اللام من افعل بالكسرة
لالتقاء الساكنين، ثم لما حركت لام المعرفة من الاسم والاثنين لم تسكن
اللام من افعل كما لم تسكنها في نحو اضرب القوم، لأن تحريك اللام لالتقاء
الساكنين، فهي في تقدير السكون ومن ذلك قوله تعالى ألم يعلموا أن الله
يعلم سرهم ونجواهم، وقوله حتى يقولا إنما نحن فتنة، وقوله هم الذين يقولون
لا تنفقوا على من عند رسول الله، وقوله ألم تعلموا أن أباكم، فحذفوا النون
في هذه المواضع، كما حذفوا الألف والواو والياء السواكن إذا كن لامات من
حيث عودلن بالحركة، ولو كانت حركة النون معتدّاً بها لحذفت هي من دون
الحرف، كما فعل ذلك بسائر الحروف المتحركة إذا لحقها الجزم، ويدل على ذلك
أيضا اتفاقهم على أن المثلين إذا تحركا ولم يكونا للإلحاق، أو شاذا عن
الجمهور، أدغموا الأول في الآخر وقالوا، اردد ابنك، واشمم الريحان، فلم
يدغموا في الثاني، إذا تحرك لالتقاء الساكنين، كما لم يدغموه قبل هذا
التحريك، فدل ذلك على أن التحريك لا اعتداد به عندهم ومن ذلك قوله تعالى
أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدىو لا تنسوا الفضل بينكم لم يهمزوها كما
همزوا أقتت، وأجوه، لما لم يعتد بحركة التقاء الساكنين ومن ذلك قوله تعالى
لا تقصص رؤياك على إخوتك وقوله قد صدقت الرؤيا وقولهم نوى قالوا في تخفيف
ذلك كله رويا ونوى، فيصح الواو هنا، وإن سكنت قبل الياء، من قال إن
التقدير فيهما الهمزة، كما صحت في ضو ونو، تخفيف ضوء ونوء، لتقديرك الهمز
وإرادتك إياه وكذلك أيضا صح نحو شي، وفى، في شيء، وفيء، كذلك
الثالث والستون ما جاء في التنزيل من الحروف المحذوفة تشبيها بالحركات، وذلك يجيء في الواو والياء، وربما يكون في الألف
وصاني العجاج فيما وصنى
فنظير حذف هذه الحروف للتخفيف حذف الحركات أيضا له، في نحو قوله
وقد بداهنك من المئزر
وقوله
فاليوم أشرب غير مستحقب
وحذف الياء أكثر من حذف الألف لخفاء الألف، ألا تراه قال
ورهط ابن المعل
أقل
من قوله نبغ و يسر، ولهذا لم يحمل البصريون قوله قال يا ابن أم على أن
أصله يا ابن أمى، فقلبت الكسرة فتحة والياء ألفا ثم حذفت الألف، لقلة ذلك،
ولكن حملوه على باب خمسة عشر، مما جعل الاسمان فيه اسما واحدا، وهكذا
قالوا في قوله يا أبت إنه فتح التاء تبعا للباء، وعلى أنه أقحم التاء، على
لغة من قال يا طلحة، ولم يحملوه على أن أصله يا أبتا فحذف الألف ولكن من
قال يا بني، أدغم ياء التصغير في ياء الإضافة، وياء الإضافة مفتوحة، وحذف
لام الفعل وحذف الألف من هذه الكلمات الثلاث مذهب أبي عثمان ومن ذلك إن
تاء التأنيث في الواحد لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا، نحو حمزة، وطلحة،
وقائمة، ولا يكون ساكنا، فإن كانت الألف وحدها من سائر الحروف جازت، وذلك
نحو قطاة، وحصاة، وأرطاة، وحبنطاة، أفلا ترى إلى مساواتهم بين الفتحة
والألف حتى كأنها هي هي وهذا أحد ما يدل على أن أضعف الحروف الثلاثة الألف
دون أختيها، لأنها قد خصت هنا بمساواة الحركة دونها ومن ذلك أنهم قد بينوا
الحرف بالهاء، كما بينوا الحركة بها، وذلك قولهم وازيداه، واغلاماه،
واغلامهوه، واغلامهيه، وانقطاع ظهراه فهذا نحو من قولهم أعطيتكه، ومررت
بكه، واغزه، ولا تدعه، والهاء في كله لبيان الحركة ومن ذلك قراءة من قرأ
إن بيوتنا عورة بكسر الواو وقولهم القود، والحوكه، والخونة وقد جرت الياء
والواو هنا في الصحة لوقوع الحركة بعدهما مجراهما فيها، لوقوع حرف اللين
ساكنا بعدهما، نحو القواد، والعياب، والصياد، وإن بيوتنا عورة فهذا إجراء
الحركة مجرى الحرف ومنه باب قدر و هند في باب ما لا ينصرف في الثلاثي
المؤنث الحركة في قدر بمنزلة حرف، نحو زينب و عقرب ومنه حذف الحرف من
جمزى، لما جرى الميم متحركا جرى مجرى الخماسي، نحو مرتمى، ومرتضى
الرابع والستون ما جاء في التنزيل أجرى فيه الوصل مجرى الوقف
قد كنت عندك حولاً لا تروعنى ... فيه روائع من إنس ولا جانى
ومن ذلك قراءة من قرأ فإما يأتينكم مني هدًى و قال يا بشراى هذا غلام هذا على أن الوقف في هدًى هدى بالإسكان، وفي بشراى بشرى، كما حكاه سيبويه من أنهم يقفون على أفعى، أفعى، ثم لما أدخل ياء الإضافة أدغم الياء في الياء وأجرى الوصل مجرى الوقف ومن ذلك قراءة نافع أنا أحيى وأميت، وأنا أول المؤمنين، وأنا أعلم بما أخفيتم فهذه على لغة من وقف على أنا فقال أنا ومثله ولكنا هو الله ربى، الأصل لكن أنا هو الله ربي، فحذف الهمزة وأدغم النون في النون ومن ذلك قراءة حمزة ومكر السيئ ولا يحيق، بإسكان الهمزة في الإدراج، فإن ذلك يكون على إجرائها في الوصل مجراها في الوقف، وهو مثل سيساء، وعيهل، والقصباء، وحسناء، وهو في الشعر كثير ومما يقوى ذلك أن قوما قالوا في الوقف أفعى وأفعو، أبدلوا من الألف الواو والياء ثم أجروها في الوصل مجراها في الوقف، فقالوا هذا أفعويا وكذلك حمل حمزة في هذا الموضع، لأنها كالألف في أنها حرف علة، كما أن الألف كذلك، ويقوى مقاربتها الألف أن قوما يبدلون منها الهمزة في الوقف فيقولون رأيت رجلأ، ورأيت جبلأ ويحتمل وجها آخر، وهو أن تجعل يأولا من قوله ومكر السيئ ولا بمنزلة إبل ثم أسكن الحرف الثاني كما أسكن من إبل لتوالي الكسرتين، أجراها وقبلها ياء فخفف بالإسكان، لاجتماع الياءآت والكسرات، كما خففت العرب من نحو أسيدى وبالقلب في رحوى، ونزلت حركة الإعراب بمنزلة غير حركة الإعراب، كما فعلوا ذلك في قوله
فاليوم أشرب غير مستحقب
وقد بدا هنك من المئزر
و لا يعرفنكم العرب
وكما
أن حركة غير الإعراب نزلت منزلة حركة الإعراب في نحو رد، وفر، وعض، فأدغم
كما أدغم يعض، ويفر، لما تعاقب حركات الإعراب على لامها، وهي حركة التقاء
الساكنين وحركة الهمزة المخففة وحركة النونين، ونزلت هذه الحركات منزلة
حركة الإعراب حتى أدغم فيها كما أدغم المعرب، وكذلك نزلت حركة الإعراب
منزلة غير حركة الإعراب في أن استجيز فيها من التخفيف كما استجيز في
غيرها، وليس تختل بذلك دلالة الإعراب، لأن الحكم في مواضعها معلوم، كما
كان معلوما في المتصل والإسكان للوقف
الخامس والستون ما جاء في التنزيل من بناء النسب
وغررتني وزعمت أن ... ك لابنٌ في الصيف تامر
أي ذو لبن وذو تمر ومنه عندي خير الملك سكة مأبورة أو مهرة مأمورة أي ذات كثرة؛ لأن أمر القوم إذا كثروا، فهو مثل قوله حجاباً مستورا قال قال أبو عمرو إنما نعرف مأمورة على هذا الوجه، ولا نعرف أمرته أي كثرته وحكاه غيره، فإن صح فهو على بابه
السادس والستون ما جاء في التنزيل أضمر فيه المصدر لدلالة الفعل عليهوذكر سيبويه من ذلك قولهم من كذب كان شرا له، أي كان الكذب شرا له فمن ذلك قوله تعالى فما يزيدهم إلا طغياناً كبيرا أي فما يزيدهم التخويف ومنه وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا أي لا يزيد إنزال القرآن إلا خسارا ومنه يخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً أي يزيدهم البكاء والخرور على الأذقان وقد ذكرنا قديما في قوله واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرةٌ أن الهاء كناية عن الاستعانة وفي قوله يذرؤكم فيه أي يذرؤكم في الذرء ومن ذلك قوله اعدلوا هو أقرب للتقوى أي العدل أقرب للتقوى ومن ذلك قوله تعالى ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله، يقرأ بالتاء والياء، فمن قرأ بالتاء فتقديره لا تحسبن بخل الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله، فحذف البخل وأقام المضاف إليه مقامه، وهو الذين، كما قال واسأل القرية ومعناه أهل القرية ومن قرأ بالياء ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله البخل خيرا لهم وهو في هذه القراءة استشهاد سيبويه وهو أجود القراءتين في تقدير النحو، وذلك أن الذي يقرأ بالتاء يضمر البخل من قبل أن يجرى لفظه تدل عليه، والذي يقرأ بالياء يضمر البخل بعد ذكر يبخلون، كما قال من كذب كان شرًّا له
السابع والستون ما جاء في التنزيل ما يكون على وزن مفعل بفتح العين ويراد به المصدر ويوهمك أنه مكانفمن ذلك قوله تعالى النار مثواكم خالدين فيها المثوى، ها هنا، مصدر، أي قال النار ذات ثوائكم، لا بد من هذا ليعمل في الحال، ف خالدين حال، والعامل فيه نفس المصدر وجوز مرة أخرى أن يكون حالا من المضاف إليه، والعامل فيه معنى المضامة والممازجة، كما قال ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخواناً وقال إن دابر هؤلاء مقطوعٌ مصبحين فيجوز على هذا أن يكون المثوى المكان ومن ذلك قوله لقد كان لسبإ في مسكنهم آيةٌ أي في مواضع سكناهم، لا بد من هذا، لأنه إذا كان مكانا كان مفردا مضافا إلى الجمع، والأحسن في مثل هذا أن يجمع، فلما أفرد علمت أنه مصدر ومثله في مقعد صدق، أي في مواضع قعود صدق، فهو مصدر، والمضاف محذوف قال سيبويه وأما ثلثمائة إلى تسعمائة فإنه شاذ، كان ينبغي أن يكون مئين أو مئات، ولكنهم شبهوه بعشرين وأحد عشر، حيث جعلوا ما يبين به العدد واحدا، لأنه اسمٌ العدد، كما أن عشرين اسم العدد، وليس بمستنكر في كلامهم أن يكون اللفظ واحدا والمعنى جميع، حتى قال بعضهم في الشعر من ذلك ما لا يستعمل في الكلام قال علقمة بن عبدة
بها جيف الحسرى فأما عظامها ... فبيضٌ وأما جلدها فصليب
وقال آخر
لا تنكر القتل وقد سبينا ... في حلقكم عظمٌ وقد شجينا
ونظير هذا قول حميد
وما هي إلا في إزار وعلقةٍ ... مغار ابن همام على حي خثعما
ف مغار ليس بزمان لتعلق على به، والمضاف فيه محذوف، أي وقت إغارة ابن همام ومثله
كأن مجر الرامسات ذيولها ... عليه قضيمٌ نمقته الصوانع
أي كان مكان مجر الرامسات، ف مجر مصدر، لانتصاب ذيولها به، والمضاف محذوف وكذلك قول ذي الرمة
فظل بملقى واحف جزع المعى
نصب جزع المعى ب ملقى لأنه أراد به المصدر، أي موضع إلقاء واحف جزع المعى
الثامن والستون ما جاء في التنزيل من حذف إحدى التاءين في أول المضارع
ومنه قوله تسوى بهم الأرض، أي تتسوى، فحذف
ومنهم من أدغم فقرأ، تسوى، كما أدغم تصدقوا وقد اختلفوا في حذف هذه التاء
أيتها هي، فمن قائل المحذوفة الأولى، ومن قائل المحذوفة الثانية، وهذا هو
الأولى، لأنهم أدغموها في نحو تذكرون، وتزكى، ولأنه لو حذف حرف المضارعة
لوجب إدخال ألف الوصل في ضروب من المضارع، نحو يذكرون ودخول ألف الوصل لا
مساغ له هنا، كما لا يدخل على أسماء الفاعلين والمفعولين، لأن حذف الجار
أقوى من حذف حرف المضارعة، للدلالة عليه بالجر الظاهر في اللفظ، يعني في
لاه أبوك فلهذا خفف الثاني في هذا النحو دون حرف المضارعة، لأن الحذف غير
سائغ في الأول مما لم يتكرر، لأنك قد رأيت مساغ الحذف من الأول من هذه
المكررة
التاسع والستون ما جاء في التنزيل حمل فيه الاسم على الموضع دون اللفظ
فمن ذلك قوله تعالى وما من إله إلا الله فقوله إلا الله رفع محمول على موضع من إله، وخبر من إله مضمر، وكأنه قال الله في الوجود ولم يجز حمله على اللفظ، إذا لا يدخل من عليه وعلى هذا جميع ما جاء في التنزيل في قوله لا إله إلا الله خبر لا مضمر، ولفظة الله محمول على موضع لا إله ومثله ما لكم من إله غيره، فيمن قرأه بالرفع في جميع التنزيل ومثله هل من خالقٍ غير الله، فيمن رفعه ومثله فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، هو محمول على موضع الجار والمجرور في أحد الوجوه وقيل في قوله وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إن نصبه محمولا على الجار والمجرور؛ ويراد بالمسح، الغسل، لأن مسح الرجلين لما كان محدودا بقوله إلى الكعبين حمل على الغسل وقيل هو محمول على قوله فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ومن ذلك قوله تعالى قل إنني هدانى ربى إلى صراط مستقيم ديناً قيما، ف دينا محمول على الجار والمجرور، أي هدانى دينا قيما وقيل فيه غير ذلك ومثله قوله وجاهدوا في الله، إلى قوله ملة أبيكم إبراهيم، أي جاهدوا في دين الله ملة أبيكم، هو محمول على موضع الجار والمجرور، أي هدانى وأما قوله قل كفى بالله شهيداً بينى وبينكم ومن عنده، ففي موضع من وجهان الجر على لفظة الله، والحمل على موضع الجار والمجرور، أي كفاك الله ومن عنده علم الكتاب وهذا قوله أولم يكف بربك أنه، يجوز في موضع أن الجر والرفع، فالجر على اللفظ، والرفع على موضع الجار والمجرور، أي ألم يكف ربك شهادة على كل شيءالمتم السبعين ما جاء في التنزيل حمل فيه ما بعد إلا على ما قبله، وقد تم الكلامفمن ذلك قوله تعالى وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأى ف بادى الرأى، منصوب بقوله اتبعك، وهم لا يجيزون ما أعطيت أحدا درهما إلا زيداً دينارا، وجاز ذا ها هنا؛ لأن بادى ظرف، والظرف تعمل فيه رائحة الفعل وقيل هو نصب على المصدر، أي ابتداء الرأى قلت وذكر الأخفش هذه المسائل وفصل فيها، فقال لو قلت أعطيت القوم الدراهم إلا عمراً الدرهم، لم يجز، ولكن يجوز في النفي ما أعطيت القوم الدراهم إلا عمراً الدرهم فيكون ذلك على البدل؛ لأن البدل لا يحتاج إلى حرف، فلا يعطف بحرف واحد شيئان منفصلان، وكذلك سبيل إلا ومثله وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحى إليهم، إلى قوله بالبينات والزبر، حمله قوم على من قبلك، لأنه ظرف، وحمله آخرون على إضمار فعل دل عليه أرسلنا ومثله ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر، ف بصائر حال من هؤلاء، والتقدير ما أنزل هؤلاء بصائر إلا رب السموات والأرض، جاز فيه ذا لأن الحال تشبه الظرف من وجه فأما قوله وما كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً، فقد تكلمنا فيه غير مرة في كتب شتى
قال أبو علي ينبغي أن يكون قوله أو من وراء حجاب إذا جعلت
وحيا على تقدير أن يوحى، كما قاله الخليل، ما لم يجز أن يكون على أن
الأولى، من حيث فسد في المعنى، يكون من وراء حجاب على هذا متعلق بفعل
محذوف في تقدير العطف على الفعل الذي يقدر صلة ل أن الموصولة ب يوحى،
ويكون ذلك الفعل يكلم، وتقديره ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحى
إليه أو يكلم من وراء حجاب، فحذف يكلم لجرى ذكره أولا، كما حذف الفعل في
قوله كذلك لنثبت به فؤادك لجرى ذكره، والمعنى كذلك أنزلناه، وكما حذف في
قوله الآن وقد عصيت قيل والمعنى، الآن آمنت، فحذف حيث كان ذكر آمنت قد جرى
وهذا لا يمتنع حذفه من الصلة، لأنه بمنزلة المثبت، وقد تحذف من الصلة
أشياء للدلالة ولا يجوز أن يقدر تعلق من من قوله من وراء حجاب إلا بهذا،
لأنك إن قدرت تعلقه بغيره فصلت بين الصلة والموصول بأجنبي؛ ولا يجوز أن
يقدر فصل بغير هذا، كما قدر في أو في قوله إلا أن يكون ميتةً أو دماً
مسفوحاً أو لحم خنزيرٍ فإنه رجسٌ أو فسقاً لأن هذا اعتراض يسدد ما قبله،
وأنت إذا قدرت أو من وراء حجاب متعلقا بشيء آخر كان فصلاً بأجنبي، إذ ليس
هو مثل الاعتراض الذي يسدد وأما من رفع فقال أو يرسل رسولا، فينبغي أن
يكون قوله أو من وراء حجاب متعلقا بمحذوف، ويكون الظرف في موضع حال، إلا
أن قوله إلا وحيا، على هذا التقدير، مصدر في موضع الحال، كأنه يكلمه الله
إلا إيحاء، أي موحيا، كقولك جئتك ركضاً ومشياً، ويكون من في قوله أو من
وراء حجاب في أنه في موضع حال، مثل من في قوله ومن الصالحين، بعد قوله
ويكلم الناس في المهد وكهلاً فهذه مواضع وقعت فيها في ظرفا في موضع حال،
كما وقع سائر حروف الجر وعلى هذا الحديث المروى أدوا عن كل حرٍّ وعبدٍ من
المسلمين، ف من المسلمين حال من الفاعلين المأمورين المضمرين، كما أنه،
أدوا كائنين من المسلمين، أي أدوا مسلمين؛ كما أن قوله ومن الصالحين معناه
يكلمهم صالحا ومعنى أو من وراء حجاب في الوجه الأول يكلمهم غير مجاهر لهم
بالكلام من حيث لا يرى، كما يرى سائر المتكلمين، ليس اله حجاب يفصل موضعا
من موضع، ويدل على تحديد المحجوب هذا كلامه في التذكرة ومن هذا يصلح ما في
الحجة، لأنه قال ذلك الفعل يرسل، وقد أخطأ، والصحيح ذلك الفعل يكلم وقال
في موضع آخر وما كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو
يرسل قوله من وراء حجاب في موضع نصب ب أنه في موضع الحال بدلالة عطفه على
وحيا، وكذلك من رفع أو يرسل رسولا فيوحى، أو يرسل في موضع نصب على الحال
فإن قلت فمن نصب أو يرسل كيف القول فيه مع انفصال الفعل ب أن وكونه معطوفا
على الحال؟ فالقول فيه إنه يكون المعنى أو بأن يرسل، فيكون الفاء على هذا
في تقدير الحال، وإن كان الجار محذوفا وقد قال أبو الحسن في قوله وما لنا
ألا نقاتل في سبيل الله وما لكم ألا تأكلوا إن المعنى وما لكم في أن لا
تأكلوا، وأنه في موضع حال؛ كما أن قوله فما لهم عن التذكرة معرضين كذلك،
فكذلك يكون قوله أو يرسل فيمن نصب، في موضع الحال؛ لعطفه على ما هو حال
قال أبو علي في موضع آخر ما بعد حرف الاستئناء لا يعمل فيما قبله، فلا
يجوز ما زيد طعامك إلا أكل؛ لأن إلا مضارع لحرف النفي ألا ترى أنك إذا قلت
جاءني القوم إلا زيدا، فقد نفيت المجئ عن زيد ب إلا، فكما لا يعمل ما بعد
حرف النفي فيما قبله، كذلك لا يعمل ما بعد إلا فيما قبلها فإن قلت فهلا لم
يعمل ما قبلها فيما بعدها، فلم يجز ما زيد آكل إلا طعامك؟ قيل ما قبلها
يجوز أن يعمل فيما بعدها، وإن لم يجز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها، ألا
ترى أنه قد جاز علمت ما زيد منطلق وقوله تعالى وظنوا ما لهم من محيص
وتظنون إن لبثتم إلا قليلا، فيعمل ما قبلها فيها، ولم يجز ما بعدها أن
يعمل فيما قبلها
الحادي والسبعون ما جاء في التنزيل وقد حذف منه ياء النسب
فمن ذلك قوله تعالى ولو نزلناه على بعض الأعجمين وجمع أعجمى مثل أشعرى، حذف منه ياء النسب في الجمع، وليس جمع أعجم، لأن أعجم مثل أحمر، ولا يقال في أحمر أحمرون ومثله سلام على آل ياسين؛ هو جمع الياس، مثل أشعرين، في جمع أشعرىومنه قراءة من قرأ فاسأل العادين، بالتخفيف، جمع عاد، لكن أبدل من
حرف التضعيف ياء، مثل تظنيت، في تظننت، وكأنه أبدل في عد، و عددت عديت و
عدا
الثاني والسبعون ما جاء في التنزيل وقد أبدل المستثنى من المستثنى منه
فمن ذلك قوله تعالى ما فعلوه إلا قليلٌ منهم، رفعوا قليلا بالبدل من، الواو، في فعلوه، إلا ابن عامر ومن ذلك قوله ولا يلتفت منكم أحدٌ إلا امرأتك رفعه ابن كثير وأبو عمرو على البدل من أحد ومن ذلك قوله ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم، رفعوا أنفسهم عن آخرهم، على البدل من، شهداء ومنه قوله ومن يغفر الذنوب إلا الله، ف من مبتدأ استفهام بمعنى النفي، وفي يغفر ضمير يعود إلى من وقوله إلا الله رفع بدل من الضمير في يغفر وكأنه قال ما أحد يغفر الذنوب إلا الله فثبت أن نظر شارحكم الجليل في هذا الباب ساقط، حيث قال من مبتدأ، وقوله إلا الله خبره ومثله ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه رفع، بدل من الضمير في يرغب فالاختيار في هذه الأشياء إذا كان بعد النفي أن يكون بدلا مما قبله، عند سيبويه وغيره وقال قوم إذا لم يجز في الاستثناء لفظ الإيجاب لم يجز البدل، فيقولون ما أتاني إلا زيد، على البدل، لأنه يجوز أتاني القوم إلا زيدا، ولا يقولون ما أتاني أحد إلا زيد، لأنه لا يجوز أتاني أحد قال أبو سعيد ولأنه قد أحاط العلم إنا إذا قلنا ما أتاني أحد، فقد دخل فيه القوم وغيرهم، فإنما ذكر بعض ما اشتمل عليه أحدهما يستثنى بعضه وقد احتج عليهم سيبويه ببعض ما ذكرناه، بأن قال كان ينبغي إن قال ذلك أن يقول ما أتاني أحد إلا وقد قال ذاك إلا زيدا، والصواب في ذلك نصب زيد و، ما أتاني أحد إلا قد قال ذاك إلا زيدا؛ لأنك لما قلت ما أتاني أحد إلا قد قال ذاك، صار الكلام موجبا لما استثنى من المنفي، فكأنه قال كلهم قالوا ذاك، فاستثنى زيدا من شيء موجب في الحكم، فنصب، وإنما ذكر هذا لأنه ألزم القائل بما ذكر من جواز ما أتاني أحد إلا زيد، ومنع ما أتاني القوم إلا زيد، فإن قال إن كان يوجب النصب لأن الذي قيل إلا جمع، فقد قال الله تعالى ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم بعد الجمع، وإن كان جواز الرفع والبدل لأن الذي قبل إلا واحد، فينبغي أن يجيزوا الرفع في قولهم ما أتاني إلا أحد إلا قد قال ذاك إلا زيد، فالواجب فيه النصب، وإنما ألجأهم سيبويه، إلا أن يقولوا الذي يوجب البدل أن يكون ما قبل إلا نفيا فقط، جمعا كان أو واحدا قال أبو علي الوجه في قولهم، ما أتاني أحد إلا زيد، الرفع، وهو الأكثر الأشيع في الاستعمال والأقيس، فقوته من جهة القياس أن معنى ما أتاني أحد إلا زيدا، وما أتاني إلا زيد، واحد، فكما اتفقوا على ما أتاني إلا زيد، إلا الرفع، وكان ما أتاني أحد إلا زيد، بمنزلته وبمعناه، اختاروا الرفع مع ذكر أحد وأجروا ذلك على يذر، ويدع، في أن يذر لما كان في معنى يدع فتح، وإن لم يكن فيه حرف حلق ومما يقوى ذلك أنهم يقولون ما جاءني إلا امرأة، فيذكرون حملاً على المعنى ولا يؤنثون، ذلك فيما زعم أبو الحسن، إلا في الشعر، قالترى البحر والآجال يأتى عروضها ... فما بقيت إلا الضلوع الجراشع
فكما أجروه على المعنى في هذا الوضع فلم يلحقوا الفعل علامة التأنيث، كذلك أجروه عليه في نحو ما جاءني أحد إلا زيد، فرفعوا الاسم الواقع بعد حرف الاستثناء؛ وأما من نصب فقال ما جاءني أحد إلا زيدا، فإنه جعل النفي بمنزلة الإيجاب، من حيث اجتمعا، في أن كل واحدٍ منهما كلام تام
الثالث والسبعون ما جاء في التنزيل وأنت تظنه فعلت الضرب في معنى ضربته، وذلك لقلة تأملك في هذه الصناعةفمن ذلك قوله تعالى ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم إذا فسرت ما ب ما النافية توجه عليك أن تقول لا يعذبكم الله إن شكرتم وآمنتم وقوله لا يعذبكم الله أفصح من قوله ما يفعل الله بعذابكم وإذا فسرته بالاستفهام لم يلزمك هذا الطعن
ومن ذلك قوله تعالى والذين هم للزكاة فاعلون فيقال لك
هلا قال والذين هم للمال مزكون، لأن زكيت المال أفصح من فعلت زكاة المال،
ولا يعلم هذا الطاعن أن معنى قوله والذين هم للزكاة فاعلون الذين هم
عاملون لأجل الطهارة والإسلام ويطهرون أنفسهم، كما قال قد أفلح من زكاها،
فليس هذا من زكاة المال في شيء، أو يعنى قد أفلح من زكاها، أي من المعاصي
والفجور ومن ذلك قوله ودع أذاهم وتوكل على الله قال معناه لا تؤذهم، وهو
أفصح من دع أذاهم، إلا أنهم قالوا معناه دع الخوف من أذاهم ومن ذلك وأنا
أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل المعنى من
يفعل المذكور منكم؛ لأن قبله تلقون إليهم بالمودة ولو لم يفسره بما ذكرنا
كان من يفعل الإلقاء بالمودة، فيقال لو قال؛ ومن يلق المودة منكم، كان
أفصح فهذه أربع آيات حضرتنا الآن
الرابع والسبعون ما جاء في التنزيل مما يتخرج على أبنية التصريف
فمن ذلك قوله تعالى ذرية بعضها من بعضٍ فسروه مرةً ب فعيلة من الذر، و فعلولة منه أيضا، من ذرأ الله الخلق ومن ذلك قوله تعالى كوكب درى قال أبو علي من قال درى، كان فعيلا من الدرء الذي هو الدفع، وإن خففت الهمزة من هذا قلت درى وحكى سيبويه عن أبي الخطاب كوكب درى، في الصفات، ومن الأسماء المريق، للعصفر ومن ذلك جبريل، وميكائيل، وإسرائيلقال أبو علي روينا عن أبي
الحسن من طريق أبي عبد الله اليزيدي عن عمه عنه أنه قال في جبريل خمس لغات
جبرايل، وجبرئيل، وجبرال، وجبريل، وجبرين، وهذه أسماء معربة؛ فإذا أتى بها
على ما في أبنية العرب مثله كان أذهب في باب التعريب، يقوى ذلك تغييرهم
للحروف المفردة التي ليست من حروفهم، لتغييرهم الحرف الذي بين الهاء
والباء في قلبهم إياه إلى الباء المحضة أو الفاء المحضة؛ كقولهم البرند،
والفرند؛ وكذلك تحريكهم الحركة التي ليست من كلامهم، كالحركة التي في قول
العجم زور وأشوب، يحصلونها ضمة، فكما غيروا الحرف والحركات إلى ما في
كلامهم، فكذلك القياس في أبنية هذه الكلم، إلا أنهم قد تركوا أشياء من
العجمة على أبنية العجم، التي ليست من أبنية العرب، كالآجر، والإبريسم،
والفرند، وليس في كلامهم على هذه الأبنية، فكذلك قول من قال جبريل، إذا
كسر الجيم كان على لفظ قنديل و برطيل، وإذا فتحها فليس لهذا البناء مثل في
كلامهم، فيكون هذا من باب الآجر، والفرند؛ ونحو ذلك من المعرب الذي لم
يجىء له مثل في كلامهم، فكلا المذهبين حسن لاستعمال العرب لهما جميعا، وإن
كان الموافق لأبنيتهم أذهب في باب التعريب، وكذلك القول في ميكال،
وميكايل، بزنة سرداح، وقنطار؛ و ميكايل خارج عن أبنية كلام العرب فأما
القول في زنة ميطل فلا يخلو من أن يكون فيعالا أو مفعالا، ولا يجوز أن
يكون فيعالا لأن هذا بناء يختص به المصدر كالقيتال، والحيقال، وليس هذا
الاسم بمصدر، ولا يجوز أن يكون فعالا فيكون من أ كل أو وكل؛ لأن الهمزة
المحذوفة من ميكايل محتسب بها في البناء؛ فإذا ثبت لك ذلك صارت الكلمة من
الأربعة، وباب الأربعة لا تلحقها الزيادة في أوائلها إلا الأسماء الجارية
على أفعالها، وليس هذا على ذلك الحد، فإذا لم يكن كذلك ثبت أن الميم أصل،
كما كانت الهمزة في إبراهيم ونحوه أصلا ليس بزيادة ولا يجوز أيضا أن يكون
فعالا لأن الهمزة المحذوفة من البناء مقدرة فيه، نظير ذلك في حذف الهمزة
والاعتداد بها مع الحذف في البناء قولهم سواية، إنما هي سوائية كالكراهية،
وكذلك الهمزة المحذوفة من أشياء على قول أبي الحسن مقدرة في البناء، فكذلك
الهمزة في ميكائيل فإن قلت فلم لا تجعلها بمنزلة التي في حطايط و جرايض
فإن ذلك لا يجوز، لأن الدلالة لم تقم على زيادتها، كما قلت في قولهم جرواض
فهو ذا بمنزلة التي في برائل وكذلك جبريل الهمزة التي تحذف منها ينبغي أن
يقدر حذفها للتخفيف، وحذفها للتخفيف لا يوجب إسقاطها من أصل البناء، كما
لم يجز إسقاطها في سوايه من أصل البناء فإذا كان كذلك كانت الكلمة من بنات
الخمسة، وهذا التقدير يقوى قول من قرأ جبرئل و ميكائيل بالهمزة، لأنه يقول
إن الذي قرأ جبريل وإن كان في اللفظ مثل برطيل فتلك الهمزة عنده مقدرة،
وإذا كانت مقدرة في المعنى فهي مثل مائبت في اللفظ، وأما اسرافيل فالهمزة
فيه أصل،لأن الكلمة من بنات الأربعة، كما كانت الميم من ميكايل كذلك، ف
إسرافيل من الخمسة، كما كان جبريل كذلك، والقول في همزة اسرايل و اسماعيل
و ابراهيم مثل القول في همزة اسرافيل، فإنها من نفس الكلمة، والكلمة من
بنات الخمسة، وقد جاء في أشعارهم الأمران، ما هو على لفظ التعريب، وما هو
خارج عن ذلك، قال
عبدوا الصليب وكذبوا بمحمدٍ ... وبجبرئيل وكذبوا ميكالا
وقال
وجبريلٌ رسول الله فينا ... وروح القدس ليس له كفاء
وقال
شهدنا فما تلقى لنا من كتيبةٍ ... يد الدهر إلا جبرئيل أمامها
وقال كعب بن مالك
ويوم بدرٍ لقيناكم لنا مدد ... فيه لذا النصر ميكالٌ وجبريل
فأما
ما روى عن أبي عمرو أنه كان يخفف جبريل وميكال ويهمز اسرائيل فما أراه إلا
لقلة مجىء اسرال وكثرة مجىء جبريل وميكال في كلامهم، والقياس فيهما واحد،
وقد جاء في شعر أمية إسرال، قال
لا أرى من يعيشنى في حياتي ... غير نفسي إلا بنو إسرال
قال
إن ايل و آل اسم الله، وأضيف ما قبلهما إليهما، كما يقال عبد الله؛ وهذا
ليس بمستقيم من وجهين أحدهما أن ايل و ال لا يعرفان في اسم الله سبحانه
وتعالى في اللغة العربية
والآخر أنه لو كان كذلك لم ينصرف آخر الاسم
في وجوه العربية، ولكان الآخر مجرورا، كما أن آخر عبد الله كذلك، ولو كان
مضافا لوقع التعريب عليه، على حد ما وقع في غيره من الأسماء المضاف إليها
ومما يلحق بهذا الباب زكريا من قوله عز وجل وكفلها زكريا فالقول في همزته
أنها لا تخلو من أن تكون للتأنيث أو للإلحاق به، ولا يجوز أن تكون منقلبة،
ولا يجوز أن تكون للإلحاق، لأنه ليس في الأصول شيء على وزنه فيكون هذا
ملحقا به، ولا يجوز أن تكون منقلبة لأن الانقلاب لا يخلو من أن يكون من
نفس الحرف، أو من الإلحاق، فلا يجوز أن يكون من نفس الحرف، لأن الياء
والواو لا يكونان أصلا فيما كان على أربعة أحرف، ولا يجوز أن تكون منقلبة
من حرف الإلحاق، لأنه ليس في الأصول شيء على وزنه يكون هذا ملحقا به، فإذا
بطل هذا ثبت أنه للتأنيث، وكذلك القول فيمن قصر وقال زكريا، ونظير القصر
والمد في هذا الاسم قولهم الهيجا، والهيجاء، قال لبيد
إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا ... فحسبك والضحاك سيفٌ مهند
لما
أعربت الكلمة وافقت العربية، وقد حذفوا ألف التأنيث من الكلمة فقالوا يمشى
الجيض والجيضى، فعلى هذا قالوا زكريا وزكرى، فمن قال زكرى، صرف، والقول
فيه أنه حذف الياءين اللتين كانتا في زكريا وألحق الكلمة ياء النسب، يدلك
على ذلك صرف الاسم، ولو كانت الياء في زكرى الياءين اللتين كانتا في زكريا
لوجب ألا ينصرف الاسم للعجمة والتعريف، كما أن ابراهيم ونحوه من الأعجمية
لا ينصرف، وانصراف الاسم يدل على أن الياءين للنسب فانصرف الاسم، وإن كان
لو لم يلحقه الياء لم ينصرف للعجمة والتعريف، يدلك على ذلك أن ما كان على
وزن مفاعل لا ينصرف، فإذا لحقته ياء النسب انصرف، كقولك مدائنى، ومغافرى
وقد جرت تاء التأنيث فقالوا صياقل فلم يصرفوا، وألحقوا التاء فقالوا
صياقلة، فاتفق تاء التأنيث وياء النسب في هذا، كما اتفقا في رومى وروم،
وشعيرة وشعير، ولحقت الاسم يا آان، وإن لم يكن فيه معنى نسب إلى شيء، كما
لم يكن في كرسى، وقمرى، وثمانى، معنى نسب إلى شيء وهذا نظير لحاق التأنيث
ما لم يكن فيه معنى تأنيث، كعرفة وطلحة، ونحو ذلك ويدل على أن الياءين في
زكرى ليستا اللتين كانتا في زكريا أن ياءى النسب لا تلحقان قبل ألف
التأنيث، وإن كانتا قد لحقتا قبل التاء في بصرية لأن التاء بمنزلة اسم
مضموم إلى اسم، والألف ليست كذلك، ألا ترى أنك تيسر عليها الاسم، والتاء
ليست كذلك ذكره الفارس في الحجة ومن ذلك قراءة من قرأ ألا إنهم يثنون
صدورهم على يفعوعل صدورهم بالرفع بمعنى تنطوى صدورهم انطواء وروى أيضا
بالياء يثنونى من اثنونى مثل احلونى كررت العين للمبالغة ومنه اخشوشنوا،
من قول عمر وروى عن ابن عباس ليثنون بلام التأكيد في خبر إن، وأراد تثنونى
على ما مضى، لكنه حذف الياء تخفيفا وصدورهم كذلك رفع وروى عن ابن عباس
أيضا يثنون ووزنه يفعوعل من الثن وهو ما يبس وهش من العشب، وتكرير العين
فيه أيضا للمبالغة، و صدورهم رفع فاعل بالفعل، والمعنى لأن قلوبهم انقادت
لهم للاستخفاء من الله تعالى فأما تشديد النون فلأنه كان في الأصل يثنونن
فأدغم، لأن إظهار ذلك شاذ وروى أيضا يثنئن بالهمزة، مثل يطمئن و صدورهم
كذلك رفع وهو من باب وشاح وإشاح، ووسادةٍ وإسادة وقد قيل إن يثنئن يفعئل،
من الثن المقدم، مثل يحمار، ويصفار فحركت الألف لالتقائهما بالكسر،
فانقلبت همزة وروى إلا أنهم يثنون صدورهم، من أثنى يثنى، إذا وجده منطويا
على العداوة، من باب، أحمدته، أي، وجدته محمودا ومن ذلك ام جاء في التنزيل
من قوله في نحو قوله إياك نعبد وإياك نستعين وقوله وإياى فارهبون، وقوله
وإياى فاتقون، وقوله ضل من تدعون إلا إياه، وقوله فإياى فاعبدون كل مفسر،
على قول أبي إسحاق؛ لأن إياك عنده مظهر، وهو مضاف إلى الكاف، وعلى قول
غيره هو مضمر، فإذا كان مضمرا لم يحكم بوزنه ولا اشتقاقه ولا تصرفه، فأما
إذا كان مظهرا وسمى به على قول من قال هو مضمر، فيحتمل ثلاثة أضرب أحدهما
أن يكون من لفظ آويت والآخر أن يكون من لفظ الآية والآخر أن يكون من تركيب
أو و، وهو من قول الشاعر
فأو لذكراها إذا ما ذكرتها ... ومن بعد أرضٍ دونها وسماء
فيمن
رواه هكذا فأو على هذا بمنزلة قو زيدا، وهو من مضاعف الواو، ولا يكون فأو،
كقولك سو زيدا، وأو عمرا، و حو حبلا، فإن ذهب إلى أن أيا من لفظ أويت
احتمل ثلاثة أمثلة أحدها أن يكون، أفعل والثاني فعيلا، وفعولا والأخيرة
فعلى أما أفعل فأصله إيؤى، فقلبت الياء، التي هي لامٌ، ألفاً، لتحركها
وانفتاح ما قبلها، فصارت إأوا قلبت الهمزة الأولى التي هي فاء الفعل ياء،
لسكونها وانكسار الهمزة قبلها، فصارت ايوا، فلما اجتمعت الياء والواو
وسبقت الياء بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء فصارت إيا فإن
قلت ألست تعلم أن الياء قبل الواو في إيوا ليست بأصلٍ، وإنما هي بدل من
الهمزة التي هي ياء الفعل، فهلا لم تقلب لها الواو ياء، إذ كانت غير أصل
وبدلا من همزة، كما يقول في الأمر من أوى يأوى إيو يا رجل، ولا تقلب الواو
ياء، وإن كانت قبلها ياء، لأن تلك الياء أصلها الهمزة؟ فالجواب أن هذا
إنما يفعل في الفعل لا في الاسم، وذلك أن الفعل لا يستقر على حال واحدة،
ولا الهمزة المكسورة في أوله بلازمة، وإنما هي ثابتة ما ابتدأت، فإذا وصلت
سقطت البتة، ألا تراك تقول أيو، و أو، وإن شئت فأو، كما قال فأووا إلى
الكهف، وليس كذلك الاسم، لأنه إن كانت في أوله كسرة أو ضمة أو فتحة ثبت
على كل حال، وذلك قولك إياك نعبد، وضربت القوم إلا إياك، فالهمزة ثابتة
مكسورة في الوصل والوقف، ألا ترى أنهم قالوا في مثل أحوى من أويت أيا،
فأصله أأوا، فقلبت الهمزة الثانية لاجتماع الهمزتين ياء، فصارت ايوا،
وقلبت الواو ياء لوقوع الياء الساكنة المبدلة من الهمزة قبلها، فصار أيى
فلما اجتمعت ثلاث ياءات على هذه الصفة حذفت الأخيرة تخفيفا، كما حذفت من
تصغير أحوى في قولك أحى وكذلك قالوا في مثل أويةٍ من أويت أياه، وأصله
أوية، فقلبت الهمزة الثانية ياء، وأبدلت لها الواو ياء، وأدغمت الأولى في
الثانية، وقلبت الياء الأخيرة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت أياه
فهذا حكم الأسماء لأنها غير منقلبة، والأفعال لا تثبت على طريقة واحدة،
فليس التغيير فيها بثابت وأما كونه فعيلا من وزن عرتل و طريم و عذيم فأصله
على هذا أويى، ففصلت ياء فعيل بين الواو والياء، كما فصلت في المثال بين
العين واللام، فلما سكنت الواو وانكسر ما قبلها قلبت ياء وأدغمت في ياء
فعيل، فصارت أيى، ثم قلبت الياء الأخيرة، التي هي لامٌ ألفا، لتحركها
وانفتاح ما قبلها، فصارت أيا وأما كونه فعولا فأصله إووى فقلبت الواو
الأولى ياء، التي هي عين لسكونها وانكسار الهمزة قبلها، ثم قلبت الواو
الزائدة بعدها ياء، لوقوع الياء ساكنة قبلها، وأدغمت الأولى في الثانية،
وقلبت الياء، التي هي لامٌ ألفاً، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت إيا،
كما ترى، فلم تصح الواوان، لأنهما لستا عينين وأما كونه فعلى فأصله إويا
فقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ولوقوع الياء بعدها أيضا، ثم
أدغمت في الياء بعدها فصارت إيا فإن سميت به رجلا وهو أفعل لم ينصرف معرفة
وانصرف نكرة، وحاله فيه حال إشفى، وإن سميت به رجلا وهو فعلى فالوجه أن
يجعل ألفه للتأنيث بمنزلة ألف ذكرى و ذفرى، فإذا كان كذلك لم ينصرف معرفة
ولا نكرة، وإن ذهبت إلى أن ألفه للإلحاق وألحقته ب تجرع وأجريتها مجرى ألف
مغزى لم تصرفه معرفة وصرفته نكرة، وجرى حينئذٍ مجرى ألف حبنطى و دلنطى و
سرندى وأما إذا جعلت أيا من لفظ الآية فيحتمل أن يكون على واحدٍ من خمسة
أمثلة، وهي أفعل، وفعل، وفعيل، وفعول، وفعلى، وذلك أن عين الآية من الياء،
كقول الشاعر
لم يبق هذا الدهر من آيائه ... غير أثافيه وأرمدائه
فظهور الياء عينا في آياته يدل على ما ذكرناه من كون العين من آية ياء، وذلك أن وزن آيا افعال، ولو كانت العين واوا لقالوا أواية، إذ لا مانع من ظهور الواو في هذا الموضع، فإذا ثبت وبغيره مما يطول ذكره كون العين من آية ياء ثم جعلت ايا افعلا فأوصله اآئى، فقلبت الهمزة الثانية التي هي فاء ياءً، لاجتماع الهمزتين وانكسار الأولى منهما، ثم أدغمتهما في الياء التي هي عين بعدها فصارت أي، ثم قلبت الياء التي هي لام في آيةٍ و آى ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت أيا، ولم يسغ الاعتراض الذي وقع قديما في إدغام الياء المبدلة من الهمزة التي هي فاء في افعل من اويت إذ صار لفظها إلى أيوى لأن العين هناك واو، فاحتجت إلى قلبها ياء، لوقوع الياء المبدلة من الهمزة قبلها، والانتصار هناك لذاك وأما إذا جعلتها من الآيه والعين في الأصل ياء، ثم وقعت قبلها الياء المبدلة من الهمزة التي هي فاء، فلما اجتمع المثلان وسكن الأول منهما أدغم في الثاني بلا نظرٍ، فقلبت إيا، وجرى ذلك مجرى قوله، عز اسمه هم أحسن أثاثاً وريا فيمن لم يهمز وجعله فعلا من رأيت وأصله على هذا رئيا قال وحدثنا أبو علي أن القراءة فيه على ثلاثة أوجه رئيا، وريا، وزيا، بالزاي وإذا جعلته فعلا مثل ألق و قنب فالياء المشددة هي العين المشددة، وأصله آيى، والياء المبدلة ألفا أخرى هي لام الفعل، فهي منقلبة من الياء التي هي لام اية فقلبت الياء الأخيرة، لما ذكرت لك وإذا جعلته فعيلا، مثل عزيم، و حذيم، فالياء الثانية في إيا هي ياء فعيل والياء الأولى هي عين فعيل وإذا جعلته فعولا فأصله إيوى، وهو بوزن خروع و جردل، فيمن كسر الجيم، فلما اجتمعت الياء والواو وسبقت الياء بالسكون قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء التي هي عين فعول في الياء التي أبدلت من واوه، وقلبت الياء التي هي لامٌ ألفا لما ذكرنا فصارت ألفا فإذا جعلته فعلى فالياء الأولى في إيا هي العين والثانية هي اللام، والألف ألف فعلى ويجوز أن تكون للتأنيث، ويجوز أن تكون للإلحاق، على ما تقدم، والوجه في هذه الألفات أن تكون للتأنيث، لأنها كذلك أكثر ما جاءت فأما إذا كان من لفظ فأولذ كراها، فأصله على ما يثبت لك من تركيب أوو فإنه يحتمل أربعة أمثلة، أحدها افعل، والآخر فعيل، والآخر فعول، والآخر فعلى فإذا جعلته افعل فأصله اأوو فقلبت همزته الثانية، التي هي فاء افعل، ياء لانكسار الهمزة قبلها، فصار في التقدير ايوو، ثم قلبت الواو الأولى، التي هي عين افعل ياء، لوقوع الياء الساكنة قبلها على ما تقدم، فصار في التقدير ايو ثم قلبت الواو ياء، لأنها وقعت رابعة كما قلبت في أغزيت و أعطيت، فصار في التقدير إيى ثم قلبت الياء الأخيرة ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار إيا، كما ترى وإذا جعلته فعيلا فأصله حينئذ او يو فقلبت الواو الأولى، التي هي عين الفعل ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، ولأنها أيضا ساكنة قبل الإدغام، ثم أدغمت تلك الياء في ياء فعيل فصارت ايو ثم قلبت الواو ياء، لأنها واقعة طرفا، ثم قلبت تلك الياء ألفا، على ما عمل في المثال الذي قبلها، فصارت إيا وإذا كان فعولا فأصله إوو، فقلبت الواو الأولى ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، وقلبت الواو بعدها لوقوع الياء ساكنة قبلها، وأدغمت الأولى، ثم قلبت الواو الأخيرة ياء ثم ألفا، على ما قدمنا وإذا كانت فعلى فأصلها اووى، فقلبت الواو الأولى ثم الثانية، ثم أدغمت الأولى فيها، على ما بيناه آنقا ولا يجوز أن يكون إيا، إذا جعلتها من لفظ اوو فعلا ويجوز فيه وجه ثالث، وهو أن يكون فعولا قلبت عينه للكسرة، ثم واوه لوقوع الياء قبلها، فقلبت إيا ولا يكون فعلى كما جاز فيما قبل، لأنه كان يلزم أن يكون اللفظ به اوى
ولا يجوز أن يكون ايا فعللا، مضعف اللام،
بمنزلة ضريب، لأن ذلك لم يأت في شيء من الكلام، وإن شئت جوزت ذلك فيه وقلت
إنهما ليستا عينين فتلزما وتصحا ولا يجوز أن يكون إيا من لفظ اآة، على أن
يجعلهما، فعيلا منها، ولا افعلا، لأنه كان يلزمك أن تهمز آخر الكلمة، لأنه
لام فتقول إياء ولم يسمع فيه همزة البتة، ولا سمع أيضا مخففا بين بين،
ولكن يجوز فيه على وجه غريب أن يكون فعلى من لفظ وأيت، ويكون أصله على هذا
وييا، فهمزت واوه لانكسارها، كما همزت في اساوة و إشاح ونحو ذلك، فصارت
إييا، ثم أبدلت الهمزة ياء لانكسار الهمزة الأولى قبلها، ثم أدغمت الياء
المنقلبة عن الهمزة ياء لانكسار الهمزة الأولى قبلها، ثم أدغمت الياء
المنقلبة عن الهمزة في الياء التي هي لام وأيت فصارت إيا ومن ذلك قوله
تعالى وأنزل التورية والإنجيل، إنا أنزلنا التورية فيها هدًى ونور وزن
التوراة عندنا فوعلة من ورى الزند يرى، وأصله وورية فأبدل من الواو تاء،
كتخمة، وتراث، وتولج، وأنت تقوم وقيل أصله توراه تفعلة، فقلب، كما قيل في
جارية جاراة؛ وفي، ناصية ناصاة و إنجيل إفعيل من النجل، وهو الأصل، إذ هو
أصل العلوم والحكم
الخامس والسبعون ما جاء في التنزيل من القلب والإبدال
لاثٍ به الأشاء والعبرى
ومن ذلك قوله تعالى لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم، ف أشياء أصله شيئاء، على وزن فعلاء يدل على الكثرة كالطرفاء، والحلفاء، قلبت لامه إلى أوله، فصار لفعاء هذا مذهب الخليل وقال الأخفش أصله أشيياء على وزن أفعلاء، فحذفت لام الفعل قال الفراء وزنه أفعال، وقد ذكرت وجه كل قول في الخلاف ومن ذلك قوله تعالى كلتا الجنتين آتت أكلها، التاء بدل من الواو، التي هي لام في كلا، كما قلنا في التوراة و التراث من قوله وتأكلون التراث أكلاً لما وقيل هي بدل من التاء إنهم اختلفوا في لام كلا قال الجرمى التاء زائدة في كلتا، ووزنه فعتل، وليس في الكلام فعتل، وكذلك التاء في بيتٍ و أختٍ من قوله تعالى وله أخ أو أخت، بدل من الواو لقولك أخوان وإخوان، فأما البنت فيجوز أن يكون من الواو، ويجوز أن يكون من الياء ومن ذلك قوله تعالى وإذا الرسل أقتت أصله، وقتت، لأنه من الوقت أي جمعت لوقتها ومنه فطفق مسحاً بالسوق، فيمن همز وقوله فاستوى على سوقه همز الواو لمجاورة الضمة كما همزها إذا انضمت، ولهذا قرأ من قرأ وكشفت عن ساقيها، بالهمز، كما اعتاد الهمز في السوق ومنه قوله قل هو الله أحد، الهمزة بدل من الواو، في وحد لأنه من الوحدة
السادس والسبعون ما جاء في التنزيل من إذا الزمانية وإذا المكانية، وغير ذلك من قسميهماوأعلم أن إذا الزمانية اسم في نحو قوله تعالى فإذا نفخ في الصور، فإذا نقر في الناقور، وأئذا متنا وكنا تراباً، لأنها نقيضة إذ وقد ثبت بالدليل كون إذ اسما في نحو قوله بعد إذ أنتم مسلمون والعرب تحمل النقيض على النقيض، كقوله
وقبل غدٍ يا لهف نفسي على غدٍ ... إذا راح أصحابي ولست برائح
فأبدله من غدٍ والحرف لا يبدل من الاسم، فثبت أنه اسم، وإذا كان اسما كان اسما للوقت فينضاف إلى ما بعده، وإذا كان مضافا إلى ما بعده كان العامل فيه جوابه إذا كان فعلا، فإن لم يكن فعلا قدر تقدير الفعل، كقوله فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم، والتقدير فإذا نفخ في الصور تنافروا وتجادلوا وهكذا كل ما كان بهذه المنزلة فأما قوله أئذا كنا تراباً أئنا لفى خلق جديد وأخواتها، فقد قدمنا القول فيه وقال أبو إسحاق في قوله تعالى إذا مزقتم كل ممزق العامل في إذا قوله مزقتم، ويجريه مجرى أى في الجزاء، نحو أيا تضرب أضرب، ومتى تأتنا آتك، لأن إذا يجئ بمعنى متى
قال وفي التنزيل
حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت أي متى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت،
وهذا يقوي قول أبي زيد ومحمد إن الرجل إذا قال إذا لم أطلقك فأنت طالق، ثم
سكت، طلقت في الحال؛ لأن إذا ها هنا ك متى، كأنه قال متى لم أطلقك فأنت
طالق، وفي متى إذا سكت طلقت ووجدنا لهذا القول حجة في الكتاب، وهو غيلان
بن حريث
إذا رأتني سقطت أبصارها ... دأب بكارٍ شايحت بكارها
ألا
ترى أنه لا يريد أن هذا يقع منها مرة واحدة في وقت مخصوص، لأن ذلك ينتقص
حال المدح، وإنما يقول كلما رأتني سقطت أبصارها، ألا تراه يقول بعده
دأب بكار شايحت بكارها
و الدأب لا يستعمل إلا في التكرير دون الإفراد، قال
كأن لها برحل القوم دوًّا ... وما إن طبها إلا الدؤوب
وقال
دأبت إلى أن ينبت الظل بعدما ... تقاصر حتى كاد في الآل يمصح
وأما قول الهذلي
هزبر عراض الساعدين إذا رمى ... بقرحته صدر الكمى المسربل
متى ما يضعك الليث تحت لبانه ... تكن ثعلباً أو ينب عنك فتدخل
تدخل
تدهش غيره يدخل في الدخل فإنه يسأل عن جواب إذا رمى وليس في البيت ما يكون
جوابا، ولا قبله فعل يكون بدلا من الجواب، ودالا عليه، وفي ذلك جوابان
أحدهما أنه أجرى الصفة مجرى الفعل لما فيها من معنى الفعلية، كقولك مررت
برجل شجاع إذا لقى وكريم إذا سئل، أي إذا سئل كرم وإذا لقى شجع وقد تقدم
نحو هذا، فتدل الصفة على الجواب دلالة الفعل عليه، فكذلك هذا، كأنه قال
يعظم في العين إذا رمى بقرحته، أي بجبهته صدر الكمى؛ لأن هزبرا كأنه من
لفظ أزبر وهو من معناه، وكأن الهاء، وإن كانت هناك أصلا، زائدة وليست
معتدة من هاء هجرعٍ و هبلع لم يبعد أن يعتقد أيضا زيادة هاء هزبر و هبرقى
وأما عراض فصفة من عرض، وأمرها واضح فهذا جواب والآخر، وهو أغمض وهو أن
يكون قوله في البيت الثاني
متى ما يضعك الليث تحت لبانه
بدلاً
من قوله إذا رمى بقرحته صدر الكمى، وإذا كان بدلا منه كان قوله تكن ثعلبا
جوابا للثاني بدلا من الأول، فصار جواب الثاني جوابا لهما جميعا فيجرى
حينئذ مجرى قولهم
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطباً جزلاً ونارا تأججا
في
البدل، وإن كان حرف الشرط قد أعيد في بيت الهذلى ولم يعد في قوله تلمم بنا
فإن قلت فقد علمنا أن البدل يفيد ما لا يفيد المبدل منه ويزيد به عليه،
فما الذي زاده قوله
متى ما يضعك الليث تحت لبانه
على قوله إذا رمى بقرحته صدر الكمى؟ فالفائدة في ذلك أنه إذا قال رمى صدر الكمى، فإنما ذكر جنس الكماة إطلاقاً من غير تقيد، وإذا قال
متى ما يضعك الليث تحت لبانه
فقد
خاطبه بذلك وخصه به وقصره عليه وفي القول الأول إنما كان يخص المخاطب منه
قدر ما يصيبه في جملة الجماعة الذين هو واحد منهم، وفي الثاني من القصد له
والتوجه إليه ما قدمناه، وكان ذلك أبلغ وأفخم وأشد إرهابا وتعظيما واعلم
أن إذا في هذا البيت على هذا التأويل الثاني ينبغي أن تكون متعلقة بنفس
رمى ومنصوبة الموضع به، وليست مضافة إليه، بل هو في موضع جزم بها، كما
يجزم بالشرط الصريح، كما أن يضع في البيت الثاني مجزوم ب متى، وهي منصوبة
الموضع ب يضع نفسها من غير خلاف، فهو إذاً في الضرورة كقوله
ترفع لي خندف والله يرفع لي ... ناراً إذا أخمدت نيرانهم تقد
فإن
قيل فما الذي دعا إلى اعتقاد هذه الضرورة والدخول تحتها، وهلا حملت إذا
على بابها من كونها مضافة إلى الفعل، كقوله تعالى إذا جاء نصر الله
والفتح، وقوله إذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه، وقول كعب
وإذا ما تشاء تبعث منها ... آخر الليل ناشطا مذعوراً
ألا
ترى أصحابنا يعتقدون أن الفعل بعد إذا هذه في موضع اسم مجرور، ولذلك
رفعوه، أعنى لوقوعه موقع الاسم فالجواب أنا إنما ركبنا هذه الضرورة في
اللفظ محافظة على صحة المعنى، وذلك إن إذا هذه واجبة، ألا تراهم يقولون
آتيك إذا حمر البسر، ولا يجيزون، آتيك أن احمر البسر، لأن احمرار البسر
واقع لا محالة، و إن مشكوك في فعلها، يجوز وقوعه ولا يجب، و متى كان في
ذلك ليست بواجبة الفعل، ألا ترى إلى قول طرفة
متى تأتنا نصبحك كأساً روية ... وإن كنت عنها غانياً فاغن وازدد
أي
فاثبت على حال غناك وإذا كانت متى لم يحسن أن تجعلها بدلا من إذا، لأن إذا
معروفة مقصورة على موضع وواجبة، و متى شائعة غير واجبة، فلو أبدلت متى من
إذا، وهي على ما هي عليه من كونها واجبة مضافة، كنت قد أبدلت الأعم من
الأخص، فكما لا يجوز ضربت رأس زيد زيدا، على أن تبدل زيدا من رأسه، لما في
ذلك من التراجع عن الخصوص إلى العموم، كذلك لا يحسن أن تبدل متى من إذا و
إذا، على معتاد حالها من كونها خالصة واجبة، فإذا لم يجز ذلك عدلت بها إلى
إخلاصها واطراحها وإمحاضها شرطا البتة، فإذا حصلت له شاعت شيوع جميع حروف
الشرط، وإذا شاعت فارقت موضعها من الإضافة وخلصت شرطا أن يحكم على موضع
الفعل بعدها بالجزم في المعنى، وإن لم يظهر ذلك إلى اللفظ، وإذا كان كذلك
حملت إذا في بيت الهذلى على أنها الجازمة في الضرورة، لما عليك في ترك ذلك
من إبدال الأعم من الأخص، وقد علمت ما يقوله أصحابنا في بيت الكتاب
اعتاد قلبك من سلمى عوائده ... وهاج أهواءك المكنونة الطلل
ربع قواء أذاع المعصرات به ... وكل حيران سارٍ ماؤه خضل
من
أن قول ربع خبر مبتدأ مضمر، أي هو ربع؛ ولم يكن بدلا من طلل، لما ذكرنا
وأبو حنيفة يجعل إذا بمنزلة إن فيقول إنما يقع الطلاق في قوله إذا لم
أطلقك عند الموت كما لو قال إن لم أطلقك، وله قوله
وإذا تصبك خصاصة فتجمل
وقوله
إذا ما خبت نيرانهم تقد
والأبيات التي في الكتاب وأما قوله تعالى إذا وقعت الواقعة إلى قوله إذا رجت الأرض رجًّا فقاس عثمان هذا على قوله
إذا راح أصحابي
وزعم
أن إذا الأولى مبتدأ، والثانية في موضع الخبر، وكنا قديما ذكرنا أن العامل
فيه قوله خافضة رافعة على تقدير فهي خافضة رافعة، أي إذا وقعت خفضت قوما
ورفعت قوما، وأجزنا فيه أن يعمل فيه ليس لوقعتها كاذبة، وأن يعمل فيه
اذكر، وأن يكون جوابه فأصحاب الميمنة وأما قوله تعالى فإذا نقر في الناقور
فذلك يومئذٍ يومٌ عسير، فالعامل فيه مدلول الكلام، أي عسر ذلك اليوم
يومئذ، أو ذلك النقر يومئذ وأما قوله تعالى فإذا هي شاخصةٌ أبصار الذين
كفروا، فقد ذكرناه في باب التقديم والتأخير وكذا أئذا ما مت لسوف أخرج
حيًّا وأما قوله إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى، فقد تضع العرب إذا موضع
إذ، و إذ موضع إذا، قال الله تعالى إذ الأغلال في أعناقهم، و إذ لما مضى،
وإنما هذا حديث عما يكون في القيامة، إلا أنه لما حكى الحال قال إذ، حتى
كأن المخاطبين بهذا حضور للحال، وفي هذا ضرب من تصديق الخبر، أي كان الأمر
حاضرا لا شك وواقع لا ارتياب به وحكاية الحالين الماضية، والآتية كثير في
القرآن والشعر منه قوله تعالى هذا من شيعته وهذا من عدوه، فقال هذا وهذا،
ولم يقل أحدهما كذا والآخر كذا وكذا قول البريق الهذلي
ونائحة صوتها رائع ... بعثت إذا ارتفع المرزم
فقوله بعثت إذا ارتفع المرزم، أي كنت موصوفا بأنني أبعثها إذا ارتفع المرزم وكذلك قول الشاعر
جارية في رمضان الماضي ... تقطع الحديث بالإيماض
فأما قول كثير
فإذا وذلك ليس إلا حينه ... وإذا مضى شيء كأن لم يفعل
حمل
أبو الحسن هذا على الواو الزائدة، حتى كأنه قال فإذا ذلك وليس إلا حينه،
وأنشد هذا البيت نفسه، وأنشد معه بيتا آخر، وهو قول الشاعر
فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن ... إلا كلمة حالم بخيال
وقال
محمد بن يزيد إن البصريين لا يرون زيادة الواو، وقد كان في الواجب أن
يستثنى أبا الحسن وأعلم أن إذا ها هنا هي المكانية التي للمفاجأة، ولا بد
لها من ناصب تتعلق به، والناصب ما دل عليه قوله ليس إلا حينه، وكأنه قال
فإذا ذلك ذاهب مختلس، فينصب، و إذا بمعنى ذاهب ومختلس، كما أن قوله سبحانه
فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون كذلك؛ ويجوز أن
تنصب إذا في البيت وتعلقها بمحذوف هو خبر ذلك، وتقديره فإذا ذلك هالك،
كقولك في الدار زيد جالس، فإذا فعلت هذا جاز لك في قوله ليس إلا حينه
الأمران أحدهما أن تجعله في موضع الحال، فكأنه قال وإذا ذلك فانيا أو
ذاهبا، كقولك خرجت فإذا زيد واقفا
والآخر أن تجعله خبرا آخر، فإذا
فعلت ذلك علقت إذا بمجموع الخبرين لا بأحدهما، كما أنك إذا قلت شرابك
اليوم حلو حامض، علقت اليوم بمعنى مجموع الخبرين، فجرى ذلك مجرى قولك
شرابك اليوم، من أي من في هذا اليوم وأما قولهم نظرت فإذا زيد بالباب، ف
إذا في موضع الرفع خبر زيد، و بالباب خبر ثان وقال بعضهم إذا ها هنا حرف
ليس باسم، واحتج بأنه ناب عن الفاء في جواب الشرط وأغنى غناه، فيكون حرفا
كالفاء، والدليل على ذا قوله تعالى وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم
يقنطون المعنى قنطوا، ولا يلزم أن الحرف لا يركب مع الاسم فيكون كلاما،
ولو قلت فإذا زيد، كان كلاما، فثبت أنه اسم، لأنا نقول فإذا زيد، ليس
بكلام، لأن تمامه محذوف، أي إذا زيد بالحضرة، أو، في الوجود، فلا يكون
صحيحا إلا بتقدير الخبر؟ قلنا إنه اسم، لأنها كلمة تركبت مع الاسم ليس
فيها علامات الحرف، فوجب أن يكون اسما، قياسا على قولنا زيد قائم، وهذا
لأن التركيب إنما يكون منه كلام إذا كان اسما مع اسم، أو فعلا مع اسم،
فأما الحرف مع الاسم فليس بكلام إلا في النداء، وهذا ليس بنداء، ولا إذا
فعلا، فوجب أن يكون اسما في موضع الرفع خبر المبتدأ، ولهذا المعنى قلنا في
قولهم كيف زيد؟ إن كيف اسم لما أفاد مع زيد، ولو كان حرفا لم يفد، فثبت
أنه اسم وما ذكره من أن الخبر محذوف، قلنا لا حاجة إلى حذف الخبر فيما
ذكرناه، فإذا قلت فإذا زيد قائم، ف زيد مبتدأ، و إذا خبره، و قائم كذلك
وإن شئت نصبت قائما على الحال من الضمير الذي في إذا، فيمن رفع زيدا
بالابتداء، أو حالا من زيد فيمن رفعه بالظرف وأما قوله
إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت
قال
عثمان إذا و إذا في البيت ففيهما نظر، وذلك أن كل واحدة منهما محتاجة إلى
ناصب هو جوابها على شرط إذا الزمانية، وكل واحدة منهما فجوابها محذوف يدل
عليه ما قبلها، وشرح ذلك أن إذا الأولى جوابها محذوف، حتى كأنه قال إذا
أنا لم أطعن وجب طرحى للرمح عن عاتقى أو ساعدي، على اختلاف الروايتين في
عاتقى و ساعدى فدل قوله
علام تقول الرمح تثقل ساعدى
على ما أراده من وجوب طرح الرمح إذا لم يطعن به، كما قال
فما تصنع بالسيف ... إذا لم تك قتالا
ونحو
قولك أشكرك إذا أعطيتني، وأزورك إذا أكرمتني، أي إذا أعطيتني شكرتك، وإذا
أكرمتني زرتك، وقولك أنت ظالم إن فعلت، أي إن فعلت ظلمت، ودل أنت ظالم
على، ظلمت وهذا باب واضح، وما ناب عن جوابهما في موضع جواب إذا الثانية،
أي نائب عنه ودال عليه، تلخيصه أنه كأنه قال إذا الخيل كرت وجب إلقائي
الرمح مع تركى الطعن به ومثله أزورك إذا أكرمتني إذا لم يمنعني من ذاك
مانع وأما قوله تعالى وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم
منهم رشداً فادفعوا، الفاء الأولى تكون جواب إذا لأن، إذا في اقتضائه
الخبر بمنزلة إن، وقوله فادفعوا جواب إن ومثل ذلك قوله تعالى فإما يأتينكم
منى هدًى فمن تبع هداى فلا خوفٌ عليهم، في أن الجزاء وشرطه جواب الشرط
وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم
إذا ضربوا في الأرض، جاز وقوع إذا ها هنا، لأن الذين، في موقع يصلح لوقوع
الجزاء فيه، ألا ترى أن الفاء يدخل في جوابه وكأنه قال كالذين يقولون وقال
في موضع آخر معنى إذا متى، كأنه متى ضربوا في الأرض، أي هذا دأبهم، كلما
خرجوا ضاربين في الأرض قالوا هذا الكلام وقال في قوله إذا فشلتم بمعنى متى
وجوابه ثم صرفكم، على زيادة ثم عند الأخفش، كما قال في قوله ثم تاب عليهم،
والصحيح أن الجواب مضمر
السابع والسبعون ما جاء في التنزيل من أحوال النون عند الحروف ولها أربع أحوال
الحالة الثالثة
أن تقلب، ميما عند الباء نحو فانبجست، كافرٍ به، وقالوا عنبر، وشنباء فإذا
تحركت عادت إلى حالتها والحالة الرابعة أن تدغم في حروف يرملون، نحو هدًى
للمتقين، على هذًى من ربهم، ومن الناس من يقول، ظلمات ورعد وبرق وعلى أمم
ممن معك، وما منا إلا له مقامٌ معلوم، وإذا أدغمت أدغمت بغنة، والطاء
والضاد والظاء إذا أدغمن أدغمن بإطباق، وقد قلبن إلى لفظ ما أدغمن فيه
البتة، وما بقى رائحة الإطباق، ولا يخرج الحرف من أن يكون قد قلب إلى لفظ
ما بعده، لأن شرط الإدغام أن يتماثل فيه الحرفان، فجرى الإطباق بعد
الإدغام في قلة الاعتداد به مجرى الإشمام الذي لا حكم له، حتى صار الحرف
الذي هو فيه في حكم الساكن البتة، فالنون أدغم في الميم لاشتراكهما في
الغنة والهوى في الفم، ثم إنهم حملوا الواو على الميم فأدغموا فيها النون،
لأن الواو ضارعت الميم بأنها من الشفة، وإن لم تكن النون من الشفة، ثم
إنهم أيضا حملوا الياء على الواو في هذا لأنها ضارعتها في المد، وإن لم
تكن معها من الشفة، فأجازوا إدغام النون في الياء، فالميم نحو قوله ممن
معك، والياء نحو قوله ظلمات ورعد وبرق، والياء نحو قوله ومن الناس من
يقول، فلما جاز حمل الواو على الميم، ثم حمل الياء على الواو، فيما ذكرنا،
كذلك أيضا جاز أن تحمل الكسرة على الضمة في امتناع إشمامها شيئا من الضمة،
فإما إظهارهم النون في نحو قوله قنوان دانية وقوله صنوان وغير صنوان،
وقوله منكم من يريد الدنيا، وقوله شاة زنماء، وأنملة، وإنما أظهروها مخافة
أن يشتبه بالمضاعف فإن قال قائل ولم جاز الإدغام في انمحى، وهلا بينت
النون، فقيل انمحى، كما قالوا زنماء، وزنم؛ وكما قالوا أنملة، وأنمار،
ونحو ذلك؟ قيل قد كان القياس في زنماء وزنم، وأنملة وأنمار، ونحوها، أن
تدغم النون في الميم، لأنها ساكنة قبل الميم، ولكن لم يجز ذلك لئلا تلتبس
الأصول بعضها ببعض، فلو قالوا، زماء لا لتبس بباب زممت الناقة، ولو قالوا
أملة لالتبس بباب أملت، ولو قالوا، أمار، لالتبس بباب أمرت، كما بينوا في
نحو منيه، وأنول، وقنوان، وقنو، لئلا يلتبس منه بباب، مى، و أنول يفعول
وفوعل، من باب ما فاؤه همزة وعينه واو، و قنوان و قنو بباب، قو وقوة، فرفض
الإدغام في هذا ونحوه مخافة الالتباس، ولم يخافوا في امحى الكتاب، أن
يلتبس بشيء، ولأنه ليس في كلام العرب شيء على افعل، ولم يأت في كلامهم نول
ساكنة بتشديد الفاء ولهذا قال الخليل في انفعل من وجلت أوجل، وقالوا من
رأيت ارأى، ومن لحن الحن، لأنه ليس في الكلام افعل، ولم يأت في كلامهم نون
ساكنة قبل راء ولا لام، نحو قنر، وعنل، لأنه إن أظهره ثقل جدا، وإن أدغمه
التبس بغيره، ومن أجل ذلك امتنعوا أن يبينوا مثل عنسل و عنبس، من شرب
وعلم، وما كان مثلها بما عينه راء ولام، لأنه إن بين فقال شنرب، وعنلم،
ثقل جدا، وإن أدغم فقال شرب، وعلم، التبس بفعل
الثامن والسبعون ما جاء في التنزيل وقد وصف المضاف بالمبهم
قال أبو العباس هاتين
المسألتين إن المبهم أخص من العلم، فوجب ألا يوصف به العلم، قياسا على
قولك مررت بالرجل أخيك، وذلك أن المضاف عند سيبويه أخص من الألف واللام،
فمنع أن يوصف الألف واللام به لما كان أبهم منه، لقربه من النكرة، نحو إني
لأمر بالرجل مثلك وغيرك، فكذلك وجب ألا يوصف بالمبهم العلم، لكونه أخص
منه، ولهذا المعنى قال من قال إن هذين ليست تثنية هذا، لما كان في غاية
المعرفة، وأجمعوا أن الزيدين تثنية زيد، والتثنية لا محالة توجب التنكير،
فلما أجمعوا على جواز تثنية زيد واختلفوا في تثنية هذا علم أن هذا أخص،
وجب ألا يجرى صفة على ما ليس بأخص منه، وهذا لأن البداية ينبغي أن تقع
بالأخص، فإن عرف وإلا زيد ما هو أعم ليقع به البيان، وفي جواز مررت بزيد
هذا، عكس ذلك المعنى، فوجب ألا يجوز واحتج سيبويه بأن ذكر هذا وذاك بعد
العلم وبعد صاحبك يذهب به مذهب الحاضر والشاهد والقريب، وكذلك مذهب البعيد
أو المتنحى، ولهذا قال سيبويه وإنما صار المبهم بمنزلة المضاف لأنك تقرب
به شيئا أو تباعده وتشير إليه، فإذا قيل مررت بزبد هذا، وبصاحبك هذا،
وكأنه قال مررت بزيد الحاضر، ولم يغير هذا تعريف زيد ولا تعريف صاحبك،
وباقترانه معهما لأنه لا يتغير زيد عن تعريف العلم، ولا صاحبك عن تعريف
الإضافة باقترانها بهذا، ولأنا نقول إن وضع الاسم العلم في أول أحواله
لشيء بينٌ به من سائر الأشخاص، كوضع هذا في الإشارة لشيء بعينه، فاجتمع في
معنى ما وصفنا في المعرفة وفصله العلم بثبات له بذكر حال، أو زوال الاسم
عن المشار إليه في الغيبة
التاسع والسبعون ما جاء في التنزيل وذكر الفعل وكنى عن مصدره
هذا سراقة للقرآن يدرسه
أي يدرس الدرس، ولا يكون للقرآن، لما ذكرنا وبقوله
ولكل ما نال الفتى ... قد نلته إلا التحيه
أي نلت النيل، ولا يكون لكل لما ذكرنا وقيل في قوله تعالى ومن الأنعام أزواجاً يذرؤكم فيه، أي يذرأ الذرء، فالهاء كناية عن المصدر وقال وإن تفعلوا فإنه فسوقٌ بكم فأما قول القائل لامرأته إن خرجت من الدار إلا بإذني فأنت طالق، فقد قالوا إن التقدير إن خرجت من الدار إلا خروجا بإذني، فأضمر الخروج، فلإن خرجت يدل عليه، والباء من صلة المصدر، وكأن التقدير إلا خروجا بإذني، فيحتاج في كل خرجة إلى الإذن ولو قال إلا أن آذن، فأبو زكريا يجعله بمنزلة إلا بإذني، لإن إن آذن بمنزلة إذنى وأبو حنيفة يجعل إلا أن آذن بمنزلة حتى آذن فيكفى المرة الواحدة، لأن حتى آذن غاية، فيجرى إلا أن آذن مجراه وأما قوله تعالى ولا تقولن لشيء إني فاعلٌ ذلك غداً إلا أن يشاء الله فالتقدير، إلا قولا بمشيئة الله، أي قولا مقترنا بمشيئة الله، وهو أن نقول أفعل إن شاء الله، ومثل هذا، أعنى إضمار المصدر، قول أبي قيس الأسلت الأنصاري
إذا نهى السفيه جرى إليه ... يخالف والسفيه إلى خلاف
أي جرى إلى السفه وقال في الحماسة
لم أر قوماً مثلنا خير قومهم ... أقل به منا على قومه فخراً
أي أقل بالخير، فالهاء يعود إلى الخير الذي هو مصدر، ولا يعود إلى خير قومهم لأنه اسم، ف قوما هو المفعول الأول، ومثلنا من نعته، و خير قومهم بدل و أقل هو المفعول الثاني، وفخرا تمييز أي أقل فخرا بالخير منا على قومنا، يعنى نحن لا نبكي على قومنا، فليس هناك أقل فخرا بالخيرية على قومه منا
المتم الثمانين ما جاء في التنزيل عبر عن غير العقلاء بلفظ العقلاء
الحادي والثمانون ما جاء في التنزيل وظاهره يخالفما في كتاب سيبويه وربما يشكل على البزل الحذاق فيغفلون عنه
فمن ذلك قوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، قال سيبويه ونقول هؤلاء ثلاثة نفر قرشيون، وثلاثة مسلمون، وثلاثة صالحون، فهذا وجه كراهية أن يجعل الصفة كالاسم، إلا أن يضطر شاعرهم وهذا يدلك على أن، النسابات، إذا قال ثلاثة نسابات، تجىء كأنه وصف لمذكر، لأنه ليس موضعا تحسن فيه الصفة كما يحسن الاسم، فلما لم يقع إلا وصفا صار المتكلم كأنه قد لفظ بمذكرين ثم وصفهم بها وقال الله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، إنما استجاز حذف الموصوف هنا على تقدير فله عشر حسنات أمثالها، لأنه لما أضيف عشر إلى الأمثال، والأمثال، وإن كان وصفا، فقد جرى مجرى الأسماء حتى يستحسن إقامته مقام الاسم، كقوله تعالى ثم لا يكونوا أمثالكم، وقال إنكم إذاً مثلهم، ويقال مررت بمثلك ومثلك لا يفعل كذا وفي التنزيل ليس كمثله شىء لولا ذلك لقبح عنده هذا التقرير وقد تقدم نبذ من هذا في هذه الأجزاء ومن ذلك ما أجمع عليه الفراء، غير نافع وأبي عامر في قوله ويعلم الذين يجادلون في آياتنا بالنصب وقد قال سيبويه واعلم أن النصب بالفاء والواو في قوله إن تأتني آتك وأعطيك، ضعيف، وهو نحو من قوله
وألحق بالحجاز فأستريحا
فهذا يجوز وليس بالجيد، إلا أنه في الجزاء أمثل قليلا، لأنه ليس يوجب أنه يفعل، إلا أن يكون من الأول فعل، فلما ضارع الذي لا يوجبه، كالاستفهام ونحوه، أجازوا فيه هذا على ضعفه، وإن كان معناه كمعنى ما قبله، إذ قال ولا أعطيك، وإنما هو في المعنى كقوله أفعل إن شاء الله، فأوجب بالاستثناء قال الشاعر، فيما جاء منصوبا بالواو في قولك إن تأتني آتك وأعطيك
ومن يغترب عن قومه لا يزل يرى ... مصارع مظلومٍ مجراًّ ومسحبا
وتدفن منه الصالحات وإن يسىء ... يكن ما أساء النار في رأس كبكبا
فإنما نصبوا الميم في ويعلم ولم يكن قبيحا، كما ذكره سيبويه، لأنه مع جواز النصب تأتي فيه تبعية اللام، ألا ترى أن اللام مفتوحة، فاجتمع فيه سببان، فحسن ما لم يحسن مع سبب واحد
ومن ذلك قوله تعالى إنا كل شيء خلقناه بقدر وقد قال سيبويه بعد أشياء يختار فيها الرفع وكذلك، إني زيدٌ لقيته، وإني عمرو ضربته، وليتني عبد الله مررت به، لأنه إنما هو اسم مبتدأ، ثم ابتدىء بعده اسم قد عمل فيه عامل، ثم ابتدىء بعده الكلام في موضع خبره، وإنما جاء منصوبا أعنى كل شيء خلقناه لأنه يحتمل موضع خلقناه لو رفع أن يكون وصفا للمجرور وأن يكون خبرا، وليس الغرض أن يكون خلقناه وصفا ل شىء، على تقدير إنا كل شيء مخلوق لنا بقدر، فيكون بقدر خبرا؛ وإنما الغرض أن يكون خلقناه الخبر، على تقدير إنا خلقنا كل شيء بقدر ومن ذلك قراءة العامة عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال قرأها غير ابن كثير بحذف الياء في الوقف والوصل وقد قال سيبويه في الوقف فإذا لم يكن في موضع تنوين فإن الإثبات أجود في الوقف، وذلك قولك هذا القاضي، وهذا العمى، لأنها ثابتة في الوصل ومن العرب من يحذف هذا في الوقف، شبهوه بما ليس فيه ألف ولام، إذ كانت تذهب الياء في الوصل في التنوين لو لم تكن الألف واللام قلت وإنما حذف الجماعة الياء من قوله الكبير المتعال في الوقف، لا لما ذهب إليه سيبويه، ولكنهم شبهوا هذا بالفواصل، إذ هي فاصلة، كقوله والليل إذا يسر، و ما كنا نبغ تحذف هنا للفاصلة، فإذا انضم إليه ما قال سيبويه، كان الحذف أقوى، فلهذا ذهب إليه الجماعة غير ابن كثير، أعنى اجتماع الشيئين الفاصلة، وثقل الياء ومن ذلك قراءة العامة، نحو منه، وعنه، بغير إشباع، غير ابن كثير، فإنه أشبع وقد قال سيبويه فإن لم يكن قبل هاء التذكير حرف لين أثبتوا الواو والياء في الوصل، نحو منه فاعلم وقد يحذف بعض العرب الحرف الذي بعد الهاء، إذا كان ما قبل الهاء ساكنا، لأنهم كرهوا حرفين ساكنين بينهما حرف خفي، نحو الألف، وكما كرهوا التقاء الساكنين في أين ونحوها، كرهوا ألا يكون بينهما حرف قوي، وذلك قول بعضهم منه يا فتى، و أصابته جائحة قال والإتمام أجود، لأن هذا الساكن ليس بحرف لين والهاء حرف متحرك فتراه رجح قراءة ابن كثير على قراءة العامة، ألا ترى أن العامة يقرءون فإن أصابه خيرٌ اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب بلا إشباع، و ابن كثر يقرأ فإن أصابته بالإشباع، وهو اختيار سيبويه، والعامة تنكبوا ما اختاره لثقل الواو وآخر الكلمة ومن ذلك ما رواه العامة في اختلاف الهمزتين عن أبي عمرو، نحو يا زكريا إنا و السفهاء ألا فإنهم لينوا الثانية وخففوا الأولى، وسيبويه روى عنه عكس ذلك وقد تقدم في هذه الأجزاء هذا الفصل ومن ذلك قول سيبويه إن أبا الخطاب زعم أن مثله قولك للرجل سلاما، وأنت تريد تسلما منك، كما قلت براءةً منك، تريد لا ألتبس بشيء من أمرك وزعم أن أبا ربيعة كان يقول إذا لقيت فلانا فقل سلاما، فزعم أنه سأله ففسر له معنى براءة منك، وزعم أن هذه الآية وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً بمنزلة ذلك لأن الآية فيما زعم مكية ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين، ولكنه على قولك براءةً منكم وتسلما في كتاب أبي بكر بن السراج هذا غلط، وإيضاح هذا ووجهه أنه لم يؤمر المسلمون يومئذ بقتال المشركين إنما كان شأنهم المتاركة، ولكنه على قوله براءة ومن ذلك قوله تعالى، على قراءة من قرأ ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين، بإضافة ثلثمائة إلى سنين وقد قال سيبويه إن هذا العدد أعنى مائة إلى الألف يضاف إلى المفرد دون الجمع وإنما جاء هذا هكذا تنبيها على أن الأصل أن يضاف إلى الجمع، وإن جاء الاستعمال بخلافه وكقوله استحوذ عليهم الشيطان، والقياس استحاذ، وكقولهم عسى الغوير أبؤسا، والقياس أن يكون خبر عسى أن مع الفعل ومن ذلك قراءة من قرأ إن في السموات والأرض لآياتٍ، إلى قوله واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزقٍ فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آياتٌ لقومٍ يعقلون بكسر التاء من آيات بالعطف على قوله إن في السموات والأرض لآياتٍ، وقال سيبويه العطف على عاملين لا يجوز يعني إن و، في، ألا ترى أنه جر قوله واختلاف بالعطف على آيات المنصوبة ب أن، وجاز هذا لأنه ذكرت آيات ثانية، على سبيل التكرير والتوكيد، ألا تراه لو قال واختلاف الليل والنهار، إلى قوله وتصريف الرياح، ولو لم يقل آيات لقوم يعقلون لكان حسنا جيدا
ومن ذلك ما جاء
من قوله تعالى وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتاً إذا نصبت كم بفعل
يفسره أهلكناها وقد قال سيبويه أزيد أنت رجل تضربه؛ لأن الصفة لا تعمل
فيما قبل الموصوف فإذاً يجب حمل قوله كم على فعل يفسره فجاءها بأسنا وقد
تقدمت هذه المسألة ومن ذلك قوله إنى ألقى إلى كتابٌ كريم إلى قوله، ألا
تعلوا على أي كتاب كريم بأن لا تعلوا على وقد قال سيبويه الفصل بالوصف
بالصلة والموصول لا يجوز فإذا وجهة أن يكون التقدير إن هو أن لا تعلوا
على، فتحمل أن على خبر ابتداء مضمر ومن ذلك قوله تعالى وقطعناهم اثنتى
عشرة أسباطاً أمما فأوقع الجمع بعد اثنتى عشرة والذي في الكتاب هو أن يفسر
هذا العدد بالمفرد، كما جاء من نحو أحد عشر كوكبا، و اثنا عشر شهرا ووجه
الآية أن أسباطا بدل من اثني عشرة وليس تميز والمميز محذوف والتقدير اثنتى
عشرة فرقة، ومن ذلك الكلام الطويل في الحذف من الصلة والصفة والخبر، فحسن
الحذف من الصلة، نحو أهذا الذي بعث الله رسولاً وأخواته، وقبح الحذف من
الصلة، نحو قولهم السمن منون بدرهم وألحق الحذف من الصفة بالحذف من الخبر
فاستثقله، ولو لم يكثر عنده كثرة حذفه من الصلة، فاسمع إن شئت ما جاء في
التنزيل من حذف ذلك في الصفة قال الله تعالى سوف نصليهم ناراً كلما نضجت
جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها، أي كلما نضجت جلودهم منها وقال جنتان عن
يمينٍ وشمالٍ كلوا من رزق ربكم، أي يقال كلوا من رزق ربكم منها وقال علمها
عند ربى في كتابٍ لا يضل ربى، أي لا يضل ربى عنه وقال جنات عدنٍ مفتحةً
لهم الأبواب، أي الأبواب منها فهذا ما جاء في الصفة، ويعرض غيره هناك، وإن
شئت فاسمع حذفه من الخبر أيضا قال الله تعالى وكلٌّ وعد الله الحسنى، أي
وعده، في قراءة ابن عامر حيث رفع وقال الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو
أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا، أي قل لهم فادرءوا، فيمن رفع الذين
بالابتداء وقال إنا لا نضيع أجر المصلحين، أي منهم وقال لا نضيع أجر من
أحسن عملاً، أي منهم وقال ولا نضيع أجر المحسنين، أي منهم واسمع في قوله
ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور، أي إن ذلك منه ومن ذلك قوله تعالى
وإذ أخذ الله ميثاق النبيين إلى قوله مصدقٌ لما معكم لتؤمنن به وقوله
والذين يمسكون بالكتاب إلى قوله لا نضيع أجر المصلحين ومنه إنه من يتق
ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين وقوله إن الذين آمنوا وعملوا
الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ظاهر هذه الآي أنه وضع الظاهر موضع
المضمر، ألا ترى أنه قال في الأولى ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم أي مصدق
له، ليعود الهاء إلى قوله لما أتيتكم، فموضع ما موضع الهاء وكذلك في الآي
بعدها تقديره، إنا لا نضيع أجرهم، فوضع الظاهر موضع المضمر وقد قال وتقول
ما زيد ذاهبا ولا محسنٌ زيدٌ، الرفع أجود وإن كنت تريد الأول، لأنك لو قلت
ما زيد منطلقا، زيد لم يكن حد الكلام وكان ها هنا ضعيفا، ولم يكن كقولك ما
زيد منطلقا، هو لأنك قد استغنيت عن إظهاره، وإنما ينبغي لك أن تضمره؛ ألا
ترى أنك لو قلت ما زيد منطلقا أبو زيد، لم يكن كقولك ما زيدٌ منطلقا أبوه؛
لأنك قد استغنيت عن إظهاره، فلما كان هذا كذلك أجرى مجرى الأجنبي واستؤنف
على حياله، حيث كان ضعيفا فيه وقد يجوز أن تنصب قال سوادة بن عدي
لا أرى الموت يسبق الموت شيء ... نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
فأعاد الإظهار وقال الجعدي
إذا الوحش ضم الوحش في ظللاتها ... سواقط من حرٍّ وقد كان أظهرا
والرفع
فيه الوجه قال أبو الحسن النصب في لغة أهل الحجاز لا يكون غيره في قوله ما
زيد منطلقا زيد، لأنك إن جعلت زيدا بمنزلة الأجنبي لم يكن كلاما، فأنت إذا
أعدت زيدا، فكأنك قلت، ما زيد منطلقا هو، ولا يكون على غير ذلك في لغة أهل
الحجاز وإنما رفعت ولا يسيء معن على الإبتداء وعلى لغة بني تميم؛ لأنك إذا
قلت ما معن بتارك حقه، استغنى الكلام قلت فالآية الأولى محمولة على إضمار
به أي ثم جاءكم به، والآي الأخر محمولة على إضمار منهم، أي إنا لا نضيع
أجر من أحسن عملا منهم، وأجر المصلحين منهم، وأجر المحسنين منهم
فأما
قوله وهو الذي فليس على وهو الذى في السماء هو، فوضع الظاهر موضع المضمر،
ولكن على حذف المبتدأ، وهو الذي هو في السماء في السماء إله، فحذف هو لطول
الكلام، وليس هذا كقوله تعالى تماماً على الذي أحسن فيمن رفع، ولا ما
بعوضةً، ولا كقوله
ينسون ما عواقبها
لأن الكلام لم يطل، مع أنه
قد استمر الحذف على مذهبه من صلة أي، نحو اضرب أيهم أفضل وقال أيهم أشد
على الرحمن والتقدير أيهم هو أشد، وهو مستحسن هنا جدا بخلاف تماماً على
الذي أحسن، على ما قالوا، فهذا يوجب أن قوله ومن عنده علم الكتاب وأخواته
يكون على ومن هو عنده، فيكون الظرف جاريا مجراه في قوله زيد عندك ولا يصلح
الاستدلال به في قيامه مقام الفعل، لأن الموصولة توصل بالجملة، ألا ترى
استمرار حذف هو في أيهم أشد فهذا ما حضرنا الآن، فإن وقع لي فصل بين وأيهم
فيما بعد والرجوع نبهتك على ذا إن شاء الله ومن ذلك قوله تعالى ولما يعلم
الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين حمل سيبويه نصب قوله ويعلم على
الصرف، وهي قراءة الجمهور إلا الحسن، فإنه قرأ ويعلم الصابرين بكسر الميم
وقالوا إنه مجزوم بالعطف على يعلم الله وهذا الإجماع هنا مخالف لما جاء في
قوله ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم حيث أجمعوا على جزم نمنعكم بعد قوله ألم
نستحوذ، فلعلك تشك أن النصب والجزم هنا متعارضان، وتحتج في كل واحد منهما
بآية، فلا بد وأن أبين لك ذا وأقول إن الجزم أحسن من النصب على ما جاء في
ونمنعكم، وإنما نصب نمنعكم ابن أبي عبلة، وهو شاذ فأما قوله تعالى ويعلم
الصابرين، فإنه مجزوم ليس بمنصوب، ولكنه فتح لالتقاء الساكنين تبعا للام،
فهذه فتحة بمنزلة الكسرة فأما قوله تعالى قل إن تخفوا ما في صدوركم أو
تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات، فإنه جاء مرفوعاً مقطوعا عن
الأول، إلا ما روى عن ابن ميسرة حيث نصب ويعلم ما في السماوات، حمله إما
على الصرف أو على التبعية قال سيبويه في قوله أنت فانظر لأي أمر تصير
وجوها، منها إن التقدير أنت الهالك، فحذف الخبر وقال ولا يكون على أن تضمر
هذا لأنك تشير للمخاطب إلى نفسه، ولا يحتاج إلى ذلك، وإنما تشير له إلى
غيره، ألا ترى أنك لو أشرت له إلى شخصه فقلت هذا أنت، لم يستقم وقال في حد
الإضمار فصلا طويلا حدثنا يونس تصديقا لقول أبي الخطاب، أن العرب تقول هذا
أنت تقول كذا وكذا، ولم ترد بقولك هذا أنت، أن تعرفه نفسك، كأنك تريد أن
تعلمه أنه ليس غيره، هذا محال، ولكنه أراد أن ينبهه كأنه قال الحاضر عندنا
أنت، والحاضر القائل كذا وكذا أنت وإن شئت لم تعدها في هذا الباب قال الله
تعالى ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وقد قال أبو سعيد في شرح هذا في الفصل
الأول ويجوز هذا أنت وإذا صرنا إلى ذلك بينا ثم صار إلى ذلك الموضع، قال
والذي حكاه أبو الخطاب عن العرب من قوله هذا أنا، وأنا هذا، هو في معنى ها
أنا ذا، ولو ابتدأ إنسان على غير الوجه الذي ذكرناه فقال هذا أنت، وهذا
أنا، يريد أن يعرفه نفسه، كان محالا، لأنه إذا أشار إلى نفسه فالإخبار عنه
ثابت لا فائدة فيه، لأنك إنما تعلمه أنه ليس غيره، ولو قلت ما زيد غير
زيد، وليس غير زيد، كان لغواً لا فائدة فيه، وإذا قلت هذا أنت، والإشارة
إلى غير المخاطب جاز، وبمعناه هذا مثلك، كما تقول زيد عمرو، على معنى زيد
مثل عمرو والذي حكاه يونس عن العرب هذا أنت تقول كذا وكذا، هو مثل قوله ثم
أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم؛ لأن قولهم هذا أنت، كقولك أنت هذا، أحدهما
مبتدأ والآخر خبره، أيهما شئت جعلته المبتدأ والآخر الخبر والوجه الآخر في
قوله ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم أن يكون أنتم مبتدأ، و هؤلاء الخبر، و
تقتلون في موضع الحال والكوفيون يزعمون أن التقدير ثم أنتم تقتلون، ابتداء
وخبر، و هؤلاء دخل للتقريب ويجوز أن يكون هؤلاء بمعنى الذين، أي الذين
تقتلون أنفسكم، كما جاز أنت الذي فعلت وقد ذكرنا أنه لا يحمل على ثم أنتم
يا هؤلاء؛ لأنه يقال يا أي هؤلاء، والأمر موقوف بعد وإن راجعنا مرة أخرى
فربما يتضح لك أكثر من هذا إن شاء الله ومن ذلك قراءة من قرأ الذى جعلناه
للناس سواءً العاكف فيه والباد، بالنصب وقوله سواءً محياهم ومماتهم بالنصب
وقد
قال في الكتاب لو قلت مررت برجل سواء أبوه وأمه، ومررت برجلٍ خير منك أبوه
وأمه، فتجريه على الأول وتحمله ي الثاني، كان قبيحا، وهي لغة رديئة، قال
والوجه الرفع انتهت الحكاية عنه ومعاذ الله أن تحمل قراءة بعض الأئمة على
اللغة الرديئة، لا سيما وهم من السبعة والوجه في ذلك أن تجعل سواء الذي هو
مصدر بمعنى الفاعل، أي مستويا فيه العاكف والبادي، ومستويا محياهم
ومماتهم، قال
وهل كفلائي في الوفاء سواء
أي مستوون، لولا ذلك لم
يقدم الجار عليه، ولما كان الأمر في نصب سواء كما زعمه سيبويه نصب من نصب
محياهم ومماتهم إلى سواء في محياهم ومماتهم، كيلا يرفع به، فيكون على
اللغة الرديئة، ولم ير موضع المصدر موضع الفاعل ابن عيسى ولا غيره، ممن
نصب محياهم ومماتهم ومن ذلك ما روى عن أبي عمرو فمن زحزح عن النار بإدغام
الحاء في العين، بعد إجماعهم على إظهار عنهم قال أحمد وذلك لكثرة الحروف
في زحزح عن النار وروى عنه إدغام فلا جناح عليه قال سيبويه ومما قالت
العرب تصديقا لهذا في الإدغام قول بني تميم محم يريدون معهم، ومحاؤلاء
يريدون مع هؤلاء، ومما قالت العرب في إدغام الهاء مع الحاء قوله
كأنها بعد كلال الزاجر ... ومسحي مر عقاب كاسر
يريدون
ومسحه، العين مع الحاء، كقولك أقطع جملا، الإدغام حسن والبيان حسن، لأنهما
من مخرج واحد، ولم تدغم الحاء في العين امدح عرفة لأن الحاء قد يفزعون
إليها إذا وقعت الهاء مع العين، وهي مثلها في الهمس والرخاوة، ومع قرب
المخرجين فأجريت مجرى الميم مع الباء، فجعلتها بمنزلة الهاء، كما جعلت
الميم بمنزلة النون مع الباء، ولم تقو العين على الحاء، إذ كانت هذه قصتها
وهما من المخرج الثاني من الحلق، وليست حروف الحلق بأصل في الإدغام، ولكنك
لو قلبت العين حاء فقلت في امدح عرفة امد حرفة، جاز، كما قلت اجبحنبة،
تريد اجبه عنبة، حيث أدغمت وحولت العين حاء ثم أدغمت الهاء فيها
الثاني والثمانون ما جاء في التنزيل من اختلافهم في لفظة ما من أي قسمة هي
فأما قوله وما
بكم من نعمة فمن الله فحمله الفارسي على أنها موصولة قياساً على مذهب
سيبويه، حين زعم أن الظرف لا يبنى على كلمة الشرط فقال إذا قلت إن عندنا
رجل، إن زيد أو عمرو والتقدير إن كان زيد ولم تقدر إن عندنا زيد ثم رأيت
لعثمان وهو يتكلم على شبه الظرف بالفعل في قوله
ففينا غواشيها
فزعم
أنالظرف كالفعل حيث عطفه على الفعل في قوله تقاسمهم، ثم قال ألا تراه، قال
وما بكم من نعمة فمن الله ففصل بكلمة الشرط بالظرف ولا أدري أنسي قول
سيبويه وقول صاحبه في قوله لما آتيتكم من كتاب وحكمة حين وفقنا بين قول
سيبويه والمازني وأما قوله إن الله يعلم ما يدعون من دونه شيء فحمل الخليل
ما علىالإستفهام لمكان من من قوله من شيء وحمله آخرون على الذي ومثله فلا
تعلم نفس ما أخفي لهم يكون استفهاماً ويكون موصولاً وأما قوله تعالى ليغفر
لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر فقيل ما بمعنى الذي معطوف على
خطايانا وقيل ما نافية، والتقدير ليغفر لنا خطايانا من السحر ولم يكرهنا
عليه فتكون ما نافية، فيه تقديم وتأخير وأظنني قدمت هذه الآية ومثله فما
استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن أي من استمتعتم به منهن ومثله نسى ما كان
يدعو إليه من قبل أي نسي الله ومثله ولا أنتم عابدون ما أعبد في الموضعين،
يعنى الله وحكى أبو زيد سبحان ما سحركن وأنشد لأبي دواد
سالكاتٍ سبيل قفرة بدا ... ربما ظاعنٌ بها ومقيم
أي رب إنسان هو ظاعن بها إنسان هو مقيم بها ف ما جر ب رب ووصفها بالجملة، كما تقول رب رجلٍ أبوه مقيم
الثالث والثمانون ما جاء في التنزيل من تفنن الخطاب والانتقال من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى المتكلم
ومن ذلك قوله تعالى الحمد لله، ثم قال إياك نعبد وقال حتى إذا كنتم في الفلك وجرين، وحق الكلام وجرين بكم وقال وأنزل من السماء ماءً فأخرجنا به أزواجاً من نباتٍ شتى وقال وأنزل من السماء ماءً فأنبتنا به حدائق ذات بهجةٍ وهو كثير في التنزيل، والأصل في الكلام البداية بالمتكلم، ثم بالمخاطب، ثم بالغيبة قال الله تعالى فعميت عليكم أنلزمكموها فقدم المخاطب على الغيبة فبنوا على هذا فقالوا الوجه في الكلام أعطانيك، وأعطاكني، لا يجوز، وأعطيتكها، وأعطيتكهوك، قبيح، ومع قبحه قول يونس واحتج في ذلك قارئهم بقول القطاميأبلغ ربيعة أعلاها وأسفلها ... أنا وقيساً تواعدنا لميعاد
فأخبر عن المتكلم دون الغيبة، وهو قيس والمبرد يقوى قول يونس في القياس، ويجعل إضمار الغائب والمتكلم والمخاطب في التقديم والتأخير سواء، ويجيز أعطاهوك، و أعطاهوني، و أعطاكني، ويستجيزه ويستحسنه في منحتني نفسي وسيبويه لا يجيز شيئا من ذلك إلا بالانفصال، نحو أعطاك إياك، و أعطاها إياك، و أعطاه إياكما، و أعطاها إياكما، و أعطاك إياي وهذا الذي ذكره المبرد ليس بالسهل؛ لأن ضمير المتكلم أقرب، ثم المخاطب ثم الغائب وقد رأيت غير سيبويه يجيز بين المتصل والمنفصل وغيرهما، في أعطيتكه، و أعطيتك إياه؛ لأن المفعول الثاني ليس يلاقي الفعل ولا يكترث به والأول إما أن يلقى ذات الفعل، أو يلقى ضمير الفاعل المجعول معه كشق واحد وأجاز سيبويه أعطاك إياك وتصحيحه لا يقوى ذلك؛ لأن تعلق المفعولين بالفعل من بابا واحد، واختلاف المفعولين في ترتيبهما ليس مما يغير حكم تعليقهما بالفعل وعمل الفعل فيهما ولقائل أن يقول ما الذي أنكر سيبويه من منحتيني؟ وهل سبيل منحتيني إلا سبيل أعطاهوها، وهو مستحسن؟ قيل له المنكر من منحتيني عند سيبويه أن في الثانية يؤخر ما هو حقه التقدم على كل ضمير، وليس كذلك أعطاهوهما
الرابع والثمانون نوع آخر إضمار قبل الذكرقوله تعالى ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابةٍ يريد على الأرض وقال فأثرن به نقعاً يعني الوادي وقوله والنهار إذا جلاها يعني الدنيا والأرض ومثل ما تقدم ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون جويبر عن الضحاك عن ابن عباس وللبسنا على الملائكة من الثياب ما يلبسه الناس من ثيابهم، ليكونوا على صورتهم، والمعروف لبس يلبس، في هذا المعنى
وقال غيره لشبهنا عليهم ما يشبهون على ضعفائهم، و اللبس في
كلامهم الشك الكلبي ولخلطنا عليهم ما يخلطون وقيل لبسنا عليهم، أي على
قادتهم ما يلبسون؛ كما يلبس القادة على سفلتهم وذلك أنهم أمروا سفلتهم
بالكفر بالله، والشرك له، فالله عز اسمه، يقضى على قادتهم حتى يكونوا على
الكفر ومن ذلك قوله تعالى إنها كلمةٌ هو قائلها، قيل الكلمة قوله فإذا جاء
أجلهم لا يستأخرون ساعةً الآية أي الله قائل هذه الكلمات، فلا يدخلها خلف
عن ابن زيد أن القائل المشرك، والضمير لكلمة المشرك، وهي قوله قال رب
ارجعون أي لا يكون ذلك أبدا ومن ذلك قوله سامراً تهجرون، أي مستكبرين بحرم
الله، ويقولون إن البيت لنا لا يظفر علينا أحد، وقيل مستكبرين بالكتاب لا
يؤمنون به، وقد تقدم في قوله ولدينا كتابٌ ينطق بالحق ومن ذلك قوله تعالى
وصدها ما كانت تعبد، الضمير في صدها، قيل لله تعالى، أي صد الله بلقيس عن
عبادة غيره وقيل صدها سليمان عن ذلك، فعلى هذا ما في محل النصب وقيل ما هي
الفاعلة، وقد تقدم في الجار والمجرور ومن ذلك قوله تماماً على الذي أحسن،
ففي فاعل أحسن قولان أحدهما موسى، أي تماما على إحسان موسى بطاعته عن
الربيع والفراء، كأنه لتكمل إحسانه الذي يستحق به كمال ثوابه في الآخرة
فيكون مذهب الذي مذهب المصدر؛ كقول يونس في قوله تعالى وخضتم كالذي خاضوا
والثاني أن يكون الفاعل ذكر الله، أي تماما على إحسان الله إلى أنبيائه عن
ابن زيد وقيل تماما على إحسان الله إلى موسى بالنبوة وغيرها من الكرامة عن
أبي علي ومن ذلك قوله إذ يغشيكم النعاس أمنةً منه، قيل من العدو، وقيل من
الله وقوله ويثبت به الأقدام أي بالماء، وقيل بالربط على القلوب، كنى عن
المصدر، وقيل بالرسل ومن ذلك قوله تعالى لا تحرك به لسانك لتعجل به قيل
هذا كقوله ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه كان يسرع القراءة
مخافة النسيان وقيل كان يحب الوحي، فيحرص على التلقن قبل أن يتم الكلام
وقيل إنما أراد قراءة العبد لكتابه يوم القيامة، لأن ما تقدم هذه الآية
وما تأخر عنها يدل على ذلك، ولا يدل على شيء من أمر القرآن، ولا على شيء
كان في الدنيا وكأن هذا القول في معنى قراءة العبد كتابه ضرب من التقريع
والتوبيخ والإعلام، بأنه صار إلى حيث لا تنفعه العجلة، وإلى موضع التثبت
في الأمور، وإقامة جزاء الحسنة والسيئة؛ وهذا حسن البلخي إن العبد يسرع
إلى الإقرار بذنوبه، وتكلف معاذيره، ظنا بأن ذلك ربما ينفعه، فيقال له لا
تعجل فإن علينا أن نجمع أفعالك في صحيفتك، وقد فعلناه، وعلينا أن نقرأ
كتابك، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه، أي فاتبع قراءته، هل غادر شيئا واحتوى
على زيادة لم تعملها؟ فإذا فعلت ذلك، وجاوب كتابنا أفعالك، فاعلم بعد ذلك
أن علينا بيانه، أي إظهار الجزاء عليه والأول أيضا حسن، لأن الإشارة إلى
الشيء في تفريقه، كمتقدم ذكره، فيحسن معها الإضمار، وكان يقرأ عليه
القرآن، وأشير إليه فقيل لا تحرك به، أي بهذا الذي نقرؤه عليك وهذا المعنى
أيضا حسن فعلى هذا إن علينا جمعه في قلبك؛ لتقرأه بلسانك عن ابن عباس، رضي
الله عنه
الخامس والثمانون ما جاء في التنزيل حمل فيه الفعل على موضع الفاء في جواب الشرط فجزم
ألا ترى أنه أطبق مع
الجماعة على إثبات النون فقرأ ويستخلف ربى قوماً غيركم ولا تضرونه شيئا،
فأثبت النون، ولو اعتقد في يستخلف الجزم حملاً على موضع الفاء لحذف النون
ولم يثبتها، فثبت أنه ليس بمجزوم، وأنما أطبقوا على الرفع لمكان النون في
ولا تضرونه شيئا، إذ وجدوها في المصحف كذلك ومن ذلك قوله لولا أخرتنى إلى
أجلٍ قريبٍ فأصدق وأكن، فحمل يكن على موضع الفاء في فأصدق أي موضع الفاء
جزم، وكأنه في التقدير إن أمهلتني أصدق وأكن وأبو عمرو قرأه وأكون منصوبا،
بالحمل على موضع فأصدق، فهذا في الحمل على موضع الفاء، وربما كان ينشد
فارسهم قول أبي دواد
فأبلوني بليتكم لعلى ... أصالحكم وأستدرج نؤبا
فحمل
وأستدرج على موضع لعلى جزم على تقدير فلعلي، بالفاء محذوفة فأما ما جاء من
نحو قوله إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم، وقوله يحاسبكم به
الله فيغفر لمن يشاء، فالجزم هو الجيد بالعطف على الجزاء، وجاز الرفع في
مثله وقد قرئ به في فيغفر دون يخرج وجاز النصب في فيغفر وقد جاء ذلك في
الشواذ، ولم يشذ في قوله ويعلم الذين بعد أو يوبقهن، المنجزم بالعطف على
قوله إن يشأ يسكن الريح فيظللن وإنما لم يكن شاذا لفتح اللام قبل الميم،
واجتمع فيه كونه تبعا مع جواز الصرف وقال عز من قائل أم حسبتم أن تدخلوا
الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين فإنه حمل نصبه على
الصرف، وعندي أنه مجزوم، وكان حقه الكسر، لقراءة الحسن ويعلم الصابرين
لكنه حمله على اللام وفتحه لمطابقة ما قبله، كما روى عن ابن عامرٍ تم
تجعله بفتح اللام تبعا ل العين وأما قوله تعالى إن نشأ ننزل عليهم من
السماء آيةً فظلت أعناقهم لها خاضعين فقدر أبو إسحاق موضع قوله ظلت أنه
مجزوم بالعطف على ننزل، كقوله فيغفر جزم بالعطف على يحاسبكم وأنكر عليه
أبو علي وزعم أن قوله ظلت بعد الفاء كقوله ينتقم الله بعد الفاء كقوله فلا
هادى له ويذرهم لم يتأمل أبو علي في هذا الكلام، لأن قوله، فينتقم الله
منه جواب الشرط، وقوله فظلت معطوف على ينزل كما أن فيغفر معطوف على
يحاسبكم نعم، لو كان فظلت جواب إن نشأ لكان كقوله ومن عاد فينتقم الله
منه، فأما إذا كان في تقدير إن نشأ ننزل فتظل عناقهم، كان كقوله فيغفر،
والله أعلم
السادس والثمانون ما جاء في التنزيل وقد رفض الأصل واستعمل ما هو فرع
أمشى فأنظور و تنقاد الصياريف
فإذا أسكنوها أمنوا ذلك، ألا تراهم لم يصلوا
وأنت من أفنانه معتقد
وكانت الهاء في قربها و إرثها رويا، ولم تكن كالهاء في أجمالها، و بدالها و زال زوالها ومن ذلك إبدالهم الميم من النون الساكنة في قوله فانبجست، و من يك وشنبا، و عنبر وقد تقدم ذلك ومن ذلك قوله تعالى إن هذان لساحران الأصل في ألف التثنية أن تكون كعصا، ورحا، في الرفع والنصب والجر على صورة واحدة، لأن الحركة فيها مقدرة، كما هي في ألف عصا و رحا، ولكنه جاء الاستعمال على قلبها ياء في النصب والجر حرصاً على البيان، إذ لم يكن هناك ما في المفرد من البيان، ألا تراك تقول ضرب موسى العاقل عيسى الأديب، فيتبين الرفع بالصفة بعد الفاعل ونصبها بعد المفعول، وهذا المعنى لا يتأتى بالتثنية لو قلت ضرب الزيدان العاقلان العمران القائمان، لم تتغير الصفة، فجاء قوله إن هذان لساحران على الأصل الذي ينبغي أن يكون عليهم كما استحوذ على ذلك وقوله ألم نستحوذ عليكم ولم يكن كقوله وإياك نستعين، وكقولهم عسى الغوير أبؤسا، على الأصل، ولم يكن كالمستعمل في قوله تعالى عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا وكذلك جاء قول تأبط شرا
فأبت إلى فهمٍ ولم أك آيبا ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر
قال
عثمان وصواب الرواية فيه وما كدت آيبا، أي وما كدت أؤوب، فاستعمل الاسم
الذي هو فرع، وذلك أن قولك كدت أقوم، وأصله قائما، فلذلك ارتفع المضارع،
أي لوقوعه موقع الاسم، فأخرجه تأبط شرا على المرفوض كما يضطر الشاعر إلى
مراجعة الأصول عن مستعمل الفروع، نحو صرف ما لا ينصرف، وإظهار التضعيف،
وتصحيح المعتل، وما جرى مجرى ذلك ونحو من ذلك ما جاء عنهم من استعمال
مفعول عسى على أصله، وذلك ما أنشدناه من قول الراجز
أكثرت في العذل ملحاًّ دائما ... لا تكثرن إني عسيت صائما
فهذه
الرواية الصحيحة في هذا البيت، أعني قوله وما كدت آيبا، وكذلك وجدتها في
شعر هذا الرجل بالخطأ القديم، وهو عتيد عندي إلى الآن، وبعد فالمعنى عليه
البتة لا ينصرف به عنه، ألا ترى أن معناه وأبت وما كدت أؤوب، كقولك سلمت
وما كدت أسلم، وكذلك كل ما يلي هذا الحرف من قبله ومن بعده يدل على ما
قلناه، ولا معنى لقولك وما كدت آيبا، ولا ولم أك آيبا، وهذا واضح
السابع والثمانون ما جاء في التنزيل من القراءة التي رواها سيبويه في كتابه
من صد عن نيرانها ... فأنا ابن قيس لا براح
فأعمل لا عمل ليس و لا تعمل مع ذلك إلا في نكرةٍ، فجعلها بمنزلة ليس فهي بمنزلة لات في هذا الموضوع في الرفع، ولا يجاوز بها الحين، رفعت أو نصبت، أي لا تكون، لات إلا مع الحين قال الأخفش لات لا تعمل شيئا في القياس، لأنها ليست بفعل، فإذا كان ما بعدها رفعا فهو على الابتداء، ولم تعمل لات في شيء رفعت أو نصبت قال أبو إسحاق من رفع لات حين يريد و لات الحين حين مناص، فيكون خبرا مبتدأ محذوف ويجوز أن يكون ابتداء والخبر محذوف، بخط الوراق س يريد أنه يقدر بعد لا، كأنه قال لات الحين حين مناص، ثم خزل الحين، و الحين فيه مبتدأ، و حين مناص خبره، وإنما أظهر المنصوب لأنه يدل على الفعل وإذا نصبت لات نصبت بالظرف، لأنها تعمل، وزعم وهيب عن هارون عن عيسى هذا كسر التاء والنون، وسيبويه يرفع ومن ذلك ما ذكروه في باب كان وزعم أنه سمع رؤبة يقول ما جاءت حاجتك، فرفع ومثل قولهم ما جاءت حاجتك، إذا صارت تقع على مؤنث، قراءة بعض القراء ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا، و تلتقطه بعض السيارة قلت قوله ثم لم تكن فتنتهم بنصب التاء والتأنيث، تكن قراءة أبي عمرٍو، وغيره من السبعة أنث تكن بأن قوله أن قالوا يؤول إلى معنى الفتنة وقوله تلتقطه بعض السيارة قراءة الحسن، فهو خارج عن السبعة فإما أن يكون لأن البعض من السيارة، أو يكون اكتسى التأنيث عن المضاف إليه ومن ذلك ما ذكره في باب الأمر والنهي، تقول أما زيدٌ فسلم عليه، وأما الكافر فلعنة الله عليه، لأن هذا ارتفع بالابتداء وأما قوله الزانية والزانى فاجلدوا كل واحدٍ منهما، وقوله والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما فلأن هذا لم يبن على الفعل ولكنه جاء على مثل قوله ومثل الجنة التي وعد المتقون، ثم قال بعد فيها كذا وكذا، وإنما وضع المثل للحديث الذي بعده، وذكر بعد أخبار وأحاديث، وكأنه على قوله ومن القصص أولا مثل الجنة، أي مما يقص عليكم، فهو محمول على هذا الإضمار أو نحوه والله أعلم
وكذلك الزانية والزانى كأنه
لما قال سورة أنزلناها وفرضناها، قال في الفرائض الزانية والزاني، ثم قال
فاجلدوا كل واحدٍ أو الزانية والزاني في الفرائض، فجاء بالفعل بعد أن مضى
فيهما الرفع، كما قال
وقائلةٍ خولان فانكح فتاتهم
فجاء بالفعل
بعد أن مضى عمل فيه المضمر، وكذلك والسارق والسارقة كأنه على قوله وفيما
فرض عليكم السارق والسارقة، أو السارق والسارقة فيما فرض عليكم، وإنما
جاءت هذه الأشياء بعد قصص وأحاديث، وتحمل على نحو من هذا ومثل ذلك واللذان
يأتيانها منكم فآذوهما وقد يجري هذا في زيد وعمرو، وعلى هذا الحد إذا كنت
تخبر بأشياء أو توصى ثم تقول زيد، أي زيد فيمن أوصى به فأحسن إليه وأكرمه
وقد قرأ الناس والسارق والسارقة و الزانية والزانى، وهو في العربية على ما
ذكرت من القوة، ولكن أبت القراءة إلا القراءة بالرفع قلت الذي قرأ بالنصب
في الآيتين هو عيسى ابن عمر الثقفي، ونصب الزانية بمضمر دل عليه قوله
فاجلدوا، ونصب السارق بمضمر دل عليه قوله فاقطعوا أيديهما فأما قوله
واللذان فلم يرو فيه عن أحدٍ النصب ومن ذلك ما ذكر في باب إن وأما ما حمل
على الابتداء فقولك إن زيدا ظريف وعمرو، و إن زيدا منطلق وسعيد، فعمرو
وسعيد يرتفعان على الوجهين، فأحد الوجهين حسن والآخر ضعيف فأما الوجه
الحسن فأن يكون محمولا على الابتداء، لأن معنى إن زيدا منطلق زيد منطلق، و
إن دخلت توكيدا، كأنه قال زيد منطلق وعمرو وفي القرآن مثله أن الله برئٌ
من المشركين ورسوله وأما الوجه الضعيف فأن يكون محمولا على الاسم المضمر
في المنطلق و الظريف، فإذا أردت ذلك فأحسنه أن تقول إن زيدا منطلق هو
وعمرو، و إن زيدا ظريف هو وبشر؛ وإن شئت جعلت الكلام على الأول، فقلت إن
زيدا منطلق وعمرا ظريف، فجعلته على قوله ولو أن ما في الأرض من شجرةٍ
أقلام والبحر يمده من بعده سبعة وقد رفعه قوم على قولك لو ضربت عبد الله
وزيد قائم ما ضرك أي لو ضربت عبد الله وزيد في هذه الحال، كأنه قال ولو أن
ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر هذا أمره ما نفدت كلمات الله قلت هذا
مبنى على قراءة الحسن أي الحسن البصري أن أبا حاتم روى عنه إن الله برئ من
المشركين، أي بكسر إن، فأما قراءة العامة فهو بفتح أن وهو مع الاسم وخبره
في موضع خبر أذان، على تقدير وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج
الأكبر كائن بأن الله برئ من المشركين ونرى عثمان قد أقام القيامة، في قوله
ولا أنا ممن يزدهيه وعيدكم
فقال
إن و أن في هذا الباب عند سيبويه سيان وظن أن سيبويه بنى كلامه على قراءة
العامة، والأمر بخلاف ما ظن فأما قوله والبحر يمده بالنصب، فقراءة أبي
عمرو وحده، والرفع قراءة العامة، على أن يكون الواو واو الحال ومن ذلك ما
ذكره في آخر باب المضمرات، قال هذا باب لا تكون هو فيه وأخواتها فيه فصلا،
ولكن تكون بمنزلة اسم مبتدأ، وذلك قولك ما أظن أحداً هو خير منك، وما أجعل
رجلا هو أكرم منك، وما إخال رجلا هو أكرم منك فلم يجعلوه فصلا وقبله نكرة،
كما أنه لا يكون وصفا ولا بدلا إلا لنكرة؛ كما لا يكون وصفا ولا بدلا إلا
لمعرفة وأما أهل المدينة فينزلون هو ها هنا بمنزلته بين المعرفتين
ويجعلونها فصلا في هذا الموضع وزعم يونس أن أبا عمرو رآه لحنا، وقال احتبى
ابن مروان في ذه في اللحن، وذلك أنه كان يقرأ هؤلاء بناتى هن أطهر لكم قال
عثمان جعل ابن مروان هن خبر المبتدأ، وأطهر، نصب على الحال وليس ما قال
عثمان بشيء، إذ ليس في قوله هن فائدة لم تستفد من المبتدأ ومن ذلك ما ذكره
في باب أي في قوله تعالى ثم لننزعن من كل شيعة أيهم وهي لغة للعرب جيدة،
نصبوها كما جروها حين قالوا امرر على أيهم أفضل، فأجراها هؤلاء مجرى الذي
إذا قلت اضرب الذي أفضل، لأنك تنزل أي ومن بمنزلة الذي في غير الجزاء
والاستفهام
ومن ذلك ما ذكره في باب إن فإذا قلت إن زيدا منطلق، لم
يكن في إن إلا الكسر، لأنك لم تضطر إلى شيء، ولذلك تقول أشهد أنك ذاهب،
إذا لم تذكر اللام وهذا نظير هذا و هذه كلمة تتكلم بها العرب في حال
اليمين، وليس كل العرب تتكلم بها، تقول لهنك لرجل صدق يريدون إن، ولكنهم
أبدلوها الهاء مكان الألف، كقولك هرقت ولحقت هذه اللام إن كما لحقت ما حين
قلت إن زيدا لما لينطلقن، فلحقت إن اللام في اليمين كما لحقت ما، فاللام
الأولى في لهنك، لام اليمين، واللام الثانية لام إن كما أن اللام الثانية
في قولك إن زيدا لما ليفعلن، لام اليمين قال أبو علي يريد أن هذا بمنزلة
قوله وإن كلاًّ لما ليوفينهم يريد أن اللامين في لهنك لرجل صدق بمنزلته في
قولك وإن كلاًّ لما ليوفينهم، إذا عكس الحكاية، لأن اللام الأولى في لهنك
لام اليمين، تقديره والله لأنك واللام الثانية في ليوفينهم لام اليمين
والأولى ل أن، وإنما دخلت ما في قوله وإن كلاًّ لما ليوفينهم ليفصل بين
اللامين فلا يلتقيان، فهي وإن كانت زائدة لهذا المعنى، ولو سقطت لم تصلح
أن تلى أن الناصبة للفعل وكأنها سهلت وقوع الاسم بعد أن الناصبة للفعل،
كما سهلت وقوع اللام في ليوفينهم بعد لام أن وقد تشابها من هذا الوجه،
وهذا الذي ذهب إليه سيبويه في لهنك لام القسم، فيه بعض البعد؛ ألا ترى أن
اللام إذا كانت للقسم فهي التي للابتداء، وقد دخلت على ان ولم يجتمعا في
موضع، فإذا حكم بما يجئ له نظير وكان الاستعمال على غيره، ففيه بعض البعد
فإن قال إنه مما قد رد إلى الأصل، ألا ترى أن الأصل في اللام أن تكون
لاحقة قبل أن يدلك على ذلك قولك علمت أن زيدا لمنطلق وتعليق الفعل عن ان؟
قيل هذا يمكن أن يقوله قائل، وأحسب أن أبا إسحاق كان يقوله ويبعد هذا أن
اللام في الخبر قد جاء قولهم لهنك لرجل صدق، وفي قولك
وإنا لهنك من تذكر عهدها ... لعلى شفا يأسٍ وإن لم تيأس
فلو
كان لام الابتداء لم يكن في الخبر ويبعد ذلك أيضا أن ان قد يلقى القسم كما
تلقاه اللام، فإذا كان كذلك فلا حاجة إلى اللام في ان، وقد كنا نقول دهرا
إن البدل في الهمزة هنا لما غيرت الصورة كان كذلك كالفصل بينهما، في نحو
إن في ذلك لآية وفي هذا بعض العهد أيضا، لأن البدل يجري مجرى المبدل منه،
ألا ترى أن الهمزة في حمراء التي هي بدل من الألف، بمنزلة الألف وفي
حكمها، وأن أبا الحسن قد قال في أصيلال إنك لو سميت به رجلا لم تصرف فإذا
كان مذهبهم في البدل هذا المذهب فلا فضل بين البدل والمبدل منه، وإذا لم
يكن فعل كان فتح لهنك كفتح لانك وذهب أبو زيد في قوله لهنك إلى أن المعنى
لا أنه كأن المعنى لله أنك، فتحذف الجار كما يحذف في قوله لاه ابن عمك
وانك قد تلقى به القسم وحذفت الهمزة منه كما حذفت من قوله
ويلمها
ويا بالمغيرة
ونحو قوله
إن لم أقاتل فالبسوني برقعا
وكما حذفت الألف حذفا في هذه المواضع كذلك حذفت في قوله لهنك، والتقدير لله أنك وقد استعملت اللام في القسم، في نحو قوله
لله يبقى على الأيام ذو حيد
إذا
أرادوا التعجب، فكذلك اللام المرادة في لهنك الذي تقديره لله أنك ويؤكد
ذلك ما حكاه أبو زيد من قولهم له ربي، قوله ربي عطف على له أو بدل، كما
قال أبو الحسن قولهم لاها الله ذا، إنه صفة، فكذلك يكون في المواضع التي
لم يوصف فيها الاسم هو اسم الله، لا على ما قدره سيبويه من المعنى لأنك
وأما الألف من له ربي فإنها قد حذفت كما حذفت من قول الشاعر
ألا لا بارك الله في سهيل
فهذا
المثال الذي سلكه أبو زيد أسهل في له ربي ومن ذلك ما ذكره في باب الجمع
قال وقد كسر على فعل، وذلك قليل كما أن فعلة في باب فعل قليل، وذلك نحو
أسد و أسد، و وثن و وثن وبلغنا أنها قراءة قلت يعني في قوله تعالى إن
يدعون من دونه إلا إناثاً اعلم أن في هذه اللفظة قراءات، منها قراءة الناس
إلا إناثا وقرأ إلا أثنا، الثاء قبل النون، النبي صلى الله عليه وعلى آله
وعائشة، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وسعيد ابن المسيب، وعبد الله بن
حسين، ومسلم بن جندب، ومجاهد وقرأ أنثا النون قبل الثاء، النبي صلى الله
عليه وعلى آله، إن كان ذلك صحيحا
وروى عن عائشة وابن عمر وابن عباس
بخلافٍ عنهم فقد رووا هذين الوجهين عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمن
ذكرنا معه وروى عن عطاء اثنا و أنثا، ساكنة، والثاء قبل النون وعن ابن
عباس أثنا و أنثا، وكذلك مسلم بن جندب فهذه خمسة أوجه مع قراءة الناس
والذي أراد سيبويه ألا أثنا، الثاء قبل النون، مثل أسد وأسد، والهمزة فيها
مثلها في وجوه وأجوه والضمة والإسكان يرجعان إلى شيء واحد ومن ذلك ما قال
في حد التصريف قال سيبويه زعموا أن أبا عمرو قرأ يا صالح ائتنا جعل الهمزة
ياء ثم لم يقلبها واوا لم يقولوا هذا في الحرف الذي ليس متصلا، وهذه لغة
ضعيفة؛ لأن قياس هذا أن تقول غلام وبيك ومن ذلك ما قاله في باب الإدغام
وحدثني الخليل وهارون أن ناسا يقولون مردفين فمن قال هذا فإنه يريد
مرتدفين، وإنما أتبعوا الضمة الضمة حيث حركوا، وهي قراءة لأهل مكة، كما
قالوا رديافتى، فضموا لضمة الراء، فهذه الراء أقرب ومن قال هذا قال
مقتلين، وهذا أقل اللغات ومن قال قتل قال ردف ف ارتدف يجرى مجرى اقتتل
ونحوه قلت روى أحمد بن عباد عن قنبل أيضا عن ابن كثير مردفين، وهو الذي
ذكر أنه قراءة أهل مكة ومن ذلك ما قاله أيضا في حد الإدغام قال سيبويه
وقالوا مصبر لما امتنعت الصاد أن تدخل في الطاء قلبوا الطاء صادا، فقالوا
مصبر وحدثنا هارون أن بعضهم قرأ فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا قلت
إنما قرأ بها الجحدري
الثامن والثمانون وهذا نوع آخر من القراءات
مسألة
مسألةوسارعوا إلى مغفرة من ربكم بالواو وغير الواو، وترك الواو وقراءة نافع وابن عامر، والباقون بالواو، والكسائي يميل مع الواو
مسألةيغشى طائفة بالياء وحمزة والكسائي تغشى بالتاء من غير إمالة، ولا يغشى بالياء مع الإمالة
مسألةولا تحسبن الذي قتلوا بالتاء وكسر السين وفتحها، هشام عن عمار بالياء وفتح السين، وكسر السين مع الياء ليس بمروى ولا يحسبن الذي كفروا أنما نملى بالياء وفتح السين تفرد به حمزة، وليست كسرة السين مع الياء في السبعة بتةً وكذا ولا تحسبن الذين يبخلون، وهو مثل الأول فأما قوله لا تحسبن الذين يفرحون بالتاء، فعاصم والكسائي إلا أن الكسائي يكسر السين وعاصما يفتح السين والباقون بالياء وكسر السين، إلا ابن عامر فإنه بالياء وفتح السين وأما قوله تعالى فلا تحسبنهم بمفازة، ابن كثير وأبو عمرو بالياء وضمة الباء، وضم الباء مع الياء واجب لم يقرأه أحد ولا يجوز فتح الياء مع الباء، والباقون بالتاء وفتح الباء، إلا أن ابن عامر وحمزة وعاصما والكسائي يفتحون السين، ونافعا يكسر السين مع التاء في الثاني والياء مع الأول
سورة النساء والذين عقدت أيمانكم بالتخفيف، كوفى، والباقون بالألف
عاقدت، وليس في السبعة عقدت كما هو في سورة المائدة بما عقدتم الأيمان،
بتشديد القاف ابن كثير وأبو عمر ونافع وحفص أرى أنهم إنما شددوه في
المائدة لما رأوه مجاورا للتاء المشددة المدغم فيها دال عقدت بخلاف ما في
النساء الذي لم يدغمه أحد؛ ففي النساء اثنان عقدت بالتخفيف، و عاقدت
بالألف، وفي المائدة ثلاث بالتخفيف وهو مذهب الكوفي غير حفص، وبالألف ابن
عامر وحده، وبالتشديد الباقون
مسألة
مسألةهل تستطيع بالتاء ربك بنصب الباء سورة الأنعام لم تكن فتنتهم نصب، حمزة والكسائي بالياء، ورفع فتنتهم ابن كثير وابن عامر وحفص؛ بالتاء ونصب فتنتهم نافع وأبو عمرو وأبو بكر
مسألةوقد فصل لكم ما حرم عليكم فيهما نافع وحفص بالضم فيهما ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو والباقون فصل بالفتح، و حرم بالضم وليس في القسمة فصل بالضم، و حرم بالفتح، لأنه يؤدى إلى أن يكون محرما مخالفا لما قبله وما بعده، والمطابقة والمشاكلة يكون ساقطا وإن تكن ميتة بالتاء، ابن ذكوان وأبو بكر، ميتة رفع ابن كثير وابن عامر وإن جعلتهما مسألة واحدة ففيها أربعة أوجه قلت بالياء والرفع، ابن كثير وابن هشام بالتاء والرفع وابن ذكوان بالتاء، ونصب أبو بكر، والباقون بالتاء والنصب
مسألةإلا أن تكون بالتاء، ابن كثير وحمزة وابن ذكوان ميتة رفع ابن عامر وإن جعلتهما مسألة واحدة ففيها أربعة أوجه قلت بالتاء والرفع ابن ذكوان؛ بالياء والرفع هشام وحده؛ بالتاء والنصب ابن كثير وحمزة؛ الباقون بالتاء والتشديد وليس فيه التشديد مع التاء، لا يفتح بالياء والتشديد، لم يقرأه أحد
مسألةموهن كيد الكافرين، بالتنوين وسكون الواو ونصب كيد ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر؛ بتشديد الواو ونصب كيد حجازي وأبو عمرو؛ وحفص يسكن الواو ويضيف إلى كيد وليس في السبعة تشديد الواو والإضافة، لأنه لما اختار التشديد لم يضف، لأنه أراد الإطناب والإسهاب، وكان بالحرى ألا يشدد ولا يضيف
مسألةفي سورة هود مجراها ومرساها بضم الميم فيهما وإمالة الراء في مجراها دون الميم من مرساها أبو عمرو وابن عامرٍ؛ بفتح الميم والإمالة في الراء حمزة والكسائي وحفص زاد حمزة والكسائي إمالة مرساها دون حفص، وليس في السبعة ترك الإمالة مع فتح الميم، لأن حفصا وافقهما لما فتح الميم في الإمالة، ولا في القرآن غيره، إنما أمال لأجل الوفاق
مسألةوليسألن يوم القيامة بفتح اللام والنون جميعا مشددة النون؛ ابن كثير وحده بفتحها وكسر النون كسرا غير مشبع؛ وبالتشديد ابن عامر وقالوا بفتحها والتشديد ووصل التوت بياء في الوصل؛ ورش وإسماعيل بسكونها وتخفيف النون ووصلها بياء في الوصل؛ أبو عمرو وحده بسكونها والتخفيف من غير إشباع؛ كسر النون عاصم وحمزة والكسائي وفيها وجه سادس خارج عن السبعة يعقوب بسكون اللام وتخفيف النون ووصلها بالياء في الحالين
مسألةقوله لعلك ترضى، بضم التاء، الكسائي وأبو بكر، إلا أن الكسائي يميلها؛ والباقون بفتح التاء، إلا أن أبا عمرٍو وحمزة يميلانها ترضى، والآخرون لا يميلون
مسألةوترى الناس سكرى وما هم بسكرى ممالان بفتح السين، ولم يقرأ سكارى بفتح السين غير ممالٍ؛ والباقون سكارى إلا أن أبا عمرٍو وابن عامرٍ يقرآن سكارى
مسألةولؤلؤا ولباسهم فيها حرير نصب عاصم ونافع غير أن أبا بكر يترك الهمزة مع النصب؛ الباقون بالجر؛ غير أن أبا عمرو يترك الهمزة إذا أدرج، وحمزة إذا وقف ترك الهمزتين
مسألةأذن بضم الألف، نافع وأبو عمرو وعاصم يقاتلون بفتح التاء، نافع وابن عامر وحفص؛ وإن جمعت بينهما ففيها أربعة أوجه قلت بضم الألف وكسر التاء، أبو عمرو وأبو بكر؛ بضمهما وفتح التاء، نافع وحفص؛ بفتحهما جميعا، ابن عامر وحده؛ والباقون بفتح الألف وكسر التاء
مسألة
خراجا فخراج بالألف فيهما، حمزة والكسائي فخرج ربك، بغير الألف، ابن عامر وحده فيهما؛ الباقون خرجا فخراج وليس في السبعة خراجا فخرج
مسألة
مسألةواضمم إليك جناحك من الرهب بفتحها، ابن كثير ونافع وأبو عمرو؛ وبفتحها وإسكان الهاء، حفص وحده؛ الباقون بضمها وإسكان الهاء؛ وليس في السبعة ضمها
مسألةمودة رفع غير منونة بينكم جر على الإضافة، ابن كثير وأبو عمرو والكسائي؛ بالنصب والإضافة، حمزة وحفص؛ الباقون بالنصب والتنوين؛ ولا يجوز مع التنوين إلا النصب، إذ ليس في السبعة
مسألةوما آتيتم من رباً بالقصر، ابن كثير؛ ولم يختلفوا في قوله وما آتيتم من زكاةٍ مسألة الظنونا و الرسولا والسبيلا، بغير ألف فيهن في الحالين؛ أبو عمرو وحمزة؛ بألف في الحالين، نافع وابن عامر وأبو بكر؛ وحفص والكسائي، بألف في الوقف
مسألةنضعف بالنون وكسر العين وتشديدها من غير ألف العذاب نصب ابن كثير وابن عامرٍ؛ الباقون بالياء وفتح العين العذاب رفع على ما لم يسم فاعله، وأبو عمرو بغير ألف
مسألةعلام الغيوب على فاعل، ورفعها نافع وابن عامرٍ، وليس فيه الرفع مع التشديد
مسألةفزع بفتح الفاء والزاي جميعا، ابن عامر؛ الباقون بضم الفاء وكسر الزاي، ولا خلاف في فتح العين
مسألةفانظر ماذا ترى بفتح التاء والتفخيم، إلا أبا عمرو فإنه يميل الراء؛ حمزة والكسائي يضمان الفاء ويكسران كسرا مشبعا؛ وليس في السبعة ضم التاء وإمالة الراء
مسألةأفغير الله تأمرونى مخففة النون، نافع؛ بنونين مخففتين ابن عامر وحده؛ الباقون بنون واحدة مشددة؛ وفتح ياءها ابن كثير ونافع؛ وترك همزها أبو عمرو وورش فهذه خمس قراءات، وليس فيها سكون الياء وتخفيف النون، لأن نافعا يفتح التاء ويخفف النون
مسألةقليلا ما تتذكرون بتاءين، عاصم وحمزة والكسائي؛ الباقون بالياء والتاء، ولا يدغم الكوفى ولا يخفف، كما فعل ذلك في سائر القرآن
مسألةفأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم بالياء المضمومة ممال مساكنهم، رفع حمزة، وافقه عاصم إلا في الإمالة بالتاء وإمالة مساكنهم نصب أبو عمرو وعلي؛ الباقون غير ممال سورة الطور
مسألةذرياتهم بالألف فيهما، أبو عمرو وابن عامرٍ؛ أبو عمرو وحده بكسر التاء في الأولى، واتفقا على كسرها في الثانية، وتابعهما نافع على ذرياتهم الثانية؛ الباقون بغير ألف فيهما، وإن جمعت بينهما في مسألة واحدة ففيهما أربعة أوجه قلت وأتبعناهم بقطع الألف، وذرياتهم بالألف فيهما وكسر التاء، أبو عمرو وحده واتبعتهم بالوصل والتاء ذرياتهم بالألف فيهما وكسر التاء معها؛ الباقون بالوصل والتاء ذريتهم جميعا بغير ألف، وافقوا نافعا وابن عامر على رفع التاء من الأولى وحدها، وفارقوهما في الثانية فنصبوهما
مسألةأو من وراء جدارٍ على واحدة غير ممال، ابن كثير؛ وافقه أبو عمرٍو ويميل
مسالةيوم القيامة يفصل بينكم يفصل بفتح الياء، عاصم؛ الباقون بضمها؛ وبفتح الياء، ابن عامر وحمزة والكسائي، ولم يشدد الصاد غيرهم؛ الباقون بسكونها؛ وبكسر الصاد عاصم وحمزة والكسائي؛ الباقون بفتحها، وإن شئت قلت بكسر الصاد والتخفيف؛ عاصم، بكسرها والتشديد؛ حمزة والكسائي، بفتحها؛ والتشديد، ابن عامر وحده؛ الباقون، بفتحها والتخفيف، ولم يفتح الياء عاصم، ولم يفتح الفاء إلا من شدد سورة القلم
مسألةأن كان ذا مالٍ أن كان مستفهم بهمزتين مخففتين، حمزة وأبو بكر؛ بهمزة واحدةٍ ممدودة، ابن عامر؛ الباقون، بهمزة واحدة غير ممدودة، على الخبر سورة الأحقاف
مسألةآذهبتم بالاستفهام، ابن كثير وابن عامر على أصولهما في الهمز، وهشام يجيز فيها على الوجوه الثلاثة الإنسان
مسألة
خضرٍ
واستبرقٍ جر، أبو عمر وابن عامر؛ ضده ابن كثير وأبو بكر كلاهما، مرفوعان،
نافع وحفص كلاهما مجروران، حمزة والكسائي وإن أفردت كل واحد منهما قلت خضر
رفع وأبو عمرو وعامر وحفص استبرق، رفع ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو
التاسع والثمانون ما استعمل استعمال القسم وأجيبت بجوابه
فقال فريق القوم لما نشدتهم ... نعم وفريقٌ ليمن الله ما ندرى
أي لا يمن الله قسمي وقالوا على عهد الله لأقومن، فاللام و إن وما و لا كلها أجوبة الأقسام التي هي أخذنا ميثاقكم وعملوا وكتب عل نفسه الرحمة وكتب الله لأغلبن و ظنوا إذ معنى ظنوا أيقنوا وبلغ أمرهم باليقين كأنهم أقسموا ما لهم من محيص، فهكذا كتب الله على نفسه الرحمة وأوجب حتى بلغ الأمر إلى أنه أقسم إنه من عمل، فكسر ان إنما هو لمكان القسم، لا كما ذهب إليه أحمد بن موسى وفارس الصناعة من أن قوله إنه من عمل فيمن كسر تفسيرٌ للرحمة كما أن قوله لهم تفسير للوعد، في قوله وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات فكما لا يجوز الوقف على قوله لعمرك، وعلى قوله ميثاق بني إسرائيل وعلى قوله كتب الله من قوله كتب الله لأغلبن لمكان أجوبة القسم، فكذا لا يجوز الوقف على قوله كتب على نفسه الرحمة من دون قوله ليجمعنكم فقوله كتب الله أي فرض الله القتال وأوجبه، واقسم عليه لأغلبن، فاللام جواب القسم، كما إن في لعمرك إنهم، و لا في قوله لا تعبدون إلا الله، ولا تسفكون دماءكم واللام في لمن اشتراه و ما من قوله ما لهم من محيص جواب، فليس قوله لأغلبن من قوله الله كقوله الإيمان من قوله أولئك كتب في قلوبهم الإيمان إنما قوله كتب أضمر مفعوله، أي كتب الله القتال، كقوله كتب عليكم القتال، وكتب عليكم الصيام، وكتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية فكيف ظننت أيها الظان أن قوله لأغلبن مفعول كتب ومن أين لك أن تقول إن الجمل تكون فاعلات ومفعولات، ولم لا تتم الصنعة حتى لا تتوالى عليك الفتوق قال أبو علي الألفاظ التي جرت في كلامهم مجرى القسم حتى أجيبت بجوابه تستعمل على ضربين أحدهما أن تكون كسائر الأخبار التي يقسم فلا تجاب كما لا تجاب الأخبار والآخر أن يجرى مجرى القسم فتجاب كما يجاب القسم فمما لم يجب بأجوبة القسم قوله تعالى وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين ومنه قوله وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوةٍ وقال فيحلفون له كما يحلفون لكم فمما جاء من ذلك وفيه ذكر من الأول، مما يجوز أن يكون حالا، على ضربين أحدهما أن يكون حالا والآخر أن يكون قسما وإنما جاز أن تحمله على الحال دون جواب القسم، لأنه جاز أن يكون معرًّى من الجواب، وإذا جعلت ما يجوز أن يكون حالا فقد عريتها من الجواب
فمما يجوز أن يكون حالا وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا، فقوله ورفعنا يجوز أن يكون حالا غير جواب قوله وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله فهذا يكون حالا، كأنه قال أخذنا ميثاقهم موخذين، وكذلك وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم، أي غير سافكين، فيكون حالا من المخاطبين المضاف إليهم، وإنما جاز كونهما حالا بما ذكرنا، ومن أجل هذا النحو قد يعرى من أن يجاب بجواب القسم، ألا ترى أن قوله خذوا في الآية ليس بجواب قسم، ولا يجوز أن يكون جوابا له، وكذلك من قرأ لا تعبدوا فجعل لا للنهي كما كان وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه قسما وكذلك وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت وكما أن لتبيننه لا يكون إلا جوابا للقسم، يكون قوله لا تعبدون و لا تسفكون يجوز أن يكون جوابا للقسم، ويجوز أن يكون لا تسفكون ونحوه في أن لا تسفكوا، كأن تقديره أخذنا ميثاقهم بأن لا تسفكوا؛ ولا يكون ذلك جواب قسم كما كان فيمن قدره حالا غير جواب قسم، إلا أنه لما حذف أن ارتفع الفعل واعلم أن ما يتصل بهذه الأشياء الجارية مجرى القسم في أنها أجيبت بما يجاب به القسم، لا تخلو من أن تكون لمخاطب أو لمتكلم أو لغائب، جاز أن يكون على لفظ المخاطب، وإنما جاز كونه على لفظ المخاطب لأنك تحكى حال الخطاب وقت ما تخاطب به، ألا ترى أنهم قد قرءوا قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم على لفظ الغيبة، وبالتاء على لفظ الخطاب، على حكاية الحال حال الخطاب في وقت الخطاب، فإذا كان هذا النحو جاز أن تجىء القراءة بالوجهين جميعا، وجاز أن تجىء بأحدهما، كما جاء قوله وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون بالوجهين جميعا، ويجوز في قياس العربية في قوله تعالى إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف على الوجهين اللذين قرئ فيهما في ستغلبون و تحشرون، فإن كان الكلام على الخطاب لم يجز فيما يكون في تقدير ما تتلقى به القسم إلا الخطاب، كقوله وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم فهذا لا يجوز أن يكون إلا على الخطاب، لأن المأخوذ ميثاقهم مخاطبون، ولأنك إن حكيت الحال التي تكون للخطاب فيها فيما يأتى لم يجز أن تجعل المخاطبين كالغيب، كما جاز في الغيب الخطاب من حيث قدرت الحال التي يكون فيها الخطاب فيما يستقبل؛ ألا ترى أنه لا يجوز أن تجعل المخاطبين غيباً فتقول أخذنا ميثاقكم لا يسفكون؛ لأنك إذا قدرت الحكاية كان التقدير أخذنا ميثاقكم فقلنا لكم لا تسفكون، كان بالتاء ولم يجز بالياء، كما لا يجوز أن تقول للمخاطبين هم يفعلون، وأنت تخاطبهم، وإن لم تقدر الحكاية فهو بالتاء، مذهب إذا قرب في ذلك غير الخطاب، فقوله تعالى وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله لا يخلو قوله تعبدون من أن يكون حالا، أو يكون تلقى قسم، أو يكون على لفظ الخبر، والمعنى فيه معنى الأمر، أو تقدر الجار في أن فتحذفه ثم تحذف أن فإن جعلته حالا جعلته على قول من قرأ بالياء، فقال لا يعبدون، ليكون في الحال ذكر من ذي الحال فإن قلت فإذا قرئ بالتاء فالمراد به هو بنو إسرائيل، والحال مثل الصفة، وقد حملت الصفة في هذا النحو على المعنى فإن هذا قول، والأول أبين وإن جعلته تلقى قسم، فإن هذا اللفظ الذي هو أخذنا ميثاق مجاز ما يقع بعده على ثلاثة أضرب أحدها أن لا يتبع شيئا مما يجرى مجرى القسم؛ كقوله وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين والآخر أن يتلقى بما يتلقى به القسم، نحو وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس والثالث أن يكون أمراً نحو وإذا أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ولم يجئ شيء من هذا النحو فيما علمنا تلقى بجواب القسم ووقع بعده أمر، فإن جعلت لا تعبدون جواب قسم، وعطفت عليه الأمر، جمعت بين أمرين لم يجمع بينهما فإن قلت لا أحمل الأمر على القسم ولكن أضمر القول، كأنه قال وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله، وقلنا لهم وأحسنوا بالوالدين إحسانا؛ فالقول إن إضمار القول في هذا النحو لا يضيق، وقلنا على هذا معطوف على أخذنا، وأخذ الميثاق قول، وكأنه قلنا لهم كذا وكذا وإن حملته على أن اللفظ في لا تعبدون لفظ خبر والمعنى معنى الأمر، فإن ذلك تقوية ما زعموا أن في إحدى القراءتين لا تعبدوا
ومثل
ذلك قوله تعالى تؤمنون بالله ورسوله يدلك على ذلك قوله يغفر لكم وزعموا أن
في بعض المصاحف آمنوا ويؤكد ذلك أنه قد عطف عليه بالأمر، وهو قوله
وبالوالدين إحساناً وأقيموا الصلاة وإن حملته على أن المعنى أخذنا ميثاقهم
بأن لا يعبدوا، فإن هذا قول إن حملته عليه كان فيه حذف بعد حذف وزعم
سيبويه أن حذف إن من هذا النحو قليل
المتم التسعين ما جاء في التنزيل من الأفعال المفرغة لما بعد إلا
لو قلت ما في قومها لم تيتم ... يفضلها من أحدٍ وميسم
أي ما في قومها أحد؛ إلا أنهم يقولون لو صح الاعتبار ب أحدٍ مضمر لكان ما بعد إلا بدلا مما قبلها، وهو أحد؛ وإذا كان بدلا جاز فيه النصب كما لو أظهر أحد، فإنه قد جاء قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله فما بعد إلا بدل من قوله من في السموات، ولا يجوز فيه النصب، ف أحد لا يضمرونه قبل إلا ولا يحيزون بعد إلا الحمل فيه على ما قبل إلا وعند محمد بن الحسن أحد مضمر في هذه الآي، وبنى عليه مسائل، فقال عبدى حر إن كان في البيت إلا رجل فإذا كان في البيت رجل وامرأة، أو رجل وصبي، فإنه حانث، لأن المستثنى منه غير مذكور، فوجب إثباته على وفق المستثنى تحقيقا للمجانسة، وذلك أن تجعل المستثنى منه أحدا فصار الشرط أن يكون فيه أحد غير رجل أو امرأةٍ، والصبي أحد غير رجل، إلا أن يكون نوى الرجال خاصة فلا يحنث، حتى يكون فيه رجلان، ولا يحنث بالصبي والمرأة، ويصدق فيما بينه وبين الله، فأما في القضاء فلا، لأن الظاهر من كلامه أوجب تحقيق المجانسة فيما قصده الحالف، وهو الكون والسكنى في الدار، وبنو آدم كلهم جنس واحد، لأنهم جميعا مقصودون ذلك، فإذا نوى تخصيص الرجال كان ذلك خلاف الظاهر فيه تخفيف فلم يصدقه القاضي ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى، لأنه نوى المجانسة أيضا، لكنه خلاف المعهود الظاهر والله أعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق