وأما قوله تعالى لكل باب منهم جزء مقسوم كأنه لكل باب جزء مقسوم من
الداخلين ولا يصح تعلقه به في هذا الظاهر؛ لأنه صفة لجزء متعلقة؛ إذا
المعنى كقوله يوم يرون الملائكة لا بشرى وإن شئت علقته باللام، ولا يكون
منهم صفة للنكرة؛ لأنه لا شيء فيه يعود على الموصوف قوله تعالى بل الإنسان
على نفسه بصيرة قال أبو علي في التذكرة وإن شئت كان الإنسان هو البصيرة على
نفسه وإن شئت كان على نفس الإنسان بصيرة، أي شهيد، أي يداه ورجلاه ولسانه؛
إذا جعل الإنسان هو البصيرة كان ارتفاعه بأنه خبر المبتدأ الذي هو
الإنسان، وعلى نفسه متعلق ببصيرة والتقدير بل الإنسان بصيرة على نفسه، أي
شاهد عليها وعلى الوجه الآخر، بمنزلة زيد في داره غلام، فلبصيرة يرتفع
بالظرف بالابتداء، والراجع إلى المبتدأ الأول الهاء في نفسه واعتبر قوله
يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم وقال أبو زيد البصيرة هو الشاهد،
وليس في قوله دلالة على أحد الوجهين المتقدمين قلت هو رفع بالظرف، لأن
الظرف خبر المبتدأ، وليس فيه خلاف قال سيبويه واعلم أنك إذا نصبته في هذا
الباب فقلت مررت برجل معه صقر صائداً به غداً فالنصب على حاله، لأن هذا ليس
بابتداء يعني معنى صقر، لأن معه عنده هنا صفة، وهو يرفع هنا بالظرف،
ويمتنع منه في غير هذا الموضع؛ وإنما رفع هنا بالظرف، لأنه لا سبيل إلى
التقديم، كما رفع في قولك في الدار إنك منطلق، بالظرف وقوله ولا يشبه فيها
عبد الله قائم غداي، يعني أن معه لا يشبه فيها، وصقر لا يشبه عبد الله،
وصائداً به غداً لا يشبه قائم غداً - لأن الظروف تلغى حتى يكون المتكلم
كأنه لم يذكرها في هذا الموضع - يعني في قوله فيها عبد الله قائم غداً
وقوله فإذا صار الاسم مجروراً - يعني برجل، يعني بقوله مررت برجل - أو
عاملاً فيه فعل نحو قوله مررت برجل معه صقر وقوله أو مبتدأ، يعني مثل قولك
هذا رجل معه صقر فقال في الجميع إذا صار الاسم كذا لم تلفه يعني الظرف
وقوله وفي الظروف، إذا قلت فيها أخواك قائمان، رفعه الابتداء هذا كلام فا
وقد ناقض في قوله وآخر من شكله أزواج، وقوله هنالك الولاية لله الحق، وقوله
باسم الله مجريها، وقوله بل الإنسان على نفسه بصيرة، وقوله حيران له
أصحاب، وزعم أنه الخلاف ومن ذلك قوله تعالى حقيق علي أن لا أقول على الله
إلا الحق، فيمن قرأ علي بتشديد الياء يرتفع أن الظرف على المذهبين، كقوله
تعالى ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة
الثاني والعشرون ما جاء في التنزيل من هو وأنت فصلاً، ويسميه الكوفيون بالعماد
وذلك
يجيء بين المبتدأ والخبر، وبين اسم كان وخبره، وبين اسم إن وخبره، وبين
مفعولي ظننت وبابه، وهو كثير في التنزيل فمن ذلك قوله تعالى وأولئك هم
المفلحون، فأولئك مبتدأ والمفلحون خبر، وهم فصل والكوفيون يقولون عماد
ويجوز أن يكون هم ابتداء ثانياً، والمفلحون خبر، والجملة خبر أولئك ومن ذلك
قوله تعالى إنك أنت العليم الحكيم، فالكاف نصب اسم إن وأنت مبتدأ وما بعده
خبر والجملة خبر إن ويجوز أن يكون أنت فصلاً في الكلام، والخبر العليم
ويجوز أن يكون أنت نصباً صفة للكاف، وإن كان ضميراً مرفوعاً قال سيبويه لو
قلت مررت بأنت، أو بإياك؟ لم يجز، لأن هذه علامات المنصوب والمرفوع إن قال
قائل إذا جاز مررت بك أنت ورأيتك أنت، ونحوه؛ وفي التنزيل إنك أنت التواب
الرحيم، فجاز أن يتبع هذه العلامات التي تخص بالرفع المجرور، كما فعل ذلك
في قولك مررت بك أنت، و رأيتك أنت، ونحو ذلك فلم لا يجوز مررت بأنت ورأيت
أنت؟ فالقول في ذلك أنه يجوز في التابع ما لا يجوز في المتبوع، نحو يا زيد
والحارث و رب رجل وأخيه و مررت بهم أجمعين و يا زيد الطويل، والطويل وقوله
فعلفتها تبناً وماءً بارداً
ومن ثم كان الصفة عند أبي الحسن معمول التبعية، وهذا كثير جداً ومثله قوله تعالى إنه هو التواب الرحيم وإنني أنا الله و لا إله إلا أنا في أنا الأوجه الثلاثة، وكذلك إن ترن أنا أقل منك، ويجوز فيه الصفة، والفصل دون الابتداء، لانتصاب قوله أقل وقال الله تعالى إن كان هذا هو الحق من عندك هو على الفصل والوصف وقال كنت أنت الرقيب عليهم وقال ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق، فالذي أنزل بصلته المفعول الأول، والحق هو المفعول الثاني، وهو فصل لا غير، كقوله هو الحق من عندك وقال ولكن كانوا هم الظالمين فهم فصل وقال وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً فهو فصل، أو وصف للهاء في تجدوه وقال الله تعالى إن هذا لهو الفوز العظيم، وقال إنهم لهم المنصورون فأدخل اللام على الفصل وكذلك قوله ولا تستعجل لهم كأنهم فيمن جعل اللام لام الابتداء في قوله لهم المنصورون وارتفع هم بالابتداء وقوله كأنهم مع اسمه وخبره خبر هم، وكأن الوقف على قوله ولا تستعجل ومن جعل اللام جارة من صلة تستعجل، وقف على من نهار والفصل يفارق حكمه حكم ما كان صفة للأول، ويفارق أيضاً حكم ما كان مبتدأ وخبراً في موضع خبر الأول فأما مفارقته للصفة، فإن الصفة إذا كانت ضميراً، لم يجز أن يوصف به غير المضمر تقول قمت أنت، ورأيتك أنت، ومررت بك أنت؛ ولا يكون صفة للظاهر، لا تقول قام زيد هو، ولا قام الزيدان هما وليس الفصل كذلك، لأنه يدخل بعد الظاهر، ومفارقة البدل له أنك إذا أردت البدل قلت ظننتك أنت خيراً من زيد، وظننته هو خيراً منه ومما يفصل بين الفصل والصفة والبدل أن الفصل يدخل عليه اللام، ولا يدخل على الصفة والبدل، كما تقول في الفصل إن كان كذلك لهو الظريف وفي التنزيل وإن كنا نحن الغالبين، وإن كنا لنحن الصالحين فنصب الظريف، والغالبين، والصالحين وقال الله تعالى وإن الله لهو خير الرازقين، وإنا لنحن الصافون ولا يجوز أن تقول إن كنا لنحن الصالحين، في الصفة والبدل، لأن اللام تفصل بين الصفة والموصوف، والبدل والمبدل منه وأما مفارقته لما كان مبتدأ وخبراً؛ فإن الفصل لا يغير الإعراب عما كان قبل دخوله والمبتدأ يغير، تقول إذا أردت الفصل كان زيداً هو خيراً منك وإذا جعلت هو مبتدأ قلت كان زيد هو خير منك، وليس للفصل موضع من الإعراب واعلم أنه لا يقع الفصل إلا بين معرفتين، أو بين معرفة وما قارب منها ولا يقع بين نكرتين، ولا بين معرفة ونكرة فقوله تجدوه عند الله هو خيراً خيراً مقارب للمعرفة؛ لأن خيراً أفعل وأفعل يستعمل معها من كذا ظاهراً أو مضمراً، فيخصصه ويوضحه وأما قوله تعالى هؤلاء بناتي هن أطهر لكم، فهؤلاء مبتدأ، وبناتي عطف بيان، وهن فصل، وأطهر لكم خبر، وهؤلاء بناتي معرفتان جميعاً، وأطهر لكم منزلته منزلة المعرفة في باب الفصل؛ لأنه من باب زيد هو خير منك وقرأ محمد بن مروان من أهل المدينة أطهر بالنصب وقد روي عن عيسى بن عمر بأسانيد جياد مختلفة أنه قرأها هن أطهر لكم بالنصب فقال احتبى في لحنه وقد روي عن سعيد بن جبير أنه قرأ هن أطهر لكم بالنصب ومعنى قول أبي عمر احتبى في لحنه كقولك اشتمل بالخطأ، وتمكن في الخطأ؛ ونحو هذا مما يوجب تثبيت الخطأ عليه، وإحاطته به قال أبو عثمان وجه النصب في أطهر لكم أن تجعل هن أحد جزأي الجملة، وتجعله خبر بناتي كقولك زيد أخوك هو وتجعل أطهر حالاً من هن أو من بناتي والعامل فيه معنى الإشارة كقولك هذا زيد هو قائماً، أو جالساً، أو نحو ذلك وإنما لحن من لحن؛ لأنه لم ير قوله هن تمام الكلام، وإنما رأى قوله هن فصلاً، ورأى أطهر الخبر فلم ير ذلك تم به الكلام ومن طريف ما ذكرنا أن سيبويه قال وأما أهل المدينة فينزلون هو هاهنا منزلة قوله ما أظن أحداً هو خيراً منك، ويجعلونها فصلاً في هذا الموضع وزعم يونس أن أبا عمرو رواه لحناً وقال احتبى مروان في ذه، في اللحن وذلك أنه كان يقرأ هؤلاء بناتي هن أطهر لكم وكان الخليل يقول والله إنه لعظيم جعلهم هو فصلاً في المعرفة، وتصييرهم إياها بمنزلة ما إذا كانت ما لغواً؛ لأن هو بمنزلة أبوه، ولكنهم جعلوها في ذلك الموضع لغواً كما جعلوا ما في بعض المواضع بمنزلة ليس، وإنما قياسها أن تكون بمنزلة كأنما وإنما
ومما يقوي ترك ذلك في النكرة أنه لا يستقيم أن تقول رجل خير منك، ولا أظن رجلاً خيراً منك، حتى تنفي وتجعله بمنزلة أحد فلما خالف المعرفة في الواجب الذي هو بمنزلة الابتداء، وفي الابتداء لم يجر في النكرة مجراه، لأنه قبيح في الابتداء ، وفيما أجري مجراه من الواجب، فهذا مما يقوي ترك الفصل وهذه الآية ما وقع هن فيها بين نكرتين؛ وليس بحجة لأهل المدينة؛ ولكنه وقع في الكتاب هاهنا موقعه في باب آخر، وقد بينا هذا وأما قوله تعالى ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً يرتفع مولود بالعطف على والد لإعادة العاطف مؤكداً ولأن كونه مبتدأ، ممتنع لتنكيره، فيستدعي التخصيص بالوصف، ولو كانت الجملة وصفاً، احتاج إلى الخبر، ولا خبر هنا، وهو تأكيد لما في مولود أو مبتدأ وجاز خبره، والجملة وصف له، ولا يكون هو فصلاً؛ لأن ما هو بينهما نكرتان وأما قوله تعالى ومكر أولئك هو يبور فإن هو فصل، ويبور خبر المبتدأ الذي هو مكر أولئك، وأولئك جر بالإضافة قال أبو عثمان زيد هو يقول ذاك، هو فصل، ولا أجيز الفصل بين الأسماء والأفعال ولا يجوز في الماضية، كما جاز في المضارعة؛ وذلك أن سيبويه قد قال إني لأمر بالرجل خير منك؛ وبالرجل يكرمني؛ وهما صفة، على توهم الألف واللام، فكذلك في الفصل أتوهم الألف واللام في الفعل، ويكون بمنزلة الغاية بين المعرفتين كما أقول كان زيد هو خير منك على توهم الألف واللام في خير منك ولا يجوز كان زيد هو منطلقاً لأني أقدر على الألف واللام، وإنما يجوز هذا فيما لا يقدر فيه على الألف واللام وأما قوله تعالى أن تكون أمة هي أربى من أمة، فموضع أربى رفع؛ لأن قوله أمة اسم تكون وهي ابتداء، وأربى خبره، والجملة خبر كان، ولا يجوز أن تكون هي هاهنا فاصلة؛ لأن أمة نكرة، وأربى وإن قاربت المعرفة فيستدعي كون معرفة قبلها وأما قوله قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه، فقوله جزاؤه مبتدأ وقوله من وجد خبر المبتدأ، والتقدير أخذ من وجد، أي أخذ الإنسان الذي وجد الصاع في رحله؛ والمضاف محذوف، وفي وجد ضمير الصاع العائد إلى من، الضمير المجرور بالإضافة، فهو جزاؤه ذكرت هذه الجملة تأكيداً للأول، أي أخذه جزاؤه، ومن بمعنى الذي على هذا، وإن جعلت من شرطاً، و وجد في رحله في موضع الجزم، والفاء في قوله فهو جزاؤه جواب الشرط، والشرط والجزاء خبر المبتدأ، جاد وجاز وكان التقدير جزاؤه إن وجد الصاع في رحل إنسان فهو هو، لكنه وضع من الجملة إلى المبتدأ عائد، لأنه إذا كان من شرطاً، أو بمعنى الذي، كان ابتداء ثانياً، ويكون الفاء مع ما بعده خبراً، وتكون الجملة خبر المبتدأ، والعائد هو الذي وضع الظاهر موضعه ويجوز أن يكون جزاؤه خبراً، وهو فصل وأما قوله وهو بالآخرة هم كافرون لا يجوز الفصل هنا فإذا لم يجز الفصل كان هم الثانية إما صفة، وإما ابتداء، وجازت الصفة، لأن الأول مضمر، فيجوز أن يكون المضمر وصفاً له ونراها أشبه؛ لأنك إذا جعلته ابتداء، فصلت بين اسم الفاعل وما يتصل به بمبتدأ، وهما أذهب في باب كونها أجنبيات من الصفة؛ لأن الصفة متعلق بالأول، والمبتدأ أجنبي من اسم الفاعل وأما قوله والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون يحتمل هم ثلاثة أضرب أحدهما أن يكون مرتفعاً بمضمر دل عليه ينتصرون؛ لأن هذا الموضع فعل ألا ترى أن جواب إذا حقه أن يكون فعلاً؛ فإن أظهرت ذلك الفعل كان ينتصرون؛ لأن الضمير حقه أن يتعلق بالفعل، كما يكون أنت فانظر في بيت عدي ومن أجاز إضمار الفاء واستدل بقوله وإن أطعتموهم إنكم لمشركون جاز أن يرتفع هم على قوله بالابتداء، والتقدير فهم ينتصرون، إلا أنه حذف الفاء
وهو على تقدير العربية أن يكون صفة للضمير المنصوب
في أصابهم، وليس بالقوي في المعنى ألا ترى أن البغي إذا أصابهم هم، أو
أصاب أصحابهم، وجب عليهم الانتصار لهم ، كما يجب انتصارهم لأنفسهم وإنما
قلنا قياس قول سيبويه رفع قوله هم بمضمر، لأنه قد قال في قوله إن يأتني زيد
يضرب إنه يرتفع بفعل مضمر يفسره يضرب، ولا فصل بين إذا وإن ووصل الذين
بإذا يدل على صحة ما ذهب إليه من قوله أزيد إذا أتاك يضرب إذا جعلته جواباً
ولم تقدر به التقديم - وإن ذلك كان إذا كانت خبر مبتدأ مضمر يفسره يضرب،
ولا فصل بين إذا وإن، ووصل الذين بإذا يدل على صحة ما ذهب إليه من قوله
أزيد إذا أتاك يضرب - إذا جعلته جواباً ولم تقدر به التقديم، وأن ذلك كان
إذا كانت خبر مبتدأ مضمر أو صلة تشبه بإن، كما شبهت إذا أيضاً بها في قول
من جازى بها في الشعر ولا يجوز ذلك في حين، ولا في غير الأسماء التي تتضمن
معنى الشرط والجزاء ولا يحمل إذن على اسم الزمان في وصل الذي بها هذا كله،
كما ترى، درر نظمتها لك، وفي الكتاب فصل يخالف هذا قال سيبويه واعلم أن هو
تكون فصلاً إلا في الفعل، ولا تكون كذلك إلا في كل فعل الاسم بعده بمنزلته
في حال الابتداء، وذكر باب حسبت وكان فقط قال أبو بكر ولم يذكر باب إن هنا،
ولا باب الابتداء بإن قال فأذكر أنه لا يكون فصلاً إلا في الأفعال، وتأويل
الآية في حد إن على أنها مبتدأة، وهي قوله لا جرم أنهم في الآخرة هم
الأخسرون ويدل أيضاً على صحة قوله أن سيبويه لما ذكر في هذا الكتاب ما يكون
هو وأخواتها فيه فصلاً ذكر باب حسبت وأخواتها، وكان وأخواتها ولم يذكر إن
قال أبو سعيد ومن مذهبه أنهن يكن فصلاً في إن وفي الابتداء وإنما ابتداء
بالفعل وخصه؛ لأنه لا يتبين الفصل إلا فيه وإن والابتداء لا يتبين الفصل
بهما في اللفظ، لأنك إذا قلت زيد هو خير منك؛ فما بعد هو مرفوع على كل حال،
وإن جعلت هو فصلاً، أو جعلته مبتدأ وإنما يتبين في كان وأخواتها، وظننت
وأخواتها الفصل من الابتداء؛ لأن أخبارها منصوبة، تقول كان زيد هو أخوك،
إذا جعلت هو ابتداء، وأخوك خبره، والجملة خبر زيد وكذلك ظننت زيداً هو
أخوك، وإذا كان فصلاً قلت كان زيد هو أخاك، وظننت زيداً هو أخاك
الثالث
والعشرون ما جاء في التنزيل من المضمرين إلى أي شيء يعود مما قبلهموهو
كثير في التنزيل، لكنا نذكر نبذاً منها فمن ذلك قوله تعالى وإن كنتم في ريب
مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله قيل من مثل محمد - عليه السلام -
فالهاء تعود إلى عبدنا وقيل تعود الهاء إلى قوله ما، أي فأتوا بسورة من
مثله ما نزلناه على عبدنا - فيكون من زيادة - على قول أبي الحسن - دليله
قوله فأتوا بسورة مثله وقيل الهاء تعود إلى الأنداد، كما قال سيبويه في
قوله وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه وفي الأخرى مما في
بطونها لأن أفعالا وأفعلا وأفعلة وفعلة جرت عندهم مجرى الآحاد؛ لأنهم
جمعوها في قولهم أناعيم، وأكالب، وأساق، وغير ذلك، وصغروها تصغير الآحاد في
أنيعام، وأكيلب فجاز عودها إلى الأنداد في قوله فلا تجعلوا لله أنداداً،
والمعنى يقتضي الأوجه الثلاثة، وقرب اللفظ يقتضي عوده إلى عبدنا ومن ذلك
قوله وآمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم ولا تكونوا أول كافر به قيل التقدير
أول كافر بالتوراة، وهو مقتضى قوله لما معكم فيعود إلى ما وقيل يعود الهاء
إلى قوله بما أنزلت وهو القرآن والوجه الأول أقرب ويجوز أن تعود الهاء إلى
النبي - صلى الله عليه وعل آله - وذلك مذكور دلالة، لأن قوله وآمنوا بما
أنزلت أي أنزلته على محمد، عليه السلام ومن ذلك قوله تعالى واستعينوا
بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة قيل الهاء تعود إلى الصلاة أي إن الصلاة
لكبيرة - أي لثقيلة - إلا على الخاشعين، كقوله وإن كانت لكبيرة إلا على
الذين هدى الله وعندي أن الهاء تعود إلى المصدر، لأن قوله واستعينوا يدل
على الاستعانة، أي إن الاستعانة لكبيرة إلا على الخاشعين، كما قال من كذب
كان شراً له
ومن ذلك قوله وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم قيل يعود إلى ذبح الأبناء، واستحياء النساء أي في المذكور نقمة من ربكم ووحد ذا ولك يقل ذينكم، لأنه عبر عن المذكور المتقدم وقيل يعود ذلكم إلى الإنجاء من آل فرعون ومثل الأول قوله فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم، أي ذلكم المذكور المتقدم ومثله لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك أي بين المذكور المتقدم، لأن بين يضاف إلى أكثر من واحد، كقولك المال بين زيد وعمرو ومثله وهو محرم عليكم إخراجهم، هو عبارة عن المصدر، أي الإخراج محرم عليكم، ثم قال إخراجهم فبين ما عاد إليه هو وقال اعدلوا هو أقرب للتقوى أي العدل أقرب للتقوى وقد تقدم هو خيراً لهم على معنى البخل خيراً لهم؛ لأن يبخلون يدل عليه وقال إنه كان حوباً كبيراً، أي إن أكله وقال وإنه لفسق، أي إن أكله لفسق ومن ذلك قوله تعالى وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر قيل التقدير وما أحد يزحزحه من العذاب تعميره فهو يعود إلى أحد وهو اسم ما وقوله بمزحزحه خبر ما والهاء في بمزحزحه يعود إلى هو وقوله أن يعمر يرتفع بمزحزحه ويجوز أن يكون وما هو هو ضمير التعمير، أي ما التعمير بمزحزحه من العذاب ثم بين فقال أن يعمر، يعني التعمير، أي ما التعمير وقال الفراء هو ضمير المجهول، أي ما الأمر والشأن يزحزح أحداً تعميره من العذاب وهذا ليس بمستو، لمكان دخول الباء، والباء لا تدخل في الواجب، إلا أن يقول إن النفي سرى من أول الكلام إلى أوسطه، فجلب الباء ومن ذلك قوله تعالى وآتى المال على حبه قيل وآتى المال على حب الإعطاء وقيل وآتى المال على حب ذوي القربى فإن صح كان ذوي القربى بدلاً من الهاء وفيه نظر وقيل على حب المال؛ فعلى هذا يكون الجار والمجرور في موضع الحال، أي آتاه محباً له وأما قوله تعالى ويطعمون الطعام على حبه أي على حب الطعام، ويكون على حب الإطعام، ويكون على حب الله ومن ذلك قوله فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان قيل معناه فمن عفي عن الاقتصاص منه، فاتباع بالمعروف، وهو أن يطلب الولي الدية بمعروف، ويؤدي القاتل الدية بإحسان عن ابن عباس فالهاء في إليه يعود إلى من وقوله فاتباع بالمعروف، أي فعلى الولي اتباع بالمعروف، وعلى القاتل أداء إلى الولي بإحسان فالهاء في إليه على هذا للولي وقيل إن معنى قوله فمن عفي له من أخيه شيء بمعنى فمن فضل له فضل وهو مروي عن السدي، لأنه قال الآية نزلت في فريقين كانا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله - قتل من كلا الفريقين قتلى، فتقاصا ديات القتلى بعضهم من بعض، فمن بقيت له بقية فليتبعها بالمعروف، وليؤد من عليه الفاضل بإحسان ويكون معنى قوله فمن عفي له من أخيه شيء أي فمن فضل من قتل أخيه القاتل له شيء ولعل فارس الصناعة أراد هذا حين قال فمن عفي له أي من يسر من قتل اخيه القاتل شيء فاتباع بالمعروف، أي، ليتبعه ولي المقتول، وليؤد إليه بإحسان، فلا يمطله، والداء في تقدير فعل المفعول، أي فله أن يؤدي إليه، يعني الميسر له، ولو قدر تقدير أن يؤدي القاتل، جاز، والباء حال، ولم يكن من تمام الأداء ليعلق إلى به فمقتضى ما قدمناه في قوله فاتباع بمعروف وأداء إليه بإحسان قولان أحدهما أنهما عائدان إلى القاتل والمقتول اتباع بالمعروف عائد إلى ولي المقتول أن يطالب بالدية بمعروف، والأداء بإحسان عائد إلى القاتل أن يؤدي الدية بإحسان والثاني أنهما عائدان إلى القاتل، أن يؤدي الدية بمعروف وإحسان فالمعروف أن لا ينقصه؛ والإحسان أن لا يؤخره ففي الآيات ثلاث كنايات
أحدهما الهاء في له والثاني الهاء في أخيه والثالث الهاء في إليه فيقال الهاء في له وفي أخيه للقاتل الذي عفي له للقصاص، وأخوه ولي القتيل والضمير في إليه أيضاً له أي يؤدي القاتل الدية إلى الولي العافي بإحسان عن غير مطل وبين الفريقين في هذه الآية كلام في موجب العمد، هل هو القود؟ أو أحد الشيئين من القود والدية لا بعينه فقال الشافعي في موجبه أحدهما فإن شاء استوفى القصاص، وإن شاء أخذ الدية، فقال في الآية إن الله شرع القصاص عيناً ابتداء، ثم ألزم القاتل أداء المال إلى الولي إذا عفى له، ولأن قوله فمن كلمة مبهمة، وذكرت لبيان تغير حكم القصاص يعفو يقع له؛ فدل ضرورة أن كلمة من تنصرف إلى من تنصرف إلى من عليه القصاص، ليسقط به، وهي كناية عن الاسم المراد بقوله فمن فثبت ضرورة أن الثابت في اسم القاتل، الذي دل عليه القصاص، وأن العفو وقع له والله تعالى علق بالعفو وجوب الاتباع والقبول والأداء، فإن قوله فاتباع على سبيل التعليق بالأول بمنزلة قوله فاتبعوا كقول الله تعالى فتحرير رقبة في باب الكفارة ثم بين أن هذا الحكم من الله تخفيف ورحمة، فإن الحياة لا عوض لها، وقد حيى بعد الهلاك بالدية وعفي له يجيء بمعنى عفي عنه، فلما ثبت أن العفو وقع للقاتل علم أن العافي هو الولي ضرورة، وما لأحد غيره حق في هذا الباب، وقد تقدم الجواب عن هذا الكلام ودل قوله شيء على التنكير، فإن الله أوجب القصاص ابتداء، ثم قال فمن عفي له من أخيه شيء على سبيل التنكير، فينصرف إلى شيء من الواجب عليه، أي أي شيء من القصاص فإن قيل تأويله شيء من العفو بعفو القصاص دون البدل قلنا لما كان شيء نكرة من جملة وجب صرفها إلى الجملة المذكورة شائعة، وهو القصاص، دون العفو، الذي لم يذكر، كما يجب في الكناية والتعريف ومن ذلك قوله ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك فيه قولان أحدهما الهاء لنمرود، لما أوتي الملك، حاج في الله تعالى عن الحسن الثاني هو لإبراهيم، لما آتاه الله الملك، حاجه نمرود عن أبي حذيفة والملك النبوة ومن ذلك قوله تعالى وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب فيه قولان أحدهما أنه لا يمد في عمر معمر حتى يهرم ولا ينقص من عمره أي من عمر آخر، حتى يموت طفلاً إلا في كتاب وقيل ما يعمر من معمر قدر الله مدة أجله، إلا كان ما ينقص منه بالأيام الماضية وفي كتاب، جل سبحانه وتعالى، فالهاء على هذا للمعمر، على الأول، كقولك عندي درهم ونصفه، أي نصف مثله، كذلك لا ينقص من عمر مثل معمر، ولا يشبه الآية درهم ونصفه، لأنه ليس المعنى لا ينقص آخر من عمر ذلك الآخر إنما المعنى ولا ينقص آخر من عمر هذا المعمر أي لا ينقص بجعله أنقص عمراً منه ومن ذلك قوله تعالى وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته فيه ثلاثة أقوال أحدها إلا ليؤمنن بالمسيح قبل موت المسيح، إذا نزل من السماء عن ابن عباس الثاني إلا ليؤمنن بالمسيح قبل موت الكتابي عند المعاينة، فيؤمن بما أنزل اله من الحق وبالمسيح عن الحسن فيعود الهاء من موته إلى أحد المضمر، لأن التقدير وإن أحد من أهل الكتاب والقول الثالث إلا ليؤمنن بمحمد - صلى الله عليه وعلى آله - قبل موت الكتابي عن عكرمة وفيه ضعف؛ لأنه لم يجر هاهنا لمحمد - عليه السلام - ذكر فإن قيل إذا كان الاختيار الأول، فما وجه قوله عز وجل ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً؟ وكيف يشهدون على من لم يشاهدهم، ولم ير منهم ما يشهد بهم عليهم؟ فالجواب أنه ليس واجباً على الشاهد إلا بما شاهد؛ لأن الشهادة علم، وإذا علم الشيء وتحققه فله أن يشهد ألا ترى أنا نشهد بأن محمداً رسول الله ولم نره ولم نشاهده، لأنا علمنا بالتواتر كونه، وبالدليل رسالته، فكذلك عيسى نشهد بعلمه ومن ذلك قوله تعالى فمن تصدق به فهو كفارة له فيه قولان الأول أنها كفارة للجارح؛ لأنه يقوم مقام آخذ الحق والثاني كفارة لمجروح عن ابن مسعود وعن ابن عباس، هذا محمول على من عفي عنه بعد التوبة ويجوز أن يعود الضمير في قوله إلى المقتول، أي إذا عفا وليه زاد الله في ثواب المقتول
ويجوز أن يرجع إلى القاتل، والهاء الأولى للقتل، أي من تصدق بتبين القتل منه، وأنه هو الذي فعله، وقصد استتار القاتل، وخفي أمره على الأولياء فذلك التصدق كفارة للقاتل؛ لأنه إنفاذ لحكم الله وتخليص الناس من التهم والظنون ومن ذلك قوله تعالى ونوحاً هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمن قيل الهاء لنوح وقيل لإبراهيم؛ لأن الله أراد تعداد الأنبياء من ولد إبراهيم - عليه السلام - امتناناً عليه بهذه النعمة وليس القصد ذكر أولاد نوح، فهو له، ولوطاً ويونس به هدينا مضمرة عند من قال إنه لإبراهيم ولا وجه لإختلاف العطف ومن ذلك قوله إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون أي للذكر؛ لقوله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وقيل وإنا له يعني لمحمد صلى الله عليه وعلى آله؛ كما قال والله يعصمك من الناس ومن ذلك قوله هذا إلهكم وإله موسى فنسي قيل فنسي أي نسيه موسى، فمضى يطلب رباً سواه، فعلى هذا تقف على قوله فنسي دون موسى وقيل هذا إلهكم وإله موسى تمت الحكاية؛ ثم قال فنسي أي فنسي السامري ومن ذلك قوله تعالى كل قد علم صلاته وتسبيحه قيل علم الله صلاة نفسه، وتسبيح نفسه وقد ذكرنا ما في هذا من الاختيار فيما تقدم ومن ذلك قوله وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور أي فإن المذكور، كما قال ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور أي إن المذكور كما قال وما جعله الله إلا بشرى لكم أي ما جعل الله الإمداد، فكنى عن الإمداد؛ لأن قوله أن يمدكم، يدل عليه نظيره في الأنفال أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله ومن ذلك قوله لنحيي به أي بالماء، ثم قال ولقد صرفناه بينهم فقالوا يعني المطر، صرفه بين الخلق، فلم يخص به مكاناً دون مكان، ليعتبروا ويتعظوا، ومع ذلك أبوا إلا كفوراً، حين قالوا مطرنا بنو كذا وقال قوم ولقد صرفنا القرآن بينهم؛ لأنه ذكره في أول السورة والأول أوجه؛ لأنه أقرب ومن ذلك قوله وجاهدهم به أي بالقرآن، وقيل بالإنذار؛ لأن قبله نذيراً يدل على الإنذار ومن ذلك قوله والذي جاء بالصدق وصدق به، أي بالله، لقوله ممن كذب على الله وقيل بالرسول، صلى الله عليه وعلى آله فأما قوله قل هو الله أحد فقيل الضمير للأمر والشأن، أي قل الأمر والشأن الله أحد وقيل هو إشارة إلى الله، وقوله الله بدل منه، مفسر له وأما قوله تعالى أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده فيمن اختلس كسرة الهاء كان كناية عن المصدر، أي اقتد اقتداء وعلى هذا قراءة من قرأ لم يتسنه بالهاء في الوصل، يكون كناية عن المصدر وأما قوله ولكل وجهة هو موليها ففي هو وجهان أحدهما أن يكون ضمير كل، أي لكل أهل وجهة وجهة هم الذين يتولونها ويستقبلونها عن أمر نبيهم عن مجاهد والثاني الله تعالى هو الذي يوليهم إليها، وأمرهم باستقبالها عن الأخفش وقد قرئ هو مولاها وهذا حسن يدل على الثاني من القولين قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي قيل الهاء تعود إلى الله، أي هو عصمني ونجاني من الهلكة وقيل إنه سيدي أحسن مثواي؛ لأنه قال لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً فأما قوله إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل، فأسرها يوسف في نفسه أي الإجابة أو المقالة أو الكلمة، ولا يكون قوله أنتم شراً مكاناً تفسيراً لقوله فأسرها؛ لأنه لا نظير لمثل هذا المثل، والمفسر في كلامهم؛ لأن المفسر في جملة، والمفسر في جملة أخرى، وإنما يكونان في جملة واحدة، نحو نعم رجلاً زيد، وربه رجلاً؛ وما أشبه ذلك ومن ذلك قوله وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً أي زاد الإنس الجن عظماً وتكبراً وقيل بل زاد الجن الإنس رهقاً، ولم يعيذوهم، فيزدادوا خوفاً ومن ذلك قوله فإذا نقر في الناقور، فذلك يومئذ أي فذلك النقر، فعبر عن المصدر بذا ومن ذلك قوله إنه على رجعه لقادر أي على رجع الإنسان وبعثه وقيل على رجع الماء إلى الإحليل ومن ذلك قوله لتؤمنن به ولتنصرنه
الهاء الأولى لما من قوله لما آتيكم؛ والثانية للرسول، إذا جعلت ما بمعنى الذي، وإذا جعلته شرطاً، كلاهما للرسول ومن ذلك قوله الشيطان سول لهم وأملى لهم قيل فاعل أملى هو الله؛ لقوله أملى لهم وقيل هو الشيطان، لأنه أهملهم، ورجاهم، وسول لهم، وزين لهم ومن ذلك قوله وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم، أي من الكافرين من أهل الكتاب ومن ذلك قوله ومن الأنعام أزواجاً يذرؤكم فيه قيل الهاء للمصدر، أي يذرؤكم في الذرء ويجوز أن يكون، لقوله أزواجاً كما قال في بطونه فأما قوله وإن كنتم من قبله أي من قبل هدايته؛ لأن قبله واذكروه كما هداكم وأما قوله وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله أي من قبل السحاب؛ لأن السحاب جمع سحابة؛ فجرى مجرى النخل والحب، وقد قال يزجى سحاباً ثم يؤلف بينه كما قال أعجاز نخل منقعر وأعجاز نخل خاوية وقال من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولم يقل مواضعها فأما قوله فيتعلمون منها ما يفرقون به ففيما يعود إليه منهما ثلاثة أقوال أحدها أنه لهاروت وماروت والثاني من السحر والكفر والثالث من الشيطان والملكين، يتعلمون من الشياطين السحر، ومن الملكين ما يفرقون به بين المرء وزوجه ومن ذلك قوله سواء محياهم ومماتهم فالمعنى في الآية أن مجترحي السيئات لا يستوون مع الذين آمنوا، كما قال أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون وكما قال هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور فالمراد في الآية هذا المعنى، والضمير في قوله محياهم ومماتهم لا يخلو من أن يكون للذين آمنوا دون الذين اجترحوا السيئات، أو للذين اجترحوا من دون المؤمنين؛ أو لهما جميعاً فيجوز أن يكون الضمير في محياهم ومماتهم للذين آمنوا دون غيرهم ويكون المعنى كالذين آمنوا مستوياً محياهم ومماتهم، فتكون الجملة في موضع الحال من الذين آمنوا، كما يكون الحال من المجرور في نحو مررت بزيد ويجوز أن تكون الجملة في موضع المفعول الثاني من نجعل أي نجعلهم مستوياً محياهم ومماتهم، كالذين آمنوا، أي لا ينبغي ذلك لهم، فيكون الضمير في محياهم ومماتهم للذين اجترحوا السيئات، ومحياهم ومماتهم يعود الضمير منه إلى الضمير الذي في نجعلهم ويدل على ذلك أنه قد قرئ فيما زعموا سواء محياهم ومماتهم فنصب الممات وقد حكي عن الأعمش فهذا يدل على أنه أبدل المحيا والممات من الضمير المتصل بنجعلهم، فيكون كالبدل، كقوله وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره فيكون الذكر في محياهم ومماتهم على هذا المعنى للذين اجترحوا السيئات ويجوز أن نجعل قوله كالذين آمنوا في موضع المفعول الثاني لنجعل، ويكون الضمير في محياهم ومماتهم للقبيلين ويكون العامل في الحال أن نجعلهم الذي هو مفعول الحسبان ويكون المعنى أن نجعلهم والمؤمنين متساوين في المحيا والممات وقد روي عن مجاهد أنه قال في تفسير هذه الآية يموت المؤمن على إيمانه ويبعث عليه، ويموت الكافر على كفره ويبعث عليه فهذا يكون على الوجه الثالث يجوز أن يكون حالاً، من نجعلهم والضمير للقبيلين فإن قلنا إن من الكفار من يلحقه مكانه في الدنيا، ويكون له نعم ومزية، فالذي يلحق ذلك لي يخلو من أن يكون من أهل الذمة، أو من أهل الحرب فإن كان من أهل الذمة، فليس يخلو من أن يكون قد أدركه ما ضرب عليهم من الذلة في الحكم وإن كان من أهل الحرب، فليس يخلو من إباحة نفسه وماله، لكونه حرباً ومن أن يكون ذلك جارياً عليه في الفعل من المسلمين بهم أو الحكم، والمؤمن مكرم في الدنيا لغلبته بالحجة، وفي الآخرة في درجاته الرفيعة ومنازله الكريمة ومن ذلك قوله هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا أي الله سماكم المسلمين، من قبل إنزال القرآن، وفي هذا القرآن عن ابن عباس وقيل بل إبراهيم سماكم المسلمين؛ لقوله ومن ذريتنا أمة مسلمة لك عن ابن زيد ومن ذلك قوله تعالى فلا يكن في صدرك حرج منه والهاء ثلاثة أقوال الأول أنه من التكذيب والثاني أنه للكتاب والثالث للإنذار، وإن جاء لتنذر بعده
ومن ذلك قوله حتى إذا استيأس
الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا قال سعيد بن جبير إن الرسل يئسوا من قومهم أن
يؤمنوا به، وإن قومهم ظنوا أن الرسل قد كذبوا فيما قالوا لهم، فأتاهم نصر
الله على ذلك والضمير في قوله وظنوا أنهم قد كذبوا للمرسل إليهم، أن الرسل
قد كذبوهم فيما أخبروهم به، من أهم إن لم يؤمنوا نزل العذاب بهم، وإنما
ظنوا ذلك لما شاهدوه من إمهال الله إياهم وإملائه ودل ذكر الرسل على المرسل
إليهم، فكنى عنهم، كما كنى عن الرعد حير جرى ذكر البرق في قوله
أمنك البرق أرقبه فهاجا ... فبت إخاله دهماً خلاجاً
وفيمن
شدد كذبوا فالضمير للرسل، تقديره ظن الرسل، أي تيقنوا وظنوا ليس الظن الذي
هو حسبان ومعنى كذبوا تلقوا بالتكذيب، كقولهم خطأته، وفسقته، وجدعته،
وغفرته، فتكذيبهم إياهم، يكون بأن تلقوا بذلك وقيل في قوله تعالى وهزي إليك
بجذع النخلة تساقط عليك رطباً أي تساقط ثمرة النخلة، فأضمر الثمرة لجري
ذكر النخلة، كالرعد مع البرق، والرسول مع المرسل إليه ومن ذلك قوله فدمدم
عليهم ربهم بذنبهم فسواها أي فسوى الدمدمة بينهم، وهو الدمار وقيل سواهم
بالأرض، أو سوى بهم بعدهم من الأمم ولا يخاف عقباها أي الله تعالى، لا يخاف
عاقبة إهلاكه إياهم، ولا تبعة من أحد لفعله، كقوله لا يسأل عما يفعل وقيل
لم يخف الذي عقر الناقة عقباها أي عقبى عقر الناقة، على حذف المضاف عن
الضحاك وقيل لا يخاف صالح - رسول الله صلى الله عليه - تبعتها، أي قد
أهلكها الله ودمرها وكفاه مؤونتها والواو يجوز أن تكون للحال، أي فسواها
غير خائف عقباها، أي غير خائف أن يتعقب عليه في شيء مما فعله وقيل فعقروها
غير خائف عقباها ولم يقل ولا تخافون؛ لأن لفظ أشقى مفرد، فهو كقوله من
يستمع، ومن يستمعون ومن ذلك قوله ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية
من لقائه، فيكون على إضافة المصدر إلى المفعول، مثل بسؤال نعجتك وهم من بعد
غلبهم لأن الضمير للروم، وهم المغلوبون، كأنه لما قيل فخذها بقوة أي بجد
واجتهاد، علمنا أنه أخذ بما أمر به وتلقاه بالقبول والمعنى من لقاء موسى
الكتاب، فأضيف المصدر إلى ضمير الكتاب وفي ذلك مدح له على امتثال ما أمر
به، وتنبيه على الأخذ بمثل هذا الفعل كقوله اتبع ما أوحي إليك من ربك و
فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ويجوز أن يكون الضمير لموسى - عليه السلام -
والمفعول به محذوف، كقوله إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم والدعاء مضاف إلى
الفاعل ويجوز أن يكون التقدير من لقائك موسى، فحذف الفاعل، فيكون ذلك في
الحشر، والاجتماع للبعث، أو في الجنة، فيكون كقوله فلا يصدنك عنها من لا
يؤمن بها ومن ذلك قوله مثل نوره كمشكاة أي مثل نور الله في قلب محمد - صلى
الله عليه وعلى آله وقيل مثل نور القرآن وقيل بل مثل نور محمد - عليه
السلام وقيل بل مثل نور قلب المؤمن وقوله تعالى ثم قست قلوبكم من بعد ذلك،
ذا إشارة إلى الإحياء، أو إلى ذكر القصة، أو للإباحة، أو للإبهام وفي
الضمير الآخر قولان أحدهما للقلوب والثاني أنها للحجارة، لأنها أقرب
المذكورين ومن ذلك قوله تعالى ونحن له مسلمون الضمير لله، لتقدم ذكره في
قوله آمنا بالله، أو لجميع المذكورين وفي قوله يعرفونه كما يعرفون أبناءهم
غير وجه قيل يعرفون تحويل القبلة إلى الكعبة وقيل يعرفون محمداً وقيل يعود
إلى العلم، من قوله من بعد ما جاءك من العلم وهو نعته وأما قوله تعالى بما
عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين قال أبو علي الهاء تعود إلى ما
عقدتم بدلالة أن الأسماء المتقدمة اللغو، والأيمان، وما عقدتم ولا يجوز أن
يعود إلى اللغو؛ لأن اللغو لا شيء فيه، بلا خلاف قال ولا يعود إلى الأيمان
إذ لم يقل فكفارتها والمعقود عليه ما كان موقوفاً على الحنث والبر، وما عدا
ذلك لم يدخل تحت النص وعندي أنه يعود إلى الأيمان، كقوله نسقيكم مما في
بطونه
ومن ذلك قوله ألا إنها قربة لهم ولم يقل ألا إنهما قربة ولا
يجوز أن يعود إلى الصلوات، لأن المفعول الثاني من يتخذ هو الأول، والنفقة
قربة، وليست بدعاء الرسول، والضمير في إنها للنفقة التي عليها ما ينفق، فلا
يكون قوله وصلوات الرسول عطفاً على قربات ولكن يكون عطفاً على لفظة الله
وقيل يكون عطفاً على لفظة ما، أي يتخذ ما ينفق قربات، ويتخذ صلوات الرسول
قربات وأما قوله فانهار به في نار جهنم، فاعل انهار الجرف فكأنه فانهار
الجرف بالبنيان في النار؛ لأن البنيان مذكر، بدلالة لا يزال بنيانهم الذي
بنوا ويجوز أن يكو الفاعل ضمير من وسقوط البنيان زيادة في غضب الباني؛
كالصنم زيادة في عقاب عابده وإنما قوله ولذلك خلقهم قيل اللام للعاقبة، أي
إلى الاختلاف صار خلقهم؛ لأنهم خلقوا للعبادة وقيل هو مردود إلى قوله
وأهلها مصلحون، أي خلقهم لئلا يهلكهم وأهلها مصلحون وقيل للرحمة خلقهم وقيل
للشقاوة والسعادة خلقهم عن ابن عباس وقيل للاختلاف خلقهم عن مجاهد ومن ذلك
قوله ولا يحيطون به علماً قال أبو علي الهاء ضمير المصدر الذي دل عليه
قوله يعلم ما بين أيديهم، أي ولا يحيطون علماً بعلمه ومما يبين ذلك قوله
إني أعلم ما لا تعلمون ومن ذلك قوله هو أهون عليه، أي الإعادة أهون على
الخالق، وجاز لأن الفعل يدل على مصدره، أي الإعادة أهون على الخالق من
الابتداء في زعمكم ومن ذلك قوله تعالى وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون أي
ما كان الله معذب المشركين وهم أي المسلمون يستغفرون بين أظهرهم
الرابع
والعشرون ما جاء في التنزيل، وقد أبدل الاسم من المضمر الذي قبله والمظهر،
على سبيل إعادة العامل، أو تبدل إن وأن مما قبلهفمن ذلك قوله تعالى
ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل أي ما أمر الله بوصله، فأن بدل من الهاء
المجرورة، نظيره في الرعد في الموضعين ودلت هذه الآي الثلاث، على أن المبدل
منه ليس في تقدير الإسقاط؛ لأنك لو قدرت ذلك كانت الصلة منجردة عن العائد
إلى الأول ومن إبدال المظهر من المضمر ما ذهب إليه الأخفش في قوله فإن عثر
على أنهما استحقا إثماً فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم
الأوليان التقدير فيقوم الأوليان وقد عز إبدال المظهر من المضمر عندهم؛ وقل
وجوده، حتى بلغ من أمرهم أنهم أخرجوه من بيت الفرزدق
على حالة لو أن في القوم حاتماً ... على جوده لضن بالماء حاتم
فقالوا
حاتم مجرور، بدل من الهاء في جوده وفار فائر أحدهم، فقال إنما الرواية ما
ضن بالماء حاتم برفع حاتم واستجاز الإقواء في القصيدة، حتى لا يكون صائراً
إلى إبدال المظهر من المضمر، وقد أريتك هذا في هذه الآي،وأزيدك وضوحاً حين
أفسر لك قوله أنزل علينا مائدة من السماء تكون عيداً لأولنا وآخرنا ألا ترى
أنه قال لأولنا وآخرنا فأبدل من النون والألف بإعادة اللام كما قال للذين
استضعفوا لمن آمن منهم فكرر اللام، لأن العامل مكرر في البدل تقديراً أو
لفظاً ولهذا المعنى قال أبو علي في قوله ما جئتم به السحر في قراءة أبي
عمرو، فألحق حرف الاستفهام، كان السحر بدلاً من المبتدأ، ولزم أن يلحق
السحر الاستفهام ليساوي المبدل منه في أنه استفهام ألا ترى أنه ليس في قولك
السحر استفهام، ليساوي المبدل منه في أنه استفهام ألا ترى أنه ليس في قولك
السحر استفهام، وعلى هذا قالوا كم ملك أعشرون أم ثلاثون؟ فجعلت العشرون
والثلاثون بدلاً من كم وألحقت أم لأنك في قولك كم درهماً مالك أعشرون أم
ثلاثون؟ مدع أنه أحد الشيئين ولا يلزم أن تضمر للسحر خبراً على هذا لأنك
إذا أبدلت من المبتدأ صار في موضعه، وصار ما كان خبراً لما أبدلت منه في
موضع خبر البدل فأما قول أبي حيوة النميري
وكأنها ذو جدتين كأنه ... ما حاجبيه معين بسواد
لهق السراة كأنه في قهره ... مخطوطة يقق من الإسناد
فإنه
أبدل الحاجبين من الضمير، على حد قولك ضربت زيداً رأسه فإن قلت أبدل من
الأول، وقدر الخبر عن الأول؛ فلأن المبدل منه قد لا يكون في نية الإسقاط
بدلالة إجازتهم الذي مررت به زيد أبو عبد الله ولو كان البدل في تقدير
الإسقاط بدلالة ما لا يعتد به، لم يجز هذا الكلام، فهو قول
فإن قلت حمل الكلام على المعنى، فلما كان حاجباه بعضه، حمل الكلام عليه، كأنه قال كأن بعضه معين بسواد، فأفرد لذلك، فهو قول وأما قوله تعالى عم يتساءلون عن النبأ العظيم عن الثانية يتعلق بفعل محذوف؛ أي يتساءلون عن النبأ العظيم؛ ولا تكون متعلقة بيتساءلون هذه الظاهرة؛ لأنه لو يكون بدلاً للزم إعادة الاستفهام كقولك كم مالك أثلاثون أم أربعون؟ وحسن حذف الفعل لظهور الآخر وفي رفع الأوليان وجه آخر سوى البدل، يكون من باب تميمي أنا؛ مبتدأ، وآخران خبره والتقدير فالأوليان بأمر الميت آخران من أهله، وأهل دينه يقومان مقام الخائنين اللذين عثر على خيانتهما، كقولهم تميمي أنا ويجوز أن يكون خبر المبتدأ محذوف، أي فآخران يقومان مقامهما الأوليان ويجوز أن يكون رفعاً باستحق ويجوز أن يكون خبر آخران، لأنه قد اختص بالوصف ويجوز أن يكون صفة بعد صفة؛ ويكون الخبر فيقسمان وجاز دخول الفاء؛ لأن المبتدأ نكرة موصوفة ومن البدل قوله قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله فأن جر بدل من كلمة وقيل بل أن رفع بالظرف، ويكون الوقف على سواء أي إلى كلمة سواء، ثم قال بيننا وبينكم أن لا نعبد ولا يجوز أن يكون الظرف وصفاً لكلمة، لأنه لا ذكر فيه من كلمة وقيل بل الوقف بينكم ثم ابتدأ وقال أن لا نعبد إلا الله أي هي أن لا تعبدوا إلا الله، فأضمر المبتدأ ومن ذلك قوله تعالى ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أن لا خوف عليهم أن جر بدل من الذين، أي ويستبشرون بأن لا خوف على الذين لم يلحقوا من خلفهم ومن ذلك قوله تعالى ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم فيمن قرأ بالتاء يكون أن مع اسمه وخبره بدلاً من الذين كفروا وقال الفراء هو كقوله فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة، أن نصب بدل من الساعة كما أن قوله لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم جر بدل من الذين وكما أن قوله أن تولوهم بعدها جر من الذين في قوله إنما ينهاكم الله عن الذين ومن ذلك قوله تعالى كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم، فيمن فتح، أن يكون بدلاً من الرحمة، كأنه كتب ربكم على نفسه أنه من عمل منكم الرحمة، لأنه من عمل منكم وأما فتحها بعد الفاء فأنه غفور رحيم، فعلى أنه أضمر له خبراً، تقديره فله أنه غفور رحيم، أي فله غفرانه وأضمر مبتدأ يكون أن خبره؛ كأنه فأمره أنه غفور رحيم وعلى هذا التقدير يكون الفتح فيمن فتح ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم تقديره فله أن له نار جهنم إلا أن إضماره هنا أحسن؛ لأن ذكره قد جرى في صلة أن وإن شئت فأمره أن له نار جهنم، فيكون خبر هذا المبتدأ المضمر ومثل البدل في هذا قوله وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم المعنى وإذ يعدكم الله كون إحدى الطائفتين مثل قوله وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ومثله قوله واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه، أي فله أن لله؛ أو فأمره أن لله ومثله قوله كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله، أي فأمره أنه يضله ومن ذهب في هذه الآي إلى أن التي بعد الفاء تكرير، أو بدل من الأولى، لم يستقم قوله وذلك أن من لا يخلو من أن تكون للجزاء الجازم الذي اللفظ عليه، أو تكون موصولة، فلا يجوز أن يقدر التكرير مع الموصولة؛ لأنه لو كانت موصولة لبقي المبتدأ بلا خبر
ولا يجوز ذلك في الجزاء الجازم؛ لأن
الشرط يبقى بلا جزاء فإذا لم يجز ذلك ثبت أنه على ما ذكرنا على أن ثبات
الفاء في قوله فأن له يمنع من أن يكون بدلاً ألا ترى أنه لا يكون بين البدل
والمبدل منه الفاء العاطفة، ولا التي للجزاء فإن قلت إنها زائدة يبقى
الشرط بلا جزاء؛ فلا يجوز إذن تقدير هاهنا، وإن جاءت في غير هذا الموضع
وأما قوله تعالى ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم فإن
جواب الشرط محذوف على ما تقدم ومن جعل أن بعد الفاء بدلاً مما قبله، وجب أن
يقدر زيادة الفاء وأما قوله أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً
أنكم مخرجون فالتقدير أيعدكم أن إخراجكم إذا متم فيكون المضاف محذوفاً،
ويكون ظرف الزمان خبراً، ويكون أنكم مخرجون بدلاً من الأولى ويجوز أن يكون
خبر أن الأولى محذوفاً، لدلالة خبر الثانية عليه،والتقدير أيعدكم أنكم إذا
متم وكنتم تراباً وعظاماً تبعثون فحذف الخبر لدلالة الثاني عليه وأما قوله
فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى - فيمن قرأ بالتاء - كان
في يخيل ضمير العصي أو الحبال، ويكون أنها بدلاً من ذلك الضمير ، أي تخيل
إليه سعيها ومن ذلك قوله تعال فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب
أن رفع بدل من الجن، والتقدير فلما خر تبين للإنس جهل الجن بالغيب أي لما
خر تبين أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين وأما قوله
كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله فقوله أنه من تولاه رفع بكتب ومن شرط،
وتولاه في موضع الجزم بمن، وقوله فأنه يضله جواب الشرط وإن شئت كان من
موصولة وتولى صلته، وقوله فأنه دخلت الفاء في خبر من لأن الموصولة بمنزلة
الشرط وفتحت أن من قوله فأنه لأن التقدير فشأنه أنه يضله، فحذف المبتدأ
وقول من قال فأنه يضله بدل من أنه من تولاه كان خطأ لأن الفاء لا تدخل بين
البدل والمبدل منه وكذا قول من قال هو تكرير للأول لا تدخل الفاء بين
الاسمين وأما قوله آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا فقد قال أبو
إسحاق إن أن الأولى نصب، اسم حسب وخبره، وموضع أن الثانية نصب من وجهين
أحدهما أن تكون منصوبة بيتركوا، فيكون المعنى أحسب الناس أن يتركوا لأن
يقولوا، وبأن ، فلما حذف الجرروصل يتركوا إلى أن فنصب ويجوز أن تكون أن
الثانية العامل فيها حسب، كأن المعنى على هذا، والله أعلم أحسب الناس أن
يقولوا آمنا وهم لا يؤمنون، والأول أجود قال أبو علي لا يكون بدلاً، لأنه
ليس هو الأول، ولا بعضه، ولا مشتملاً عليه، ولا يستقيم حمله على وجه الغلط
ولا يكون صفة، لأن أن لا يوصف بها شيء في موضع ولم يوصف هو، فإذا كان تعلقه
بالحسبان لا يصح ثبت تعلقه بالترك فأما قوله تعالى ألم يروا كم أهلكنا
قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون وزعم سيبويه أن قولهم أنهم إليهم لا
يرجعون بدل من موضع كم أهلكنا فإن قال قائل عن كم إنما هي استفهام، فكيف
يبدل منها ما ليس باستفهام؟ فإنما ذلك لأن معنى كم هاهنا الخبر، والمعنى
يؤول إلى قوله ألم يروا أنهم إليهم لا يرجعون ولا يجوز أن يكون بدلاً من كم
وحدها، لأن محل كم نصب بأهلكنا وليس المعنى أهلكنا أنهم لا يرجعون، لأن
معنى أنهم لا يرجعون الاستئصال، ولا يصح أهلكنا بالاستئصال وإنما المعنى
ألم يروا استئصالهم، فهو بدل من موضع كم أهلكنا ومن ذلك قوله تعالى ولولا
رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم موضع أن رفع، لأنه بدل من
رجال والمعنى لولا أن تطؤوا رجالاً؛ ولا تعلق له بقوله لم تعلموهم، لأن أن
الناصبة للفعل لا تقع بعد العلم؛ وإنما تقع بعد العلم المشددة، أو المخففة
من الثقيلة كقوله علم أن سيكون منكم مرضى وقوله ليعلم أن قد أبلغوا وكقوله
ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله وكقوله أفلا يرون ألا يرجع إليهم
وكقوله وحسبوا ألا تكون فتنة، فيمن رفع ومن البدل قوله تعالى، في قراءة
الكسائي أن الدين عند الله الإسلام، هو بدل من أنه لا إله إلا هو، أي شهد
الله أن الدين عند الله الإسلام وجوز الكسائي أن يكون على حذف الواو، أي
وأن الدين، فهو محمول على أنه لا إله إلا هو ومن البدل قوله تعالى كلما
أرادوا أن يخرجوا منها من غم، من غم بدل من منها، والغم مصدر غممته، أي
غطيته ومنه قوله
أتحقر الغم والغرقا
وهذا معنى قوله ومن فوقهم غواش أي قد عمهم العذاب وغمرهم ومن ذلك قوله تعالى فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء، فيمن فتح أنا أبدله من المجرور قبله ومن ذلك قوله تعالى ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، ذلك الثانية بدل من ذلك الأولى ولا يكون بما عصوا بدلاً من قوله بأنهم كانوا لأن العصيان أعم من الكفر، لقوله فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم وأخذهم الربا، ولا تقول مررت برجل فكيف امرأة وقال الله تعالى واجنبني وبني أن نعبد الأصنام فأن بدل من الياء والمعطوف عليه وقد قال سيبويه مررت بي المسكين، لا يجوز، وجاز هذا؛ لأنه بدل اشتمال، هكذا زعم شارحكم، وليس بمستقيم والتقدير واجنبني وبني من أن نعبد الأصنام، أي من عبادة الأصنام، فأن مفعول تعدى إليه الفعل بالجار وقال الذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها، فأن يعبدوها بدل من الطاغوت ومن ذلك قوله تعالى فاقطعوا أيديهما جزاء بما نكالاً من الله،نكالاً بدل من الجزاء ولا يجوز أن يكون غير بدل؛ لأن الفعل الواحد لا يعمل في اسمين كل واحد منهما مفعول له ومن ذلك قوله وأولئك هم الكاذبون من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره قال أبو علي لا يكون من أكره استثناء من قوله من كفر لأنه مفرد، فإذن من بدل وتقديره أولئك من كفر إلا من أكره ومن ذلك قوله تعالى جنات عدن التي وعد بدل من يدخلون الجنة وإن شئت كان نصباً على المدح ومن ذلك قوله الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله أي لكن أخرجوا بهذا القول والمعنى أخرجوا من ديارهم بغير حق يجب على الكفار إخراجهم به وليس ببدل من حق، لفساد المعنى، إذ لا يوضع موضع حق ومن ذلك قوله تعالى طوافون عليكم بعضكم على بعض أي أنتم طوافون، وبعضكم بدل من الضمير في طوافون أي أنتم يطوف بعضكم على بعض، وعلى يتعلق بالطواف وحمله الطبري على من أي بعضكم من بعض وقد تقدم هذا بأتم من هذا وأما قوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان، لا يكون اللام في لمن بدلاً من اللام في لكم ألا ترى أنه لم يجز بك المسكين، كأن الأمر بي المسكين، لكن يكون صفة للأسوة ويجوز أن يكون متعلقاً بحسنة، أي حسنت لهم؛ كقولك حسنت بهم ومثله الذين خسروا أنفسهم بعد قوله ليجمعنكم لا يكون البدل من الذين وجوز الأخفش كونه بدلاً؛ وليس بالصحيح وأما قوله تعالى ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً فقوله لبيوتهم بدل من قوله لمن يكفر وكرر اللام كما تقدم الآي الأخر وأما قوله قال يأيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم إلى قوله ألا تعلوا علي فقد زعموا أن قوله ألا تعلوا بدل من قوله كتاب والتقدير إني ألقي إلي أن لا تعلوا علي واضطرب كلام أبي إسحاق في هذا؛ فزعم أن التقدير إني ألقي إلي كتاب بأن لا تعلوا علي، أي كتب إلي بأن لا تعلوا علي وهذا الكلام منه محتمل إن عني أن أقول أن لا تعلوا علي متعلق بنفس قوله كتاب فهو خطأ؛ لأن كتاباً مصدر، وقد وصف بقوله كريم فلا يبقى من صلته شيء بعد كونه موصوفاً وإن أراد أن كتاباً دل على كتب، وأن لا تعلوا علي متعلق بكتب الذي دل عليه كتاب فهو وجه وسها الفارسي عن هذا الكلام في الإغفال وأما قوله تعالى فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم فيمن فتح، فإنه يجوز أن يكون موضع أنا رفعاً بدلاً من اسم كان، والتقدير انظر كيف كان تدميرنا إياهم ويجوز أن يكون على تقدير فهو أنا دمرناهم ويجوز أن يكون على تقدير لأنا دمرناهم ولا يجوز أن يكون بدلاً من كيف لأنه لا حرف استفهام معه ويجوز أن يكون كيف ظرفاً لكان، ويكون عاقبة اسم كان وأنا دمرناهم خبره وقد ذكرنا هذا في البيان وأما قوله ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوءى أن كذبوا، فيجوز أن يكون على تقدير هي أن كذبوا؛وعلى تقدير لأن كذبوا ويجوز أن يكون بدلاً من السوءى سواء جعلت السوءى اسم كان أو خبره، على حسب اختلافهم في عاقبة الذين فأما قوله تعالى فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب إن الله، بالكسر والفتح فالفتح على إيقاع النداء عليه؛ أي نادته بأن الله؛ والكسر على قال إن الله قال وفي حرف عبد الله فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب يا زكريا إن الله
فهذا
يوجب الكسر لقوله نودي من شاطئ الوادي الأيمن إلى قوله يا موسى إني أنا
الله فكسر؛ لأن ما بعد النداء مبتدأ وقال في قوله نودي يا موسى أي إني أنا
ربك فالكسر على قياس قراءة عبد الله، الوجه قال ولا يكون يا موسى قائماً
مقام الفاعل، ولا إني أنا ربك؛ لأنهما جملتان، والجملة لا تكون فاعلة وهذا
منه خلاف قول سيبويه حين جوز في ليسجننه أنه فاعل بدا، وقد بينته في التتمة
فلا يحتاج إلى إضمار المصدر في نودي كما لا يضمر سيبويه بدا في قوله
ليسجننه بعد قوله ثم بدا وأما قوله أنا اخترناك بالفتح والتشديد، عن الزيات
والأعمش، وهما يقرآن إني أنا ربك بالكسر؛ فقد سهوا بأسرهم وعندي أنه محمول
على المعنى؛ لأنه لما كان قال فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوىً، وكان
معناه افعل ذلك لأنك بالوادي المقدس، جاز أن يقول وأنا اخترناك، أي اخلع
نعليك لهذا وهذا وأين هم من هذا؟ لم يتأملوا في أول الكلام، ولم ينظروا في
قراءة الزيات، والله أعلم
الخامس والعشرون ما جاء في التنزيل من
همزة ساكنة يترك همزها أبو عمرو وما لا يترك همزهاواعلم أن أبا عمرو يترك
الهمزة الساكنة في الأسماء والأفعال نحو الكاس، والفاس، ويومرون وياكلون
ويومنون ويوفكون ويالمون كما تالمون، وما أشبه ذلك، في أربعين موضعاً، فيها
ثلاث وثلاثون لا خلاف عن أبي عمرو في همزها، وهو ما يكون للجزم والوقف، أو
يخرج بتركه من لغة إلى لغة، أو من معنى إلى معنى، أو يكون بترك الهمزة
أثقل من الهمزة فأولها في البقرة أنبئهم وفيها أو ننساها وفي آل عمران
تسؤهم وفي النساء إن يشأ يذهبكم وفي الأعراف أرجئه وفي التوبة تسؤهم وفي
يوسف نبئنا وفي إبراهيم إن يشأ يذهبكم وفي الحجر نبئ عبادي وفيها ونبئهم
وفي بني إسرائيل اقرأ كتابك وفيها إن يشأ يرحمكم وفيها إن يشأ يعذبكم وفي
الكهف وهيء ويهيء وفي مريم ورئياً وفي الشعراء إن نشأ ننزل وفيها أرجئه وفي
الأحزاب و تؤوي إليك وفي سبأ إن نشأ نخسف بهم الأرض وفي فاطر إن يشأ
يذهبكم وفي يس وإن نشأ نغرقهم وفي حم عسق إن يشأ يسكن الريح وفي النجم أم
لم ينبأ وفي القمر نبئهم وفي المعارج تؤويه وفي البلد مؤصدة وفي العلق اقرأ
باسم ربك واقرأ وربك وفي الهمزة مؤصدة وأما السبعة الباقية فهي ستة أسماء
وفعل فالأسماء البأس والكأس، والرأس، والضأن، والذئب،والبئر والفعل يألتكم
السادس
والعشرون ما جاء في التنزيل من العطف على الضمير المرفوع، وقد أكد بعض ذلك
وبعضه لم يؤكدفمن ذلك قوله اسكن أنت وزوجك الجنة، عطف وزوجك على الضمير في
اسكن بعد ما أكد بقوله أنت وقال فاذهب أنت وربك فأكد وقال سميتموها أنتم
وآباؤكم ومما أكد من ذلك من غير تأكيد بأنت ولكن بشيء آخر قوله فأجمعوا
أمركم وشركاؤكم فيمن رفع، أكد بالمفعول دون أنتم و المفعول يقوم مقام أنتم،
ثم عطف على قوله وشركاؤكم ومن ذلك فاستقم كما أمرت ومن تاب معك معطوفاً
على الضمير في استقم، وقام قوله كما أمرت مقام التأكيد، ويجوز أن يكون من
في موضع النصب مفعولاً معه ومن ذلك قوله جنات عدن يدخلونها ومن صلح، يجوز
في من الرفع والنصب، على ما تقدم وقد قلنا في حذف المضاف مذهب أبي علي في
من أن التقدير ودخول من صلح من آبائهم وأزواجهم فأما قوله تعالى ذو مرة
فاستوى وهو بالأفق الأعلى فقد قال أبو علي في التذكرة قوله هو مرتفع
بالابتداء، وليس بمحمول على الضمير الذي في استوى فإن قلت فإن استوى يقتضي
فاعلين، ألا ترى أنك تقول استوى زيد وعمرو، فإن هذا المفعول يكون على ضربين
الأول ما ذكرنا والثاني أن تقتصر به على فاعل واحد كقوله على العرش استوى
وإذا احتمل ذا لم يكن لمن زعم أن الضمير المرفوع يعطف عليه من غير أن يؤكد
دلالة في هذه الآية؛ لاحتمالها غير ما ذكر، وهو ما حملناه عليه وهذا القائل
هو الفراء؛ لأنه قال المعنى استوى النبي وجبريل عليهما السلام بالأفق
الأعلى ليلة المعراج، حين أسري به صلى الله عليه وآله ومنه قوله تعالى إذا
كنا تراباً وآباؤنا، عطف آباؤنا على الضمير في كنا لمكان قوله تراباً
وأما
قوله وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين فيمن رفع العين
وجوز فيه أبو علي أن يكون العين مرفوعاً على الابتداء والجار خبر، وجوز أن
يكون محمولاً على موضع أن، وجوز أن يكون رفعاً عطفاً على الضمير الذي في
الظرف، وإن لم يؤكد كما جاء ما أشركنا ولا آباؤنا فعطف آباؤنا على الضمير
الذي في أشركنا، كما قال ولم يؤكده؛ فكذا هاهنا فإن قلت إن لا يقوم مقام
التأكيد، فقد قال في الجواب إنما يقوم لا مقام التأكيد إن كانت قبل الواو؛
فأما إذا جاءت بعد الواو، لم تقم مقام التأكيد، ألا ترى أن التأكيد في الآي
التي تلونا قبل الواو، نحو اسكن أنت وزوجك، وقوله فاستقم كما أمرت وهذا من
أبي علي استدراك على البصريين قاطبة؛ لا سيما وسيبويه قال في الآية الأولى
إن قوله ولا آباؤنا بمنزلة قمت أنت وزيد؛ فلا يرى العطف على المضمر إلا
بعد التأكيد؛ والتأكيد بأنت، وأنا، أو ما يقوم مقامهما من المفعول وغيره
ولم يروا التأكيد بقولهم نفس فلم يجيزوا قمت نفسك وزيد، كما أجازوا قمت أنت
وزيد، وقمتم أجمعون وزيد قالوا لأن النفس اسم متصرف، تدخلها العوامل بخلاف
أنت، وأجمعين وقد يقع في التأكيد بها ليس في بعض كلامهم؛ كقولهم هند خرجت
نفسها؛ فيكون كقولك خرجت هي نفسها فيكون تأكيداً لهي ويقال هند خرجت نفسها؛
فتكون الفاعلة، كما تقول خرجت جاريتها، والمعنيان مختلفان؛ فلم يجر مجرى
أجمعين ومن هنا قال أبو علي لو قلت جاءوني أنفسهم؛ لم يحسن حتى تؤكد،
فتقولجاءوني هم أنفسهم؛ لمل ذكرنا فلم يحسن لذلك أن تحمله على الضمير حتى
تؤكد؛ يعني حتى تقول قمت أنت نفسك وزيد ولو قلت مررت بك نفسك؛ جاز تأكيد
الكاف بالنفس؛ لأنك كأنك قلت مررت بنفسك ولم تذكر المؤكد بخلاف العطف؛ إذ
لا يجوز مررت بك وزيد وإن قلت جاءوني أنفسهم، لا يجوز؛ لأن المضمر المتصل
في غاية الضعف، والمؤكد متبوع، فيكون أقوى من التأكيد، وهنا النفس أقوى من
المضمر؛ فلا يكون تابعاً له؛ فإذا انفصل المضمر جاز أن تكون النفس تابعاً
له؛ بمنزلة الأسماء الأجنبية، أو بقيت بعدها بمنزلة أخرى، بخلاف المتصل؛ إذ
ليس بعدها منزلة أخرى وقد ذكر سيبويه امتناع تأكيد المضمر بالنفس في ثلاثة
مواضع في حد أسماء الأفعال وفي حد الأحرف الخمسة وفي حد علامات المضمرين
ومن ذلك قوله تعالى أسلمت وجهي لله ومن اتبعن، فمن رفع عطف على التاء ومنه
إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة رفع عطف على
الضمير في تقوم ومن ذلك قوله لا أملك إلا نفسي وأخي، أخي عطف على الضمير في
لا أملك وإن شئت كان مبتدأ، والتقدير وأخي كذلك؛ فحذف الخبر؛ ولا يكون
جراً بالعطف على الياء؛ لأنه مضمر مجرور
السابع والعشرون ما جاء في
التنزيل، لحقت إن التي للشرط ما ولحقت النون فعل الشرطفمن ذلك قوله تعالى
فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي وقال فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون
أو نرينك وقال فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك وقال وإما نرينك بعض
الذي نعدهم أو نتوفينك في السورتين قال أبو إسحاق إعراب إما في هذا الموضع
إعراب حرف الشرط والجزاء؛ لأن الجزاء إذا جاء في الفعل، معه النون الثقيلة
والخفيفة، لزمه ما، وفتح ما قبل النون في يأتينكم لسكون الياء وسكون النون
الأولى قال أبو علي ليس الشرط والجزاء من مواضع النونين؛ إنما يدخلان على
الأمر والنهي، وما أشبههما من غير الواجب وفي قوله لأن الجزاء إذا جاء في
الفعل معه النون الثقيلة والخفيفة ما يوهم أنه من مواضعهما في الكلام في
الكلام، وأن دخولها مساغاً فيه؛ وإنما يلحق الشرط في ضرورة الشعر، كقوله
من يثقفن منهم فليس بآيب ... أبداً وقتل بني قتيبة شافي
وكذلك الجزاء كقوله
ومهما تشأ منه فزارة يمنعا
وهذا كقوله
يحسبه الجاهل ما لم يعلما
وإن
في الجزاء أمثل؛ لأنه بغير الواجب أشبه، ألا ترى أنه خبر غير مبت كسائر
الأخبار وفي هذا الكلام شيء آخر وهو أن قوله الجزاء إذا جاء في الفعل معه
النون الخفيفة والثقيلة؛ لزمه ما يوهم أن ما لزمت لدخول النون؛ وأن لحاق
النون سبب لحاق ما؛ والأمر بعكس ذلك وخلافه؛ لأن السبب الذي له دخلت النون
الشرط في قوله فإما يأتينكم مني هدى، فإما ترين من البشر أحداً، وإما تعرضن
عنهم، ونحو ذلك عند النحويين، إنما هو لحاق ما أول الفعل بعد إن، فلذلك
صار موضعاً للتنوين بعد أن لم يكن لهما موضع وإنما كان كذلك عند سيبويه
وأصحابه، لمشابهة فعل الشرط بلحاق ما به بعد إن دون أخواتها الفعل المقسم
عليه، ولمشابهة كل واحد منهما صاحبه في معنى التوكيد بهما، فسبب لحاق النون
دخول ما، على ما يذهب إليه النحويون، وكان لزوم النون فعل الشرط الوجه
لدخول الحرف قبله، إذا كان في خبر غير مبت فإن قيل لم لزمت النون فعل الشرط
مع إن إذا لحقتها ما دون سائر أخواتها؟ وهلا لزمت سائر أفعال الشرط؛ إذا
دخلت على حرف المجازاة ما كما لزمته مع إن، إذ ما ذكروه من الشبه ليفعلن
موجود في سائر الحروف، وقد جاء أينما تكونوا يدرككم الموت، وأينما تكونوا
يأت بكم الله، وأيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى، وكل ذلك لا نون فيه؟
الجواب في ذلك أن النون لم تلحق الشرط مع سائر حروف الجزاء، كما لحقت مع إن
لاختلاف موضعي ما المؤكدة؟ وذلك أنه قد استقبح أن يؤكد الحرف ولا يؤكد
الفعل، وله من الرتبة والمزية على الحرف ما للاسم على الفعل؛ فلما أكد
الحرف، والفعل أشد تمكناً منه، قبح ترك تأكيده مع تأكيد الحرف، وليس سائر
حروف الجزاء مثل إن في هذا الموضع؛ لأنها أسماء، وهي حروف، فلا تنكر أن
تؤكد هي دون شروطها ألا ترى أن للاسم من القدمة على الفعل ما للفعل على
الحرف؛ فيقبح لذلك ترك توكيد الفعل مع الاسم، كما قبح ترك توكيده مع الحرف
فإن قلت فما الذي يدل على أن التوكيد لاحق للحرف؟ وما ننكر أن يكون لحاقه
للفعل دون الجزاء، فيكون الفعل مؤكداً من أوله إلى آخره مثل ليفعلن؟ فالذي
يدل على لحاقه حرف الجزاء دون الشرط أن الوقف عليه؛ وأن أحداً لم يقف على
إن وحدها في نحو وإما تخافن من قوم خيانة فيستأنفوا ما مع الفعل؛ كما
استأنفوا بلا مع الفعل، كقوله لا أقسم بيوم القيامة ويدل أيضاً على لحاقها
للحرف دون الفعل أنها قد لحقت الحروف أيضاً في نحو
ألا لتما هذا الحمام لنا
وفي
الإدغام أيضاً تقوية؛ لأن الكلمة لو نوي بها الانفصال جاز فيها الإظهار
كما جاز في من ما وما أشبهه وكل هذا يدل على أن التأكيد لاحق للحرف، وإذا
أكد الحرف الذي لا يستقل إلا بالفعل بعد إن لا يؤكد الفعل؛ فافترق فعل شرط
إن وفعل شرط سائر الحروف في لزوم النون لها مع ما لاقترانهما فيما ذكرنا
فهذا الذي ذكرناه يصلح أن يحتج به من زعم أن النون لازمة للشرط إذا لحقت ما
إن الجزاء وقد قال أبو العباس، وخالفه في ذلك سيبويه، فقال إن ما إذا لحقت
إن الجزاء تبعه الفعل منوناً بإحدى النونين، وغير منون بهما، كما أن سائر
الحروف كذلك وإذا لم يلزم النون مع إن كما لم يلزم في الحروف الأخر نحو
أينما تكونوا لم يلزم على قوله الفصل بينهما؛ كما لزم في قول من زعم أن
النون لازمة وقد استقصينا الخلاف في هذا، والله أعلم
الثامن
والعشرون ما جاء في التنزيل عقيب اسمين كني عن أحدهما اكتفاء بذكره عن
صاحبهوقد ذكر ذلك سيبويه في الكتاب، واحتج بأبيات، وربما أسوقها لك بعد
البداية بآي التنزيل فمن ذلك قوله تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها
لكبيرة، ولم يقل وإنهما اكتفاء بذكر الصلاة عن ذكر الصبر، وقد ذكرنا أنهم
قالوا إن الهاء للاستعانة ومن ذلك قوله وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة
وله أخ أو أخت وقال ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً، فهذا على
القياس المستمر، لأن التقدير وإن كان أحد هذين؛ ومن يكسب أحد هذين، لأن أو
لأحد الشيئين ولو صرح بهذا لصح وجاد له وبه فكذلك إذا قال بلفظة أو ما
فأما
قوله إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما وقوله أفيضوا علينا من الماء
أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين فهذا على قياس
الآيتين المتقدمتين، حقهما فالله أولى به، وحرمه؛ ولكنه جاء على قولهم جالس
الحسن وابن سيرين؛ على معنى أنه يجوز له مجالستهما ومثل هذا قد جاء في
الشعر، أنشدوا لرجل من هذيل
وكان سيان ألا يسرحوا نعماً ... أو يسرحوه بها واغبرت السوح
وأنت
تقول سيان زيد وعمرو، ولكنه قال أو يسرحوه، على ما ذكرنا ومن ذلك قوله
والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها ولم يقل ينفقونهما وقال والنخل و
الزرع مختلفاً أكله، ولم يقل أكلهما وقال والله ورسوله أحق أن يرضوه،
والتقدير واله أحق أن يرضوه، ورسوله أحق أن يرضوه وقال فإذا حبالهم وعصيهم
يخيل إليه فيمن قرأ بالتاء، ولم يقل يخيلان وقال وإذا رأوا تجارة أو لهواً
انفضوا إليها ولم يقل إليهما وأنشد للأنصاري
نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأي مختلف
ولم يقل بما عندنا راضون؛ اكتفاء بالثاني عن الأول وقال
رماني بأمر كنت منه ووالدي ... بريئاً ومن أجل الطوى رماني
وقال
وكان وأنت غير غدور
فأحفظها
التاسع والعشرون ما جاء في التنزيل صار الفصل فيه عوضاً عن نقصان لحق الكلمة
وذلك
إنما يجئ في أكثر الأحوال في باب المؤنث، فيقولون قامت هند، فإذا فصلوا
بينهما قالوا قام اليوم هند فمن ذلك قراءة أكثرهم ولا يقبل منها شفاعة،
قالوا إن التذكير أحسن لمكان الفصل، وقد قرئ أيضاً بالتاء، ولم يعتد بالفصل
كما قال وتغشى وجوههم النار وقال وأخذت الذين ظلموا الصيحة وقال فأخذتهم
الرجفة وقال ولم تكن له فئة ينصرونه فيمن قرأ بالتاء وقال وتكون لكما
الكبرياء فيمن قرا بالتاء؛ وهم الأئمة السبعة، إلا حماداً رواه عن عاصم
بالياء وقال فأخذتهم الرجفة وقال أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب
يعقلون بها وقال أو لك تأتهم بينة ما في الصحف الأولى وقال لا تحل لك
النساء فيمن قرأ بالتاء هذه الآي ونحوها لم يعتد فيها بالفصل، كما اعتد به
في قوله وأخذ الذين ظلموا الصيحة في هود وقوله يا أيها النبي إذا جاءك
المؤمنات يبايعنك في آي كثيرة اعتد فيها بالفصل ومما اعتد فيه بالفصل قوله
تعالى ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون، لم تدخل النون هنا؛ لأنها إنما
تدخل فتفصل هذه من لام الابتداء قال أبو علي في قوله ص والقرآن ذي الذكر،
وهو يبطل قول الفراء إن قوله كم أهلكنا جواب القسم، وإن التقدير لكم
أهلكنا؛ قال هذا لا يجوز؛ لأن اللام على هذا الحد داخلة على الفضلة ثم قال
فإن قال قائل ما ننكر أن تكون اللام التي دخلت على الأفعال مرادة في كم
محذوفة لطول الكلام؛ وإن دخولها في كم العامل فيه أهلكنا بمنزلة دخولها على
إلى المتعلقة بالفعل المنتصبة الموضع به في قوله لإلى الله تحشرون وكما
جاز دخولها على الجار المنتصب الموضع كذلك يجوز دخولها على كم المنتصبة
الموضع ثم قال الجواب عندي أن التقدير بهذه اللام في قوله لإلى الله تحشرون
ألا ترى أن القسم إنما وقع على أنهم يحشرون لا على الجار والمجرور،
والمقسم عليه بالفعل، وهو المؤكد باللام، والملقى المقسم به وإنما دخلت
اللام على الحرف الجار لتقدمه عليه، ولم تدخل إحدى النونين على الفعل
لوقوعه على الحرف، وجاز دخولها على الحرف في كلا الموضعين؛ إذ المراد به
التأخير، كما جاز دخول لام الابتداء في مثل إن زيداً لطعامك آكل؛ إذ المراد
به التأخير إلى الخبر فإذا كان التقدير ما ذكرنا لم يجز أن يكون كم أهلكنا
بمنزلة لإلى الله تحشرون في جواز دخول اللام عليها كدخولها في كم، إذا كان
دخولها في قوله لإلى الله تحشرون بمنزلة دخولها على الفعل، وعلى حسب ما
تكون عليه هذه اللام في سائر مواضعها ومتصرفاتها، فليس يسوغ تقدير دخولها
على الفعل في كم والفصل الذي وقع بين اللام وبين تحشرون صار عوضاً عن دخول
النون ومما يجري مجرى الفصل المفعول الواقع بين المعطوف و المعطوف عليه في
نحو قوله فاستقم كما أمرت، وقوله فأجمعوا أمركم وشركاءكم صار المفعول هنا
عوضاً عن إبراز الضمير في نحو قوله اذهب أنت وربك، وهكذا قال ما أشركنا ولا
آباؤنا
المتمم الثلاثين ما جاء في التنزيل وقد حمل فيه اللفظ على المعنى وحكم عليه بما يحكم على معناه لا على اللفظ
بأعين أعداء وهن صديق
وقوله
لا عفراء منك قريب
وأما قوله تعالى بل الإنسان على نفسه بصيرة، فإنه حمله على النفس لأن الإنسان والنفس واحد، وقيل بل التاء للمبالغة، وقيل بل التقدير عين بصيرة؛ فحذف الموصوف وقال مجاهد بل الإنسان على نفسه شاهد عينه وياه ورجلاه، فيكون الإنسان مبتدأ، والظرف فيما ارتفع به خبر، والهاء العائد من الجملة إلى المبتدأ، وهو المجرور بالإضافة، كما تقول زيد في داره عمرو وعكس الأول قول الحطيئة
ثلاثة أنفس وثلاثة ذود ... لقد جار الزمان على عيالي
حمل الأنفس على الأشخص؛ كأنه قال ثلاثة أشخص ومنه قوله تعالى فله عشر أمثالها أنث العشر لما كان الأمثال بمعنى الحسنات، حمل الكلام على المعنى ومن ذلك قوله ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم، ألم تر إلى الملأ، ألم تر إلى الذي حاج، ألم تر إلى ربك عدي ترى بإلى حملاً على النظر؛ كأنه قال ألم تنظر وإن شئت كان المعنى ألم ينته علمك إلى كذا؟ وعكس هذا قوله أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض ولم يقل إلى ملكوت، لأن المعنى أو لم يتفكروا في ملكوت السموات ومن الحمل على المعنى قوله أو كالذي مر على قرية بعد قوله إلى الذي حاج كأنه قال أرأيت كالذي حاج إبراهيم في ربه، أو كالذي مر على قرية؛ فجاء بالثاني على أن الأول كأنه قد سيق كذلك ومنه قوله تعالى وأنفقوا مما رزقناكم إلى قوله فأصدق و أكن، لأن معناه إن يؤخني أصدق وأكن، فحمل أكن على موضع فأصدق لأنه في موضع الجزم لما كان جواب لولا
ومن ذلك قوله تعالى ويهديهم إليه سراطاً مستقيماً الهاء في إليه يعود إلى ما تقدم ذكره، من اسم الله، والمعنى يهديهم إلى صراطه صراطاً مستقيماً كما قال وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله، وإن حملت صراطاً على أنه لما قال ويهديهم إليه دل هذا الكلام على انه قال يعرفهم، فنصب صراطاً على أنه مفعول لهذا الفعل المضمر، والأول أشبه ومن ذلك قوله ديناً قيماً، يحتمل ثلاثة أوجه أحدهما أنه لما قال إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم، استغنى بجري ذكر الفعل عن ذكره ثانياً، فقال ديناً قيماً، أي هداني ديناً قيماً، كما قال اهدنا الصراط المستقيم وإن شئت نصبته على اعرفوا، لأن هدايتهم إليه تعريف لهم، فحمله على اعرفوا وديناً قيماً إن شئت حملته على الإتباع؛ كأنه قال اتبعوا ديناً قيماً والتزموه، كما قال ابعوا ما أنزل إليكم من ربكم ومن ذلك قوله تعالى يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ
قال أبو علي وجه الجر في ولؤلؤ أنهم يحلون أساور من ذهب ومن لؤلؤ؛ أي منهما وهذا هو الوجه؛ لأنه نصب فقال يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً حمله على ويحلون لؤلؤاً، واللؤلؤ إذا انفرد من الذهب والفضة لم يكن حلية فإن قلت فقد قال الله تعالى وتستخرجون حلية تلبسونها فعلى أن يكون حلية إذا وضع في الذهب والفضة صار حلية، كما قال في العصير إني أراني أعصر خمراً لأنه قد يستحيل إليها بالشدة؛ كما يكون ذلك حلية على الوجه بخلافه ويحتمل النصب وجهاً آخر، وهو أن تحمله على موضع الجار والمجرور؛ لأن موضعهما نصب ألا ترى أن معنى يحلون فيها من أساور يحلون فيها أساور، فتحمله على الموضع وقيل في قوله ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا إن من دخلت، لأن معنى قوله أحرص الناس أحرص من الناس، فقال ومن الذين أشركوا حملاً على المعنى وقد ذكرنا ما في هذا في حذف الموصوف ومن الحمل على المعنى قوله فمن بدل بعد ما سمعه، والمتقدم ذكر الوصية؛ ولكن معناه الإيصاء، أي من بدل الإيصاء كقوله وإذا حضر القسمة ثم قال فارزقوهم منه حملاً على الحظ والنصيب ومن ذلك قوله تعالى مالي لا أرى الهدهد، وما لنا لا نرى رجالاً، لما كان المعنى في قولك ما لي لا أراه؛ وما لنا لا نراهم، أخبرونا عنهم؛ صار الاستفهام محمولاً على معنى الكلام، حتى كأنه قال أخبروني عن الهدهد، أشاهد هو، أم كان من الغائبين؟ وكذلك الآية الأخرى، فيمن وصل الهمزة ولم يقطعها في قوله أتخذناهم سخرياً وكما استقام الحمل على المعنى في هذا النحو كذلك حمل الآية عليه، فيما ترى أنه مذهب أبي الحسن يعني قوله إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله ومن ذلك قوله وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين من منصوب الموضع حملاً على المعنى؛ لأن معنى جعلنا لكم فيها معايش أعشناكم، وكأنه قال وأعشنا من لستم له برازقين ويجوز أن يكون من مبتدأ والخبر مضمر والتقدير ومن لستم له برازقين جعلنا لكم فيها معايش ومن ذلك ما قال سيبويه قال سألت الخليل عن قوله تعالى ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة، قال هذا واجب، وهو تنبيه، كأنك قلت انتبه إن الله أنزل من السماء ماء، وكان كذا وكذا ومن ذلك قوله من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة فيمن قرأ بالنصب؛ لأنه إنما ينصب إذا كان السؤال على القرض؛ لو كان أيقرض زيد فيضاعفه عمرو؟ وفي الآية السؤال عن المقرض، لا عن الإقراض؛ ولكنه حمل على المعنى؛ فصار السؤال عن المقرض، كالسؤال عن الإقراض ومن ذلك قوله وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم فيمن جزم يكفر حملاً على موضع الفاء؛ لأن الفاء في موضع الجزم ومن الحمل على المعنى لستن كأحد من النساء أن أتقيتن هم محمول على المعنى إذا جعلته يسد مسد الجواب؛ لأن ليس لنفي الحال، والجزاء لا يكون بالحال تقديره باينتم نساء المسلمين ويجوز أن يكون الجواب فلا تخضعن دون لستن، ولستن أوجه ومن ذلك قوله من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم، فيمن جزم حمله على موضع الفاء ومن ذلك قوله قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله في قراءة الجمهور، غير أبي عمرو لأن معنى من رب السموات لمن السموات؟ فقال لله حملاً على المعنى كما أن من قال في الأول وهو رواية العباس وأبي عمرو، سيقولون الله حمل قوله لمن الأرض على المعنى، كأنه قال من رب الأرض؟ فقال الله
ومثله
قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين جواباً لقولهم أتتخذنا هزواً ولو حمل
على اللفظ لقال أن أكون من الهازئين وأما قوله تعالى ولتصغي إليه أفئدة
الذين لا يؤمنون بالآخرة فقد قال في التذكرة إنه محمول على ما قبله من
المصدر، والمصدر مفعول له، وهو يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً أي
للغرور وغرورهم على ضربين إما أن يغري بعضهم بعضاً، أو يغروا جميعاً من
يوسوسون له ويوالونه ممن لا يؤمنون فتقديره للغرور، ولتصغي إليه أفئدة
الذين لا يؤمنون والضمير في إليه لزخرف القول أو لوحيهم، أو ليرضوه ولا
يكون أن تحمله على الأمر، على قوله واستفزز من استطعت لثبات الألف في
الفعل، وليست بفاصلة، فتكون مثل السبيلا فإذا كان كذلك لم يتجه إلا على هذا
الذي ذكرنا؛ أو على قول أبي الحسن، مع أن ذلك عزيز غامض ما علمته مر بي
إلا هذا البيت الذي أنشده فيه قال وللقائل أن يقول إن المقسم عليه محذوف
مضمر، كأنه
إذا قال قدني قلت آليت حلفة ... لتغني عني ذا إناؤك أجمعا
أي
قلت بالله لتشربن أو لتقتمحن جميع ما في الإناء؛ فحذف لتقتمحن لدلالة
الحال عليه، ولأن ما في الكلام من قوله لتغني عني، وإن أجاز ذلك فيه، لم
يكن فيه حجة قلت الذي قال بلام الأمر في الآية؛ هو الجبائي، ولم ينظر إلى
إثبات الألف، ولم يعلم أن قوله لا ترضاها وأخواته من الضرورة؛ كأنه استأنس
بقراءة زبان لا تخاف دركاً ولا تخشى فزعم الفارسي أن ذاك للفاصلة كالظنونا
والسبيلا، وليس قوله ولتصغي فاصلة ومن ذلك ما ذهب إليه أبو علي في قراءة
أبي عمرو في نصبه ويقول الذين آمنوا فزعم أنه محمول على قوله فعسى الله أن
يأتي بالفتح وأنت لا تقول فعسى الله أن يأتي بأن يقول الذين آمنوا؛ ولكن
حمله على المعنى، لأن معنى فعسى الله أن يأتي بالفتح، و فعسى أن يأتي الله
بالفتح، واحد وجوز أن يكون بدلاً من قوله أن يأتي أجزنا في قديماً أن يكون
محمولاً على الفتح، أي وأن يأتي بالفتح ويقول المؤمنون كما قال الخليل في
قوله تعالى أو يرسل رسولاً أنه محمول على الوحي وكرواية هبيرة فنجي بالنصب
حملاً على نصرنا من قوله جاءهم نصرنا فنجي ومن ذلك قوله أنا خير منه ومنه
فليحذر الذين يخالفون عن أمره، حمله على يعدلون فعداه بعن وهذا النحو كثير
ألا ترى أن سيبويه قال في قولهم ألست أتيتنا فتحدثنا - بالرفع والنصب -
فحمل مرة على اللفظ وأجاز النصب، وعلى المعنى فمنع النصب؛ إذ معناه الإثبات
ولهذا جاء أليس منكم رجل رشيد، بخلاف قوله ألست بربكم قالوا بلى فجاء
الاختلاف في الآيتين؛ كما جاء الرفع والنصب في المسألة فحمل مرة على
الإثبات، وأخرى على النفي ومن ذلك قوله يا حسرة على العباد، إن اللفظ لفظ
النداء، والمعنى على غيره كما أن قوله اغفر لنا أيتها العصابة، اللفظ على
النداء، والمعنى على غير النداء، إنما هو الاختصاص قال أبو علي مثل ما يكون
اللفظ على شيء والمعنى على غيره قولهم لا أدري أقام أم قعد؟ ألا ترى أن
اللفظ على الاستفهام والمعنى على غيره وكذلك قولهم حسبك، اللفظ لفظ
الابتداء والمعنى على غيره وكذلك قولهم اتقى الله امرؤ فعل خيراً يثب عليه؛
اللفظ لفظ الخبر والمعنى معنى الدعاء وكذلك فليمدد له الرحمن مداً وإلى
هذا النحو ذهب أبو عثمان في قولهم ألا رجل ظريف؟ فقال اللفظ لفظ الخبر،
والمعنى معنى التمني وليس هذا بسائغ؛ لأن الكلام قد دخله ما منع هذا
المعنى، ألا ترى أن هذا ارتفع بالابتداء، وقد دخل الكلام من المعنى ما أزال
معنى الابتداء؛ ألا ترى أن معنى الطلب قد أزال معنى الابتداء؛ من حيث جرى
مجرى اللهم غلاماً؛ أي هب لي وكذلك قولك ألا رجل؟ بمنزلة قوله هب لي؛ وألا
آخذ؛ وألا أعطي؟ ونحو ذلك فإذا دخل هذا المعنى أزال معنى الابتداء؛ وإذا
زال معناه لم يجز ارتفاعه بالابتداء، لمعاقبة هذا المعنى له؛ وإذا عاقبه
ذلك وأزاله لم يجز أن يرتفع أفضل بأنه خبر؛ لبطلان كون الأول أن يكون مبتدأ
أوفي موضع الابتداء فالقول في ذلك قول سيبويه لهذه الآية
الحادي والثلاثون ما جاء في التنزيل من حذف أن وحذف المصادر، والفصل بين الصلة والموصول
وهو
من باب لطائف الصناعة، لأنهم زعموا أن أن موصولة، وحذف الموصول وإبقاء
صلته منكر عندهم، ومع ذلك فقد جاء في التنزيل فمن ذلك قوله تعالى وإذ أخذنا
ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله قالوا التقدير بأن لا تعبدوا إلا
الله، فلما حذفت أن عادت النون وكذلك قوله لا تسفكون دماءكم تقديره بأن لا
تسفكوا دماءكم، فحذفت أن وعادت النون قالوا ومثله قولهم تسمع بالمعيدي خير
من أن تراه أي أن تسمع ومن ذلك قوله تعالى كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد
إيمانهم وشهدوا أن الرسول، أي بعد إيمانهم أن شهدوا، فحذفت أن ليصح عطفه
على إيمانهم وإن شئت كان التقدير بعد أن آمنوا وشهدوا، فتضع المصدر موضع أن
ليصح عطف شهدوا عليه ومن ذلك قوله تعالى ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا فيمن
قرأ بالياء، أي أن سبقوا، ليصح قيامه مقام المفعولين ومن ذلك قوله تعالى
قل أفغير الله يأمروني أعبد أيها الجاهلون، فقال تأمروني لغو، كقولك هذا
يقول ذاك بلغني، فبلغني لغو، وكذلك تأمروني؛ كأنه قال فيما تأمروني؛ وكأنه
قال فيما بلغني، وإن شئت كان بمنزلة
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى
قال
س غير منصوب بأعبد على القول الأول، وعلى القول الثاني بتأمرني ولا يجوز
انتصابه بأعبد؛ لأن أعبد في صلة أن وغير قبله، ولا يعمل ما في الصلة فيما
قبل الموصوف فا يؤكد أنهم يراعون الحال الأولى، بعد حذف أن ما روى أبو
عثمان المازني عن قطرب أحضر الوغى بنصب أحضر قال أبو سعيد أجود ما يقال فيه
ما ذكر سيبويه عن الخليل، وهو نصب غير بأعبد، وتأمروني غير عامل، كما تقول
هو يقول ذلك فيما بلغني، وزيد قائم ظننت، كأنك قلت هو يقول ذاك فيما
بلغني، وزيد قائم فيما ظننت قال وقال سيبويه وإن شئت كان بمنزلة
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى
وهو
ضعيف؛ لأنه يؤدي إلى أن يقرر أعبد بمعنى عابداً غير الله، وفيه فساد والذي
عليه الناس، هو الوجه الأول الذي ذكرناه قد قال سيبويه هذا الكلام هاهنا،
وقال في الباب المترجم عنه
ما يكون فيه إلا وما بعده وصفاً
بمنزلة مثل وغير ومضى في كلامه
ولا
يجوز أن تقول ما أتاني إلا زيد، وأنت تريد أن تجعل الكلام بمنزلة مثل،
إنما يجوز ذلك صفة ثم قال ولا يجوز أن يكون رفع زيد على إضمار إلا أن يكون
زيداً؛ لأنك لا تضمر الاسم الذي هذا من تمامه، لأن أن يكون اسماً وما بعده
صلة له ويجوز في الآية الأولى حذف أن ولم يجوزه في الفصل الثانيوأبو إسحاق
تكلم على الآية، أعني قوله أفغير الله تأمروني ونقل كلامه أبو علي في
الإغفال وأراد أن يتكلم عليه، فبيض الموضع وهذا كلام أبي إسحاق أفغير منصوب
بأعبد لا بقوله تأمروني المعنى أفغير الله أعبد أيها الجاهلون فيما
تأمروني ولوكان أبو العباس حين تتبع سيبويه، وتكلم بمثل هذا الكلام البارد
الذي لا يخدش شيئاً من كلامه، وتتبعه على هذا الوجه، وتكلم بمثل هذا
الكلام، وفصل بين الموضعين كان أحق وأجدر وقد ضمنت هذا الكتاب مثل هذا
الفصل فصولاً أخر، تقدم بعضها، وأنت بصدد الثاني فاحفظها قال الشيخ ومما
يحمل على إضمار أن في التنزيل قوله تعالى فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا
خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب، فأن مضمرة، وهي
مع الفعل في تقدير المصدر معطوف على خزي ومثله مودة بينكم في الحياة الدنيا
ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض، أي ثم كفر بعضكم ببعض يوم القيامة، فأضمر
أن ومثله ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة، أي ويوم
القيامة رؤية الذين كذبوا على الله، لأن قبله أن تقول، و أو تقول وقد قال
أبو علي في قوله تعالى ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا، يجوز أن تقدر حذف أن
كأنه لا تحسبن الذين كفروا أن سبقوا، فحذفت أن كما حذفتها في تأويل سيبويه
في قوله أفغير الله تأمروني قال وحذف أن قد جاء في غير شيء من كلامهم قال
وإن كبيراً لم يكن رب علبة ... لدن صرحت حجاجهم فتفرقوا
أي لدن أن صرحت وأثبت الأعشى في قوله
أراني لدن أن غاب رهطي كأنما ... يراني فيكم طالب الضيم أرنبا
وقد حذفت من الفعل وبنيت مع صلتها في موضع الفاعل أنشد أحمد بن يحيى لمعاوية بن خليل النصري
وما راعني إلا بشير بشرطه ... وعهدي به فينا يفش بكير
فإذا وجهه على هذا سد أن مسد المفعولين
كما
أن قوله أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا فقال هذا كلامه في الآية من
الحجة وإن شئت فاسمع كلامه في موضع آخر، قال ومما يمكن أن يكون انتصابه على
أنه مفعول به على الاتساع، وكان في الأصل ظرفاً، قوله أياماً معدودات في
قوله يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم
لعلكم تتقون أياماً معدودات، والعامل في، الأيام كتب، تقديره كتب عليكم
الصيام أياماً معدودات، أي في أيام معدودات وإن شئت اتسعت فنصبته نصب
المفعول به، فتقول على هذا مكتوب أياماً عليه ولا يستقيم أن ينتصب أيام
بالصيام على أن يكون المعنى كتب عليكم الصيام في أيام، لأن ذلك وإن كان
مستقيماً في المعنى فهو في اللفظ ليس كذلك، ألا ترى أنك لو حملته على ذلك
فصلت بين الصلة والموصول بالأجنبي منهما، وذلك أن أياماً تصير من صلة
الصيام، وقد فصلت بينهما بمصدر كتب؛ لأن التقدير كتب عليكم الصيام كتابة
مثل كتابته على من كان قبلكم، فالكاف في كما متعلقة، بكتب، وقد فصلت بها
بين المصدر وصلته، وليس من واحد منهما فإن قلت أضمر الصيام لتقدم ذكر
المتقدم عليه، كأنه صيام أياماً، فإن ذلك لا يستقيم؛ لأنك لا تحذف بعض
الاسم، ألا ترى أنه قد قال في قوله
وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان
أنه
لا يكون على أن لا يكون الفرقدان، لحذفك الموصول، وكذلك الآية وإذ قد عرفت
هذا وتبينت أن المصدر وأن مع ما بعده عندهم بمنزلة واحدة، وأنهما كليهما
موصول لأن، فلا بد وأن نعد لك الآي التي وردت فيها المصادر وظاهرها فصل
بينها وبين صلاتها بمنزلة أن، والحديث ذو شجون فمن ذلك قوله تعالى وتلك
حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه، لا يجوز تعليق على بقوله حجتنا للفصل بين
المصدر وما يتعلق به بالصفة قال أبو علي وإن كان حجتنا بدلاً فآتيناها
خبره، وعلى متعلق بمحذوف، كقوله إذ تدعون إلى الإيمان وكذلك إن جعلت حجتنا
خبراً، فإن جعلت آتيناها في موضع الحال على حجة آتيناها، وإضمار قد، جاز أن
يكون متعلقاً، بحجة لأنه لها فصل قال عثمان قلت لأبي علي في قول الله
تعالىوتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه يكون آتيناها حالاً من الحجة إما
على قد آتيناها، وإما على حجة آتيناها، وعادت مع هذا على قوله بنفس حجتنا،
فمثل هذا ألا فصل بين الصلة الموصول بالأجنبي؟ فقال الحال تشبه الظرف، وقد
يجوز في الظرف ما لا يجوز في غيره، ولم يزد على هذا بعد المراجعة والفصل
بين الموصول والصلة لا يجوز بالظرف ولا غيره، ألا ترى أنك لو قلت، أعجبني
ضربك يوم الجمعة زيداً، فعلقت يوم الجمعة بأعجبني لا بالضرب لم يجزه أحد،
وإنما المتجوز بالفصل الفصل بالظرف ما كان بين الفعل وفاعله، نحو كان فيك
زيد راغباً، ونحو قوله
فإن بحبها ... أخاك مصاب القلب جم بلا بله
وأما
ما ذهب إليه أبو علي، فيما حكينا عنه، فلا، والله أعلم وقال أبو علي في
موضع آخر ففي هذا دلالة على وقوع مثال الماضي حالاً، وذلك أن آتينا لا تخلو
من أن تكون صفة أو جملة متبعة جملة، على حد هم فيها خالدون، أو حالاً، ولا
تكون صفة أم حجتنا معرفة، ولا تكون على حد هم فيها خالدون، وثلاثة رابعهم
كلبهم لأنك إن جعلته على ذلك فصلت بين الصلة الموصول بالأجنبي، فإذا
امتنعتا ثبت أنه واقع موقع الحال، إذا كانت حالاً لم تفصل بين الصلة
والموصول، وكانت على ذلك متصلة بالمصدر الظاهر الذي هو حجتنا فإن قلت فلم
لا تكون على قول أبي الحسن في نحو أو جاءكم حصرت، أن يكون على تقدير أو
جاءوكم قوم حصرت، ولا يكون على قوله أو جاءوكم قوماً قد حصرت، فإن ذلك لا
يكون على حذف الموصوف، كما يكون قوله أو يكون جاءوكم قوماً حصرت؛ لأنك على
هذا تحذف الموصول وتبقي بعض صلته وقد قال سيبويه إن ذلك لا يجوز فيه
وأما
قوله تعالى إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق
السموات والأرض فإن قوله يوم خلق السموات والأرض تتعلق بمضمر دون عدة، لأن
الفصل بين المصدر والمعمول لا يجوز، ولهذا لا يتعلق في كتاب الله بعدة ولا
يكون بدلاً من عند الله للفصل، أو يكون أن يتعلق بحرم، كأنه منها أربعة حرم
فيها كتب الله يوم خلق السموات؛ فيكون المعنى مثبتاً في كتاب الله، أي
فيما فرض كونه حرماً أربعة أشهر لا أكثر، فإذا نشأتم أنتم الشهور فجعلتم
الشهور الحرم أكثر من أربعة لما كتبه الله أجل لهم ما حرم الله ويجوز أن
يتعلق يوم بكتاب وأما قوله تعالى وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج
الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن قوله من الله صفة فيها ذكر من
الموصوف،وكذلك إلى الناس، ولا يكون من صلة أذان لأنه اسم، وليس بمصدر ومن
أجرى هذا الضرب من الأسماء مجرى المصادر فينبغي ألا يتعلق به هذا الجار،
ألا ترى أن المصدر الذي هذا منه لا يصل بهذا الحرف كما يصل قوله براءة من
الله به ، لقوله
برئت إلى عرينة من عرين
و إذا تبرأ الذين اتبعوا من
الذين اتبعوا فأما قوله يوم الحج الأكبر فيجوز أن يتعلق بأذان لأنك تفصل
بين الصلة والموصول بالصفة، ولا بد من تقدير الجار في قوله إن الله أي، بإن
الله لأن الله بريء من المشركين، لا يكون الإعلام كما يكون الثاني الأول،
في نحو خبر له أنك خارج وأما قوله في هذا عطاؤنا فامنن أو امسك بغير حساب
لا يتعلق الباء بعطاؤنا للفصل، و لا بأمسك لأنه لا يقال أمسكت بغير حساب،
إنما يقال أعطيت بغير حساب، فهو إذاً متعلق بامنن، ويكون معناه أنه مخير
بين أن يعطي كثيراً وأن يمسك، وكأن معنى امنن أعط، لما كان مناً وتفضلاً
على المعطى، قيل امنن، والمراد أعط
ومثله في جعل المن عطاء قوله تعالى ولا تمنن تستكثر، كأنه لا تعطي مستكثراً، أي لا تعط لتأخذ أكثر منه ومثله وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وتقدير تستكثر أي مقدراً فيه الاستكثار، وجزم تستكثر على هذا يبعد في المعنى، لأنه يصير إن لا تمنن تستكثر، وليس المعنى على هذا وقد أجاز أبو الحسن نحواً من هذا اللفظ، وإن لم يكن المعنى عليه وأما قوله تعالى الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون، فالذين جر، عطف على المؤمنين، أو نصب، عطف على المطوعين فالظرف أعني في الصدقات متعلق بمطوعين أو يلمزون، أي ويعيبون في إخراج الصدقات لقلتها، ولا يكون الذين يلمزون، بدلاً من من في قوله ومنهم من يلمزك في الصدقات، لأن هؤلاء غيرهم في وضع الصدقات وأما قوله وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل فعلى من صلة وتمت دون الكلمة وإن كانت الكلمة بمعنى، النعمة، لأنها وصفت بالحسنى، وكما يتعلق على بحقت في قوله حقت كلمة العذاب على الكافرين وكذا هاهنا وأما قوله فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه فقد تكلمنا عليه في باب المفعول وأما قوله تعالى ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله، فقد تردد فيه كلامه، فقال مرة الظرفان صفة للنكرة متعلقان بمحذوف، والشهادة من الله هي شهادة يحملونها ليشهدوا، فهذا كما قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين، وقال في موضع آخر لا يتجه أن يتعلق من بكتم لأن الله لا يكتم شيئاً فإن قلت فقد جاء ولا يكتمون الله حديثاً فإنه يجوز أن يكون التقدير إن أحوالهم ظاهرة وإن كتموها كما قال لا يخفى على الله منهم شيء، فإذا لم يتعلق بكتم تعلق بالشهادة، وتعلقه به على وجوه فإن جعلت قوله عنده صفة للشهادة لم يجز أن يكون من الله متعلقاً بشهادة لأنه فصل بين الصلة والموصول، وكما انك لو عطفت عليه كان كذلك ويجوز أن تنصب عند لتعلقه بشهادة فإذا فعلت ذلك لم يتعلق بمن الله، لأنه لا يتعلق به ظرفان وإن جعلت عنده صفة أمكن أن يكون من الله حالاً عما في عنده، فإذا كان كذلك وجب أن يتعلق بمحذوف في الأصل، والضمير العائد إلى ذي الحال هو الظرف هذا كلامه؛ وقد منع من تعلق الظرفين بالمصدر، وهذا يجوز في الظرفين المختلفين، وإنما الكلام في المتفقين، وقد بيناه في الاستدراك وأما قوله لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فلا يخلو قوله إذ تدعون من أن يتعلق بلمقت الله، ولا يجوز أن يتعلق بقوله مقتكم لأنهم مقتوا أنفسهم في النار، وقد دعوا إلى الإيمان في الدنيا ولا يتعلق بالمبتدأ، لأنه أخبر عنه بقوله أكبر من مقتكم، والموصول لا يخبر عنه، وقد بقيت منه بقية، والفصل بين الصلة والموصول غير جائز وأما قوله تعالى إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر إن جعلت الهاء للكافر، على معنى إنه على إحيائه لقادر، لم يجز أن يتعلق يوم تبلى السرائر بقوله رجعه، لأن قوله لقادر في موضع الخبر لإن، وقد فصل بين المصدر وما يتعلق به، ولكن ينتصب بمضمر يفسره رجعه، أي يحييه يوم تبلى السرائر ويجوز أن يجعل يوم بمعنى إذا فيعمل فيه مدلول إذا فما له من قوة ولا ناصر كقوله تعالى يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه ألا ترى أن مدلول الفاء يعمل في يوم ندعو ومثله يوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون ومثله فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير ولا يجوز أن يتعلق بقوله لقادر، لئلا يصغر المعنى؛ لأن الله قادر يوم تبلى السرائر وغيره، في كل وقت وعلى كل حال، على رجع النشور قال أبو علي في الإغفال في قوله أياماً معدودات قولاً يخالف ما حكينا عنه في الحجة قبل، وهو أنه قال يجوز أن يجعل أياماً متعلقاً بالصيام، دون كتب، وكانت الكاف في موضع النصب حالاً من فاعل الصيام، الا ترى أنه لا يستقيم كتب عليكم أن تصوموا مشابهين الكتابة، فهذا من جهة المعنى ويصح كونه حالاً من الصيام على تقدير كتب عليكم الصيام مثل ما كتب الصيام على من قبلكم، أي كتب الصيام مشابهاً كتابته على الذين من قبلكم فالصيام لا يشبه الكتابة، وحق التشبيه أن تشبه كتابة بكتابة، أو صيام بصيام، فأما أن يشبه الصيام بالكتابة فليس بالوفق، إلا أن يدل اشتباه الصيام بالكتابة من حيث كان كل واحد منهما مراداً، وإن لم يكن الآخر وهذا مما يدلك على أن حمل كما، على أنه منصوب
بكتب، أوجه وأبين من أن تجعله متعلقاً بالصيام، ولا يجوز
في كما أن يكون صفة لمصدر كتب الذي دل، كتب عليه، في قول من جعل أياماً
معمول الصيام، لأنه يفصل بين الصلة والموصول بما هو أجنبي منهما، وما عمل
فيه شيءب، أوجه وأبين من أن تجعله متعلقاً بالصيام، ولا يجوز في كما أن
يكون صفة لمصدر كتب الذي دل، كتب عليه، في قول من جعل أياماً معمول الصيام،
لأنه يفصل بين الصلة والموصول بما هو أجنبي منهما، وما عمل فيه شيء وأما
قوله تعالى إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً
وأولئك هم وقود النار كدأب آل فرعون لا تكون الكاف صفة لمصدر دل عليه
كفروا، ولا لمصدر دل عليه قوله لن تغني، للفصل بين الصلة والموصول بالخبر
أو بالجملة التي هي أولئك هم وقود النار، وإنما معمول لقوله وقود النار
لأنه لا فصل بينهما وأما قوله تعالى الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو
أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين، فقوله وقعدوا
اعتراض، لأنه يسدد ما يريدونه من تثبيطهم وإقعادهم عن الجهاد مع النبي صلى
الله عليه وعلى آله، فقوله لو أطاعونا ما قتلوا في موضع نصب فقالوا ولا
يحتاج هنا إلى إضمار فعل آخر كما احتجت إليه في قوله
وقائلة تخشى علي أظنه
ولأن
تخشى وصف، وإذا وصفت اسم الفاعل لم ينبغ أن يعمل فأما الذين فموضعه رفع،
وقال زيداً اضربه، نصب؛ ألا ترى أنك تنصب زيداً قال له خيراً كما تقول
زيداً اضربه وليس الرفع بمختار في قول أحد فيه، لأنه لا وجه للرفع على ذلك
وأما قوله تعالى ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر، فمن موصولة، وتمام
الصلة عند قوله وآتى الزكاة، وقوله والموفون بعهدهم رفع، عطف على من آمن،
فلا يجوز إذاً أن يكون قوله والصابرين عطفاً على قوله ذوي القربى على تقدير
وآتى المال على حبه ذوي القربى والصابرين، لأنك قد عطفت على الموصول قوله
والموفون، فلا يجوز أن يكون والصابرين داخلاً في الصلة، ولكنك إن رفعت
والموفون على المدح جاز عطف الصابرين على قوله ذوي القربى، لأن الجملة تسدد
الأولى وتوضحه؛ لقوله تعالى والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها
وترهقهم ذلة، عطف على كسبوا، وقوله وجزاء سيئة بمثلها اعتراض وقال قوم بل
التقدير جزاء سيئة، والجملة في موضع خبر قوله والذين كسبوا فأما قوله تعالى
والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى قال أبو علي يحتمل عندي قوله أحوى
ضربين يجوز أن يكون حالاً للمرعى كأنه والذي أخرج المرعى أحوى، فجعله غثاء
أحوى، ولا يكون فصلاً بين الصلة والموصول لأن أحوى في الصلة، وقوله فجعله
أيضاً معطوف على الصلة، وتقديم بعض الصلة على بعضها غير جائز، فإذا حملته
على هذا كان وصفه بالحوة إنما هو لشدة الري ولإشباع الخضرة، كأنه أسود، على
هذا قوله مدهامتان، وإن كان هذا لا يقع من الوصف بالحوة؛ لأنه أذهب في باب
السواد وإن جعلت أحوى صفة لغثاء كان المراد به السواد لا الخضرة التي في
الري أنها سواد، ولكن بالقدرة أخرج المرعى فصار غثاءً أسود ليبسه وهيجه
وتسويد الشمس له بأحراق لطيفة وأما ما ذهب إليه علي بن عيسى في قوله إلا من
شهد بالحق وهم يعلمون إلى قوله وقيله من أن قوله وقيله فيمن جر، معطوف على
الجار والمجرور، أعني وجداً، للفصل بين الصفة والموصول بما تراه من الكلام
وأما قوله سلام هي حتى مطلع الفجر، فإن حتى متعلق إما بفعل مضمر يدل عليه
سلام أو بقوله تنزل الملائكة
فإن قلت فإذا كان متصلاً بقوله تنزل
فكيف فصل بين العامل والمعمول بالجملة التي هي سلام؟ فإن ذلك لا يمتنع
لأمرين أحدهما أن هذه الجملة ليست بأجنبية؛ ألا تراها تتعلق بالكلام وتسدد
والآخر أن تكون في موضع حال من الضمير في قوله تنزل الملائكة والروح فيها
مسلمة، فهذا لا يكون فصلاً على هذا الوجه الآخر وأما إذا لم تحمله على هذا
وجعلت حتى متعلقاً بفعل مضمر، فلا يخلو من أن يتعلق بهي أو سلام، فلا يتعلق
بهي، لأنه لا معنى فعل فيه، ولا يجوز أن يتعلق أيضاً بسلام، لأنك تفصل
حينئذ بين الصلة والموصول بالمبتدأ، ألا ترى أن سلاماً مصدر، فإذا لم يجز
هذا أضمرت ما يدل عليه سلام، فكأنك قلت تسلم حتى فإن قلت فلم لا تضمر فعلاً
بعد هي مما يتعلق به، ويكون المبتدأ الذي هو هي قد أخبر عنه بأنه سلام،
وأنها حتى مطلع الفجر مثل حلو حامض، كأنه أراد أن يعلم أنه سلام، وأنه إلى
هذا الوقت، فإن الإفادة بأنها إلى مطلع الفجر ليست بحسنة، لأن ذلك قد علم
من غير هذا المكان، فإذا كان كذا حملناه على باب إذ تدعون إلى الإيمان
ولهذا لم نجعل حتى خبر هي، وسلام لهي آخر، ولأنه إذا لم يكن من باب حلو
حامض، فلا يكون من باب هو قائم، أولى، وإن جعلت هي فاعل سلام، وحتى في موضع
الخبر، فهو وجهه قال عثمان لا يلزم إذا جعلت حتى متعلقة بسلام أن تكون
فصلت بينهما بهي، لأن سلاماً في موضع مسلمة، وأنشد
فهلا سعيتم سعى عصبة مازن ... وهل كفلائي في الوفاء سواء
وأما
قوله تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أومن وراء حجاب، فينبغي
أن يكون قوله أو من وراء حجاب إذا جعلت وحياً على تقدير أن يوحي - كما قال
الخليل - لما لم يجز أن يكون على أن الأولى من حيث فسد في المعنى يكون من
وراء حجاب على هذا متعلق بفعل محذوف في تقدير العطف على الفعل الذي يقدر
صلة، لأن الموصولة بيوحى، ويكون ذلك الفعل يكلم، وتقديره ما كان لبشر أن
يكلمه الله إلا أن يوحى إليه أو يكلم من وراء حجاب، فحذف يكلم لجري ذكره
أولاً، كما حذف الفعل في قوله كذلك لنثبت به فؤادك لجري ذكره، والمعنى كذلك
أنزلنا، وكما حذف في قوله الآن وقد عصيت قبل، والمعنى الآن آمنت، فحذف،
حيث كان ذكر آمنت قد جرى، وهذا لا يمتنع حذفه من الصلة، لأنه بمنزلة
المثبت، وقد تحذف من الصلة أشياء للدلالة عليها، ولا يجوز أن يقدر تعلق من
في قوله أو من وراء حجاب إلا بهذا، لأنك إن قدرت تعلقه بغيره فصلت بين
الصلة والموصول بالأجنبي، ولا يجوز أن يقدر فعل غير هذا، كما قدر في أو في
قوله إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً،
لأن هذا اعترض يسدد ما قبله، وأنت إذا قدرت أو من وراء حجاب متعلقاً بشيء
آخر كان فصلاً بأجنبي، إذ ليس هو مثل الاعتراض الذي يسدد الأول وأما من رفع
فقال أو يرسل رسولاً فينبغي أن يكون قوله أو من وراء حجاب متعلقاً بمحذوف،
ويكون الظرف في موضع حال، لأن قوله إلا وحياً على هذا التقدير مصدر في
موضع الحال، كأنه يكلم الله إيحاء، أي موحياً، كقولك جئت ركضاً و مشياً،
ويكون من في قوله من الصالحين بعد قوله ويكلم الناس في المهد وكهلاً، فهذا
موضع وقعت فيه من ظرفاً في موضع الحال، كما وقع سائر حروف الجر، ومعنى أو
من وراء حجاب في الوجه الأول يكلمهم غير مجاهر لهم بالكلام، أي يكلمهم من
حيث لا يرى سائر المتكلمين، ليس أنه هناك حجاب يفصل موضعاً من موضع
وأما
قوله تعالى وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب، فرسله معطوف على الضمير
المنصوب الذي قبله، كما قال وينصرون الله ورسوله، ولا يجوز أن يكون معطوفاً
على مفعول ليعلم؛لأنك تفصل بين الصلة والموصول؛ ألا ترى أن قوله بالغيب
متعلق بينصر ولا يجوز أن يتعلق بليعلم، فإذا كان كذلك، فلو عطفت رسله على
يعلم فصلت بالمعطوف بين الصلة والموصول ومن ذلك قوله تعالى والذين إذا
فعلوا فاحشة فقوله بعد ومن يغفر الذنوب إلا الله اعتراض بين الصلة
والموصول، وقوله ولم يصروا على ما فعلوا في الصلة من الفعل ونظير هذا قل إن
الهدى هدى الله هو فصل بين الفعل ومفعوله دون الصلة وموصوله أما قوله أو
يتوب عليهم فزعم أنه لا يكون عطفاً على ما تقدم من ألا يفصل بين الصلة
والموصول بقوله ليس لك من الأمر شيء، ولكن النصب على إضمار أن بعد أو ونعني
بالموصول قوله بشرى لكم لأن اللام من قوله ليقطع متعلق به، وقوله وما
النصر اعتراض فهذه آي وردت، فيها يقول النحويون من امتناع الفصل بين الصلة
والموصول، ولا نرى منها حرفاً في كتبهم، والحمد لله الذي هدى لهذا
الثاني
والثلاثون ما جاء في التنزيل من حذف حرف النداء والمنادىوذلك حسن جائز
فصيح ورد به الكلام، وعلى هذا جميع ما جاء في التنزيل من قوله ربنا لا
تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين
من قبلنا ربنا ومنه قوله تعالى يوسف أعرض عن هذا أي يا يوسف أما قوله ثم
انتم هؤلاء تقتلون أنفسكم فقد قيل التقدير ثم انتم يا هؤلاء، فأنتم مبتدأ،
وتقتلون الخبر، وهؤلاء نداء اعترض بين المبتدأ والخبر، كما اعترض بين الشرط
والجزاء في قوله قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني أي يا رب وكما
اعترض بين المصدر ومعموله في قوله
فندلاً زريق المال ندل الثعالب
وكقوله
أوساً أو يس من الهباله ونحن نقول إن أنتم مبتدأ، وهؤلاء على وجهين أحدهما
ثم أنتم كهؤلاء وإن شئت هؤلاء بمعنى الذين، أي أنتم الذين تقتلون أنفسكم،
كما قال عز من قائل أولاء على أثري وأما قوله تعالى ربنا لا تجعلنا فتنة
للذين كفروا واغفر لنا ربنا إن شئت كان ربنا من صلة قوله واغفر لنا، أي
واغفر لنا ربنا، فتقف على ربنا؛ وإن شئت ابتدأت، فقلت ربنا إنك أنت العزيز
الحكيم فإنما قلنا لا يكون هؤلاء على يا هؤلاء، لأن هؤلاء يجوز أن يكون
وصفاً لأي، فتقول يا هؤلاء أقبل، كل ما يوصف به أي لا يحذف منه حرف النداء،
ألا ترى أنه لا يجوز رجل أقبل، لأنك تقول يا أيها الرجل أقبل، وتقول زيد
أقبل، لأنك لا تقول أيها الزيد أقبل وأما قوله أمن هو قانت آناء الليل فيمن
خفف، فقد قيل إن الهمزة بمعنى يا، والتقدير يا من هو قانت، فأقيمت الهمزة
مقام يا قال أبو علي المعنى أمن هو قانت كمن هو بخلاف هذا الوصف؟ ولا وجه
للنداء هاهنا ، لأن الموضع موضع معادلة، فليس النداء مما يقع في هذا
الموضع، إنما يقع في نحو هذا الموضع الجمل التي تكون أخباراً، وليس النداء
كذلك ويدل على المحذوف هنا قوله قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا
يعلمون، لأن التسوية لا تكون إلا بين شيئين، وفي الجملتين في الخبر فالمعنى
أمن هو قانت كمن جعل لله أنداداً ليضل عن سبيله وكما جاز حذف حرف النداء
فيما تقدم جاز حذف المنادى، كما قال يا ليتنا نرد أي يا قوم ليتنا نرد
ومثله يا ليت بيني وبينك، ويا ليت قومي يعلمون وما أشبه ذلك وأما قوله
تعالى ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء فقد قال المبرد إن التقدير ألا يا
هؤلاء اسجدوا، فحذف المنادى والذي اختاره أبو علي أن الجملة هاهنا كأنها
المنادى في الحقيقة، وأن يا هاهنا أخلصت للتنبيه مجرداً من النداء، كما أن
ها من قوله ها أنتم هؤلاء جادلتم للتبيه، من غير أن تكون للنداء وقال أبو
علي وجه دخول حرف التنبيه على ألا من انه موضع يحتاج فيه إلى استعطاف
امأمور لتأكيد ما يؤمر به عليه، كما أن النداء موضع يحتاج فيه إلى استعطاف
المنادى لما ينادى له من إخبار أو أمر أو نهي أو نحو ذلك، مما يخاطب به،
وإذا كان كذلك فقد يجوز ألا يريد منادىً في نحو قوله ألا يسجدوا كما يريد
المنادى
يا لعنة اله والأقوام كلهم ... والصالحين على سمعان من جار
وكذلك
ما حكي عن أبي عمرو من قوله يا ويلاً له ويؤكد ذلك قوله هلم وبناؤهم ها
للتنبيه مع لم وجعلها مع الفعل كشيء واحد، وإجماع الناس على فتح آخر
الكلمتين في اللغتين وكما لا يجوز أن يراد هاهنا مأمور، لبناء الكلمتين على
الفتح، وإن فكت إحداهما من الأخرى، بل لا يسوغ إرادة المنادى لمكان
بنائهما معاً وجعلهما بمنزلة شيء واحد، كذلك يجوز لك ألا تريد مأموراً في
قوله ألا يسجدوا ويجوز لأن يراد تقدير مأمورين، فحذفوا كما حذف من قوله
يا لعنة الله والأقوام كلهم
وكما
كان يا هذا لا يكون إلا لغير اللعنة، كذلك يجوز أن يكون المأمورون مرادين،
وحذفوا من اللفظ قال أبو علي في قوله ها أنتم هؤلاء يحتمل ضربين يجوز أن
يكون ها للتنبيه دخلت على أنتم، ويكون التنبيه داخلاً على الجملة كما دخل
في قولهم هلم، وكما دخلت يا للتنبيه في نحو ألا يسجدوا ويجوز أن يكون الهاء
في انتم بدلاً من همزة الاستفهام، كما كان بدلاً منها في قول ابن كثير،
حيث قرأ ها أنتم على وزن هعنتم، وتكون الألف التي تدخل بين الهمزتين لتفصل
بينهما كما تدخل بين النونين لتفصل بينهما في إحسانان، وجاز ها انتم ولم
يجزها قوم لشبه المضمر بالميم في الإبهام وأما قوله قالوا سمعنا فتىً
يذكرهم يقال له إبراهيم، فيمكن أن يكون من هذا الباب، على تقدير يا
إبراهيم، فحذف، ويمكن أن يكون رفعاً، أقيم مقام فاعل يقال وأما قوله
وجعلناه هدىً لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلاً ذرية من حملنا، فقد
قيل التقدير يا ذرية؛ وقيل قوله ذرية مفعول ثان لتتخذوا، ووكيلاً الأول،
فيمن قرأه بالتاء وأما قوله قل اللهم مالك الملك، وقل اللهم فاطر السموات
والأرض فالميم في آخر اللهم بدل من يا، فيقال يا الله، واللهم وانتصاب قوله
مالك الملك على نداء آخر، أي يا مالك الملك، ويا فاطر السموات، كقوله رب
قد آتيتني من الملك وعلمتني من تاويل الأحاديث فاطر السموات أي يا فاطر
السموات وأبو العباس يحمله على موضع المنادى، كقولهم يا زيد أخا عمرو
وسيبويه لا يرى ذلك، لأنه لما ضمت الميم إلى الكلمة صارت الأصوات التي لا
توصف ومثله قراءة من قرأ طوبى لهم وحسن مآب بالنصب، أي يا حسن مآب، فحذف
الثالث
والثلاثون ما جاء في التنزيل قد حذف منه المضاف إليهوذلك يجيء أكثرها من
كلمات تلت قبل وبعد وكل فأما قبل وبعد إذا كانا مضافين فإنهما معربان؛ وإذا
كانا مبنيين كان المضاف إليهما قد حذف منهما ونوى فيهما، فاستحقا البناء،
لأنهما صارا غايتين، على ما عرفت في كتب النحو وذلك قوله تعالىوكانوا من
قبل يستفتحون على الذين كفروا، أي كانوا من قبل مجيئه، أي مجيء الكتاب،
يعني القرآن، أي يستفتحون على الذين كفروا، فحذف المضاف وكذلك قوله وجاءه
قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات أي من قبل مجيئهم وقال لله
الأمر من قبل ومن بعد، أي من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء، وقرئ لله الأمر من
قبل ومن بعد ولم يبنيا وجعلا اسمين من غير تقدير المضاف إليه ومن ذلك قوله
ولكل وجهة، أي ولكل أهل قبلة وجهة، فحذف المضاف وكذلك كل له قانتون، أي كل
من في السموات والأرض وكذا وكل أتوه داخرين، أي وكلهم وكذا كل في فلك
يسبحون أي كل ذلك وكذا قوله إنا كل فيها أي كلنا، فحذف المضاف إليه فأما
قوله فيما فلا يخلو قوله فيها أن يكون صفة أو حالاً، فإن حملته على الحال
لم يستقم، لأنه ليس في هذا الكلام ما يكون هذا حالاً عنه، وإذا لم يستقم أن
يكون حالاً كان صفة، وإذا كان صفة كان كل نكرة وإذا كان نكرة جاز دخول لام
المعرفة عليه فإن قلت فأجعله حالاً وأحمله على المعنى، لأن معناه الجميع،
وكأنه قال نجتمع مستقرين، فهذا لا يستقيم
فإن قال قائل هذا التأويل ليس بالقريب، لأن المعنى كأنه ليس عليه؛ لأنه ليس يريد إنا كل، وإنا فيها، أي جمعنا الأمرين، ولكن المعنى على الصفة، ولا حجة في هذا أن كل نكرة، لأنه يجوز أن يجعل كلا مبتدأ ثانياً وفيها خبره، فيها التقدير إنا كلنا فيها، إن الأمر كله لله فإن قلت واجعل فيها وكل جميعاً الخبر، لأن ذلك كما قال سيبويه في قوله وهذا بعلي شيخ، ومثل حلو حامض فإذا كان كذلك جاز أن يتعلق بالمضمر على حد زيد في الدار، فإذا جاز ذلك لم يكن صفة، وإذا لم يكن صفة لم يكن هذا دليلاً قاطعاً على أن كل نكرة، وإذا لم يكن نكرة لم يجز دخول اللام عليه، فهذا يمكن أن يقال ويجوز أن يكون كل ابتداء، وفيها خبراً، والجملة خبر إن، كقوله إن الأمر كله لله، وكقوله والمؤمنون كل آمن بالله فيمن رفع المؤمنون بالابتداء دون العطف على الرسول في قوله آمن الرسول وهذه آية يتجاذبها، على ما وصف لك سيبويه، وأبو العباس، لأن سيبويه يجيز إدخال لام التعريف على كل، وبه قال الأخفش وقال المبرد لا يجوز، واحتج المبرد بأن كلاً وبعضاً لا يكونان أبداً منفردين، إنما يجيئان مضافين في الابتداء، نحو قولك كل القوم جاءوني، وبعضهم قال كيت وكيت، ولا تقول كل جاءوني إلا أن يكون هذا مبنياً على كلام، كأنه قيل ما جاءك القوم، فقلت كل جاءوني، على تقدير كلهم جاءوني وهذا الحكم في كل وبعض قائم فيهما أبداً، مضافين أو في تقدير الإضافة، وإذا كان كذلك لم يجز إدخال الألف واللام عليهما، لأن الألف واللام والإضافة لا يجتمعان، فثبت أنهما لا يدخلان عليهما، ونحن نقيس البعض والكل على النصف وفي التنزيل وإن كانت واحدة فلها النصف وقد ذكرنا هذه المسألة في الخلاف مستقصى وأما قوله تعالى ولكل جعلنا موالي، فقيل التقدير ولكل مال جعلنا موالي أو ولكل قوم جعلنا موالي والأول الوجه، لقوله مما ترك الوالدان والأقربون، وهو صفة كل، أي ولكل مال مستقر مما تركه الوالدان، أي متروك الوالدين والظرف وصف لكل وزعم أبو إسحاق أن أياً في قولهيا أيها الناس ويا أيها الذين آمنوا ويا أيها الرسول ويا أيها الذين هادوا أن أياً حذف منها المضاف إليه وعوضت ها عما أضيفت إليه قال أبو إسحاق وها لازمة لأي عوض مما حذف منها من الإضافة وزيادة في التنبيه، وأي في غير النداء لا يكون معها ها، ويحذف معها الذكر، نحو اضرب أيهم أفضل، أي أيهم هو أفضل ومذهب سيبويه خلاف ما قال، جعلوا ها فيها بمنزلة يا، وأكدوا بها التنبيه، فمن ثم لم يجز لهم أن يسكتوا على أي، ولزمه التفسير وقوله ومن حيث، أي من حيث ألزموها، فصارا كاستئناف نداءوقال في موضع آخر وأما الألف والهاء اللتان لحقتا أي توكيداً، فكأنك كررت يا مرتين، إذا قلت يا، وصار الاسم بينهما كما صار بين ذا وها، وإذا قلت هاهو ذا، فقوله ذا هذا إشارة إلى أن المقصود بالنداء في هذا الكلام هو الرجل، كما أن المقصود بالإشارة في قولهم هاهو ذا الاسم المبهم دون المضمر، والمضمر قد اعترض بين حرف الإشارة والمشار إليه، كما أن المقصود في النداء في المعنى من قولهم يا أيها الرجل هو الرجل، وإن كان النداء واقعاً في اللفظ على أي، وصار هذا دلالة على هذا المعنى، ولا يلزم أن يعوض أي منها، فحذف الإضافة فيها، لأنها تدل على الإضافة، وإن حذف منها لأنها لا تكون إلا بعضاً لكل، فهي دالة على الإضافة، وكما لم يعوض كذلك، ولا يلزم تعويض أي بل لو عوض بعض وكل لكان أي جديراً ألا يعوض هنا منه لأمرين أحدهما أن النداء موضع حذف وتخفيف، ألا ترى أن فيه نحو الترخيم، وحذف الياآت، ويافل، وما أشبه ذلك والآخر أن الإضافة قد حذفت مما هو أمكن منه ولم تعوض، لدلالة المضاف على الإضافة، فإذا لم يعوض ما هو أمكن منه في الموضع الذي هو أولى بالعوض، كذلك العوض، هذا في الموضع الذي لا تليق به الزيادات للعوض وأيضاً فإن أياً قد حذفت صلتها في غير النداء ولم تعوض من صلتها شيء، مع أن الدلالة على الحذف من الصلة أنقص من الدلالة على حذف المضاف إليه منه، لأنها يعلم منها أن معناها الإضافة كيف كانت موصولة، كالعلم بأنها أبداً مقتضية للإضافة فإذا لم تعوض من حذف صلتها شيء كان ألا تعوض من حذف إضافتها في النداء
وإن قال
قائل فإذٍ ليس بمتمكن، وقد عوض إضافتها لما حذفت منها يومئذ وحينئذ وقوله
ومن خزي يومئذ، ومن فزع يومئذ، وعذاب يومئذ، فما تنكر أن تعوض أي في النداء
إذا حذف المضاف إليه، فإن لم يعوض من بعض وكل قيل له أي أشبه ببعض وكل في
اللفظ، والمعنى بحمله عليهما أولى من حملها على إذ على انه لا يلزم إذا عوض
إذ أن يعوض أي، لما ذكرنا من دلالتها على المضاف إليه بمعناها ولفظها،
ولأنها في موضع حذف، وليست إذ كذلك، ألا تراها أنها لا تدل على إضافة كما
تدل أي عليه، وإنما تدل على وقت ماض، ولا تتمكن تمكن أي لأنها تتصرف في
وجوه الإعراب، وإذ إنما تمكنت في موضعين هذا أحدهما، وكأنه كره أن يسلب ذلك
ولا يعوض منه، وأي أمكن منها وأشد تصرفاً، فلم يلزم العوض منها من حيث لزم
في إذ، ولأنهم قالوا اضرب أي أفضل، فحذفوا الصلة منه والإضافة ولم يعوضوا
مع حذف شيئين، فلأن لا يعوض في النداء أولى، وقد استقصينا هذا في الخلاف
الرابع والثلاثون ما جاء في التنزيل من حروف الشرط دخلت عليه اللام الموطئة للقسمفمن ذلك قوله تعالى ولئن اتبعت أهواءهم، ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك، وإن أطعتموهم إنكم لمشركون وقوله ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس وقوله تعالى قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله وقوله ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك وقوله لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار وقوله لمن تبعك منهم لأملأن جهنم هذا ونحوه من الآي دخلت اللام على حرف الشرط فيه مؤذنة بأن ما بعدها جواب قسم مضمر، على تقدير والله لئن اتبعت أهواءهم؛ يدل على صحة هذا، وأن الجواب جواب قسم مضمر دون جواب الشرط، ثبات النون في قوله لا يأتون بمثله وقوله لا يخرجون معهم، ولو كان جواب الشرط لم يقل لنذهبن، ولا ليولن ولا إنه ليئوس، ولا إنكم لمشركون، ولا ما تبعوا قبلتك والجواب جواب قسم مضمر دون جواب الشرط، فلا يجوز والله لئن تأتني آتك، وإنما يقال والله لئن تأتني لأتينك وأصل هذا الكلام أن تقول والله لآتينك، ثم بدا له عن الحلف بالبتات فقال والله إن تأتني، فإذا أضمروا القسم دخلت اللام على إن تؤذن بالقسم المضمر الذي ما بعده جوابه، فهذا مساغ هذا الكلام فقول من قال إن الفاء في قوله إنكم لمشركون مضمرة، ذهاب عن الصواب، وكذا إنه ليؤوس كفور، ليست الفاء هناك مضمرة بتة وأما قوله تعالى ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة ففيه وجهان أوجههما أن يكون من بمعنى الذي، واشتراه صلته، ويكون قوله ماله في الآخرة خبر المبتدأ ويجوز أن يكون من شرطاً، واشتراه جزم بمن، ويكون ماله جواب القسم المضمر، على تقدير والله ماله وإنما قلنا إن الأول أوجه، لأنهم قد أجروا علموا في كلامهم مجرى القسم، فتكون اللام التي في لقد جواب القسم، ويكون لمن اشتراه جواب لقد علموا، فيكون هذا قسماً داخلاً على قسم؛ فلا يجوز، ولا يلزم هذا في الوجه الأول فأما قوله وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة، إن جعلت ما بمعنى الذي كانت مبتدأةً، وآتيتكم صلته، والتقدير آتيتكموه، ويكون قوله ثم جاءكم معطوفاً على الصلة، والتقدير ثم جاءكم به، إلى قوله لما معكم، ويكون قوله لتؤمنن به خبر المبتدأ ومن رأى أن الظاهر يقوم مقام المضمر كان قوله لما معكم يغني عن إضمار به ومن قال إن ما شرط، كانت اللام بمنزلتها في لئن، ويكون آتيتكم مجزوماً بما، وما منصوبة به، ويكون قوله ليؤمنن جواب القسم الذي ذكرناه
والوجهان
اللذان ذكرناهما في قوله لمن اشتراه جائزان في قوله لمن تبعك منهم لأملأن
جهنم وقد جاءت لام لئن محذوفة في التنزيل قال الله تعالى وإن لم ينتهوا عما
يقولون ليمسن الذين كفروا، والتقدير لئن لم ينتهوا، كما ظهرت في قوله لئن
لم ينته المنافقون إلى قوله لنغرينك بهم ومثل قوله وإن لم ينتهوا عما
يقولون قوله كلا لئن لم ينته لنسفعاً بالناصية قال أبو علي ويدل أيضاً على
أن اعتماد القسم على الفعل الثاني دون الأول في نحو قوله ولئن جئتهم بآية
ليقولن الذين كفروا ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك،
وما أشبه ذلك، أنه لا يخلو من أن يكون اعتماد القسم على الفعل الثاني، أو
على الفعل الأول، والدليل على أنه على الثاني دون الأول حذفهم اللام الأولى
في نحو هذا، ألا ترى أنه لو كان اعتماد القسم عليها دون الثانية لما حذفت،
كما لم تحذف الثانية في موضع فما جاءت فيه هذه اللام الأولى محذوفة في
التنزيل قوله وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن، وإن لم تغفر لنا وترحمنا
لنكونن وفي وضع آخر لئن لم ينته المنافقون ثم قال لنغرينك بهم فيدلك حذفهم
لها على الاعتماد على الثانية لا عليها فإن قلت ما ننكر أن يكون اعتماد
القسم في نحو ذا على اللام الأولى دون الثانية، لأن اللام حذفت كما حذفت من
قوله قد أفلح من زكاها، ولا يكون في حذفهم اللام من غير هذا دلالة على أن
اعتماد القسم على الفعل الثاني قيل هذا لا يجوز؛ لأن اللام في لقد إنما
استحسن حذفها لطول الكلام بما اعترض بين القسم والمقسم عليه ولم يطل في هذا
الموضوع كلام فيستجاز حذفها كما استحسن حذفها هناك، فإن هذه اللام بمنزلة
إن في قولك والله إن لو فعل لفعلت، تثبتها تارة وتحذفها أخرى، واللام
الثانية هي المعتمدة، والأولى زيادة كان سقوطها لا يخل بالكلام، واختص به
القسم، كقولهم آثراً ما، وربما، وما أشبه ذلك وأما قوله ولئن أرسلنا ريحاً
فرأوه مصفراً لظلوا من بعده يكفرون، والتقدير ليظلن، فوضع الماضي موضع
المستقبل ولأن جميع ما جاء في التنزيل على هذا الوجه فيما تقدم من الآي، من
قوله ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا، وقوله لئن آتانا من فضله
لنصدقن، وقوله ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكوناً من الصاغرين، وقوله
لئن لم تنته لأرجمنك، وقال لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم
الخامس
والثلاثون ما جاء في التنزيل من التجريدوهو باب شريف لطيف يعز وجوده في
كتبهم، وذلك نحو قولهم لئن لقيت فلاناً لتلقين منه الأسد، ولئن سألته
لتسألن منه البحر؛ فظاهر هذا أن فيه من نفسه أسداً أو بحراً، وهو عينه هو
الأسد والبحر، لا أن هناك شيئاً منفصلاً عنه وممتازاً منه، وعلى هذا يخاطب
الإنسان منهم نفسه حتى كأنها تقابله أو تخاطبه، وقد يكون ذلك بحرف الباء
ومن وحرف في فمن ذلك، قوله تعالى مالك من الله من ولي ولا نصير، أي مالك
الله ولياً؛ وكذا مالك من الله من ولي ولا واق وقال ولتكن منكم أمة يدعون
إلى الخير، أي كونوا أمة وقال واجعل لنا من لدنك ولياً أي كن لنا ولياً
واجعل لنا من لدنك نصيراً، أي كن لنا نصيراً وقال وهو الذي أنزل من السماء
ماء لكم منه شراب، أي لكم هو شراب وقال الله تعالى ذلك جزاء أعداء الله
النار لهم فيها دار الخلد أي لهم هي دار الخلد ومسألة الكتاب جاء بالباب
أما أبوك فلك به أب، أي لك منه أو به، أي بمكانه؛ أي بمكانه أب وقال عز من
قائل وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم أي بعذاب ربهم عذاب جهنم ويجوز أن يتعلق
الباء بنفس كفروا، فيكون على الأول الظرف معمول الظرف، وعلى الثاني يكون
الظرف معمول الظاهروأما قوله تعالى ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض
يخلفون فقد قال أبو علي جعلنا بدلكم ملائكة؛ لأن الإنس لا يكون منهم
ملائكة، وقال
كسونا من الربط اليماني ... ملاءً في بنائقها فصول
وإن جعلت من كالتي في قوله ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و
يأبى الظلامة منه النوفل الزفر
كان
التقدير ولو نشاء لجعلنا منكم مثل ملائكة، أي فلا تعصون كما لا يعصون،
فأجبرناكم على الطاعة وقال أبو علي لك به أب، أي بمكانه، فقولك بمكانه في
موضع ظرف والعامل فيه لك وكذلك لهم فيها دار الخلد فيها ظرف، والعامل فيه
لك وكذلك لهم فيها دار الخلد فيها ظرف، والعامل فيه لهم ويجوز على قول
الشاعر
أفادت بنو مروان قيساً دماءنا ... وفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل
أن يكون من قوله لهم فيها دار الخلد مستقراً، ولهم لغواً ألا ترى أن قوله
وفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل
لا
يكون إلا مستقراً، فإذا صح هذا هاهنا وجب جواز كونه مستقراً في الآية
أيضاً، وكما تجعل هذا بمنزلة الظرف كذلك تجعل الجار والمجرور في موضع
المفعول من قوله
بنزوة لص بعد ما مر مصعب ... بأشعث لا يفلي ولا هو يقمل
ومصعب
بفسه هو الأشعث وقالوا في هذا الدرهم خلف من هذا الدرهم، أي هذا الدرهم
خلف وكذلك لهم فيها دار الخلد أي لهم النار دار الخلد، وقال
أخو رغائب يعطيها ويسألها ... يأبى الظلامة منه النوفل الزفر
فأخو رغائب هو النوفل الزفر، فقال منه النوفل، وهو هو قال عثمان في قوله
وفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل
في
هذا غاية البيان والكشف، ألا ترى أنه لا يجوز أن يعتقد أن الله تعالى ظرف
لشيء ولا متضمن له، فهو إذاً على حذف المضاف، أي عدل الله حكم ومثله فاسأل
به خبيراً أي اسأل الله خبيراً
السادس والثلاثون ما جاء في التنزيل
من الحروف الزائدة في تقدير وهي غير زائدة في تقدير آخرفمن ذلك قوله تعالى
فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا، إن شئت كان التقدير فإن آمنوا مثل
ما آمنتم به، فتكون الباء زائدة وإن شئت كان التقدير فإن آمنوا بمثل ما
آمنتم والوجه الأول أحسن ومثله أو كالذي مر على قرية، إن شئت كان التقدير
ألم تر إلى الذي حاج، وإلى الذي مر، وتكون الكاف زائدة وقد تقدم فيه وجه
آخر ومن ذلك قوله تعالى وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى
التهلكة إن شئت كانت الباء زائدة، أي لا تلقوا أيديكم، وعبر بالأيدي عن
الذوات وإن شئت كان التقدير ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم، وألقى فعل متعد،
بدليل قوله وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم قال أبو علي الباء الجارة
للأسماء تجيء على ضربين أحدهما أن تكون زائدة والآخر أن تكون غير زائدة
والزائدة تلحق شيئين أحدهما جزء من الجملة والآخر فضلة عن الجملة، أو ما هو
مشبه بها فأما الجزء من الجملة فثلاثة أشياء مبتدأ، وخبر مبتدأ، وفاعل
مبني على فعله الأول، أو على مفعول بني على فعله الأول من ذلك، وهو دخولها
على المبتدأ زائدة ففي موضع واحد في الإيجاب، وهو قولهم بحسبك أن تفعل
الخير، ومعناه حسبك فعل الخير، فالجار مع المجرور في موضع رفع بالابتداء،
ولا نعلم مبتدأ دخل عليه حرف الجر في الإيجاب غير هذا الحرف فأما غير
الإيجاب فقد دخل الجار غير الباء عليه، وذلك نحو قوله هل من رجل في الدار؟
وقال هل لك من حاجة، وقال هل من خالق غير الله فأما قوله فهل لنا من شفعاء
فيشفعوا فمن رفع ما بعد الظرف بالابتداء كان قوله هل من خالق غير الله
كذلك، ومن رفعه بالظرف كان في موضع الرفع بالفعل كما يرتفع بالظرف، كقوله
أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير، وقوله أن ينزل عليكم من خير من ربكم
أما الثاني دخولها على خبر المبتدأ في موضع، في قول أبي الحسن الأخفش، وهو
قوله جزاء سيئة بمثلها، زعم أن المعنى جزاء سيئة مثلها، وكأنه استدل على
ذلك بالآية الأخرى وهو قوله وجزاء سيئة سيئة مثلها ومما يدلك على جواز ذلك
أن ما يدخل على المبتدأ قد تدخل على خبره لام الابتداء التي دخلت على خبر
المبتدأ، في قول بعضهم إن زيداً وجهه لحسن وقد جاء في الشعر
أم الحليس لعجوز شهربه
والذي
أجازه أبو الحسن أقوى من هذا في القياس، وذلك أن خبر المبتدأ يشبه الفاعل
من حيث لم يكن مستقلاً بالمبتدأ، كما كان الفعل مستقلاً بالفاعل، وقد دخلت
على الفاعل فيما تدخله بعد، فكذلك يجوز دخولها على الخبر وقد تحتمل الآية
وجهين غير ما ذكر أبو الحسن
أحدهما أن تكون الباء مع ما قبلها في
موضع الخبر، وتكون متعلقة بمحذوف، كما يقال ثوب بدرهم، ولا يمتنع هذا من
حيث قبح الابتداء بالنكرة، لمعنى العموم فيه وحصول الفائدة به والآخر أن
تكون الباء من صلة المصدر وتضمر الخبر لأنك تقول جزيتك بكذا، فيكون التقدير
جزاء سيئة بمثلها واقع، أو كائن الثالث دخولها على الفاعل المبني على
فعله، وذلك في موضعين أحدهما قوله وكفى بالله والأخر قولهم في التعجب أكرم
به فالدلالة على زيادتها أن قولهم كفى بالله وكفى الله واحد، وأن الفعل لم
يسند إلى فاعل غير المجرور وفي التنزيل وكفى بالله شهيداً، وكفى بالله
حسيباً، وكفى بجهنم سعيراً، والتقدير في كل هذا كفاك الله شهيداً، وكفاك
الله حسيباً، وكفت جهنم سعيراً؛ وكذلك وكفى بنا حاسبين، أي كفيناك حاسبين
قال الشاعر
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
وتقول مررت برجل كفاك به،
وبرجلين كفاك بهما، وبرجال كفاك بهم، فتفرد الفعل لأن الفاعلين بعد الباء،
وإن لم تلحق الباء قلت مررت برجال كفاك من رجل، وبرجلين كفياك من رجلين،
ورجال كفوك من رجال وأما الدلالة على زيادتها في قولهم أكرم به، وقوله أسمع
بهم وأبصر، فهي أن الفعل لا يخلو من أن يكون للمخاطب أو الغائب، فلو كان
للمخاطب لثني فيه الفاعل تثنيته للمخاطب وجمع بجمعه وأنث لتأنيثه، فلما
أفرد في جميع الأحوال ولم يعتبر به الخطاب علم أنه ليس لمخاطب، وإذا لم يكن
له ثبت أنه للغائب ويدل على ذلك أيضاً أن المعنى إنما هو على الإخبار عن
المخاطب، ألا ترى أن قولهم أكرم به، يراد به أنه قد كرم، وإنما دخلت الهمزة
على حد ما دخلت في قولهم أجرب الرجل، وأقطف، وأعرب، وألأم، وأعسر، وأيسر،
إذا صار صاحب هذه الأشياء، وكذلك أكرم معناه صار ذا كرم، وأسمع بهم وأبصر
صاروا ذوي بصر وسمع، خلاف من قال تعالى فيه ومن كان في هذه أعمى فهو في
الآخرة أعمى فإن قلت كيف جاء على لفظ الأمر؟ قيل كما جاء قل من كان في
الضلالة فليمدد له الرحمن مداً، والمعنى فمد له الرحمن مدا والموضوع الآخر
من الموضعين الذي لحقت الباء بهما زائدة، وهو أن يكون فضلة عن الجملة، أو
مشبهاً بها، فالمشبه كقوله ألست بربكم وما هو بمزحزحه وما أنتم بمؤمنين،
وقوله ليسوا بها كافرين فالباء الأولى متعلقة باسم الفاعل والثانية التي
تصحب ليس قال وما هم منها بمخرجين والآخر زيادتها في المفعول، كقوله ولا
تلقوا بأيديكم فأما قوله تعالى وهزي إليك بجذع النخلة، فقد قيل الباء زيادة
وقد قيل التقدير بهز جذع النخلة ومن ذلك قوله تنبت بالدهن، أي تنبت الثمرة
بالدهن، فحذف المفعول، فيكون الباء حالاً وقيل التقدير تنبت الدهن، والباء
زائدة وأما قوله تعالى بأيكم المفتون، فقد قيل الباء زائدة، والتقدير أيكم
المفتون وقد قيل المفتون بمعنى الفتنة، أي بأيكم الفتنة، كما يقال ليس له
معقول، أي عقل فأما قوله تعالى وجزاء سيئة بمثلها، أي جزاء سيئة مثلها،
لقوله في الأخرى جزاء سيئة سيئة مثلها وأما قوله تعالى عيناً يشرب بها
فالباء زائدة وقيل بل هي بمعنى من وقيل بل هي محمول على المعنى، أي يروى
بها وينتفع وقيل شربت بالعين، حقيقة، و من العين، والعين، مجازاً، لأن
العين اسم للموضع الذي ينبع منه الماء، فهو كقولك شربت بمكان كذا، ولهذا
يقال ماء العين، وماء السبيل، ثم توسع واجتزئ باسم العين عن الماء، لما كان
لا يسمى المكان عيناً إلا ينبوع الماء منه فأما قوله عيناً فالتقدير ماء
عين، أي يشربون من كأس موصوفة بهذا ماء عين وقيل بل عين بدل من كافور، لأن
كافور اسم عين في الجنة وقيل هو نصب على المدح ومن زيادة الباء قوله ألم
يعلم بأن الله يرى ةالتقدير ألم يعلم أن الله يرى، لقوله ويعلمون أن الله
ومن ذلك قوله ومن يرد فيه بإلحاد بظلم، وقال تلقون إليهم بالمودة، ومثله
اقرأ باسم ربك أي اقرأ اسم ربك، لقوله فإذا قرأناه ومن ذلك قوله تعالى أو
لم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر، فالباء في
بقادر، زائدة، لأنه خبر أن وجاءت زيادتها للحاق النفي أول الكلام وأما قوله
ليس كمثله شيء فالكاف زائدة، والتقدير ليس مثله شيء، لأن حمله على الظاهر
يوجب إثبات المثل وقيل الباء بمعنى الصفة، أي ليس كصاحب صفته شيء، وصاحب
صفته هو هو
وقيل بل المثل زيادة وقد تزاد من في النفي بلا خلاف، نحو
قوله ما لكم من إله غيره أي مالكم إله، وكقوله هل من خالق غير الله، وقوله
وما من إله إلا الله، وما من إله إلا إله واحد فأما زيادتها في الواجب فلا
يجوز عند سيبويه، وهو جائز عند الأخفش، وقد تقدم ذلك فيما مضى، كقوله تعالى
فكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً و فكلوا مما أمسكن عليكم وقد تقدم ذلك
وقد تزاد الفاء، كقوله لا تحسبن الذين يفرحون إلى قوله فلا تحسبنهم بمفازة
من العذاب، فالفاء زائدة وقد تزاد اللام أيضاً، كقوله للذين هم لربهم
يرهبون، وقوله إن كنتم للرؤيا تعبرون، وقوله ردف لكم بعض الذي تستعجلون
وقوله وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت، وقد تقدم وقد تزاد الواو، قال الفراء
في قوله تعالى حتى إذا فتحت يأجوج، جوابه قوله واقترب الوعد الحق، الواو
مقحمة وقال فلما أسلمنا وتله للجبين، الواو زائدة أي تله وقال إذا السماء
انشقت وأذنت لربها وحقت، الواو مقحمة وعندنا أن أجوبة هذه الأشياء مضمرة،
وقد تقدم
السابع والثلاثون ما جاء في التنزيل من التقديم والتأخير
وغير ذلكفمن ذلك قوله تعالى كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم، قيل الكاف تتعلق
بقوله ولأتم نعمتي عليكم وقيل بل هو متعلق بقوله فاذكروني، أي اذكروني كما
أرسلنا فيكم ومثله قوله ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب قال أبو
علي كما متعلق ب فليكتب، بمنزلة فامرر ولا تحمل على أن يكتب كما علمه الله
فأما قوله وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل
إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً يجوز أن يكون الوقوف
على خاشعين واللام من صلة يشترون، أي لأجل الله لا يشترون و يجوز أن يكون
وما أنزل إليهم تماماً، ويكون التقدير لا يشترون بآيات الله خاشعين لله،
فيكون حالاً مقدماً ومثله في التقديم قوله يسبحون الليل قال أحمد بن موسى
والنهار لا يفترون، أي لا يفترون النهار، فهو في نية التقديم ومن ذلك قوله
تعالى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، أي لا تؤمنوا أن يؤتي أحد إلا لمن تبع
دينكم، فأن يؤتي مفعول لا تؤمنوا وقدم المستثنى فدل على جواز ما قدم إلا
زيداً أحد ومن ذلك قوله تعالى وإذ ابتلى إبراهيم ربه، وقال لا ينفع نفساً
إيمانها، فالمفعول مقدم على الفاعل، ووجب تقديمه هاهنا، لأن تأخيره يوجب
إضماراً قبل الذكر ومن ذلك فأوجس في نفسه خيفة موسى أي أوجس موسى في نفسه،
فقدم الكناية على المكنى عليه، كما كان في نية التأخير، فدل على جواز ضرب
غلامه زيد ومن ذلك قوله ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر
التقدير ليغفر لنا خطايانا من السحر ولم يكرهنا عليه، فيمن قال إن ما نافية
ومن ذلك قوله تعالى خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث هذا كقولهم راكباً
جاء زيد، والتقدير يخرجون من الأجداث خشعاً أبصارهم ومن ذلك قوله في البقرة
ومما رزقناهم ينفقون، أي يقيمون الصلاة وينفقون مما رزقناهم؛ ففصل بين
الواو والفعل بالظرف ومثله فبشرناها بإسحاق ويعقوب ومن وراء إسحاق يعقوب،
فيمن فتح الباء، أي بشرناها بإسحاق ويعقوب من وراء إسحاق، ففصل بين الواو
والاسم بالظرف وقد تقدم هذا في غير موضع وحمله قوم على إضمار فعل، وآخرون
على إضمار الجار والمجرور ومن ذلك قوله تعالى ويتلوه شاهد منه ومن قبله
كتاب موسى، أي كتاب موسى من قبله، ففصل بين الواو وبين ما عطف به عليه على
شاهد بالظرف نظيره في الأحقاف قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد
شاهد من بني إسرائيل على مثله إلى قوله ومن قبله كتاب موسى كتاب معطوف على
قوله شاهد، أي وشهد شاهد وكتاب موسى من قبله وكذلك قوله ربنا واجعلنا
مسلمين لك ومن ذريتنا أمة، أي وأمة مسلمة لك من ذريتنا ومثله خلق سبع سموات
ومن الأرض مثلهن، أي ومثلهن من الأرض
والذي نص عليه في الكتاب أن
الفصل بين الواو والمعطوف بالظرف وغيره، إنما يقبح إذا كان المعطوف
مجروراً، ولم يذكر في المنصوب والمرفوع شيئاً وقال أبو علي قياس المرفوع
والمنصوب كقياس المجرور، قال لأن الواو نابت عن العامل وليس بعامل في
الحقيقة، فلا تتصرف فيه كما لا تصرف في معمول عشرين، لما كان فرعاً على باب
ضاربين وحمل هذه الآي على إضمار فعل آخر فقال التقدير في قوله ومن الأرض
مثلهن أي وخلق من الأرض مثلهن وقال في قوله ومن ذريتنا أمة مسلمة لك
التقدير واجعل من ذريتنا أمة مسلمة لك ولعله يحمل كتاب موسى في الآيتين على
الابتداء، والظرف على الخلاف، ولا يحمله على المرفوع الظاهر، وقال لو قلت
هذا ضارب زيد أمس وغداً عمرو، امتنع الجر والنصب في عمرو والذي نص عليه
سيبويه في باب القسم عند قوله والله لأقومن ثم الله لأقتلن فقال هو رديء
خبيث على تقديم الله لأقتلن قال أبو علي وإنما جاء الفصل بين الواو
والمنصوب والمرفوع في الشعر دون سعة الكلام وقال قوم في قوله ومن الأرض
مثلهن فيمن نصب إنه حال، على تقدير وهو من الأرض مثلهن، أي الخلق من الأرض،
أي كان من الأرض مثلهن، فجعل الجار الخبر وأضمر المبتدأ، وفيمن رفع مثلهن
أظهر، على تقدير وهو مثلهن من الأرض وقد نبهتك على الأبيات في البيان ومن
ذلك قوله تعالى يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة، التقدير عند الفراء
يستفتونك في الكلالة قل الله يفتيكم، فأخر ومثله قال آتوني أفرغ عليه
قطراً، والتقدير عنده آتوني قطراً أفرغه عليه، فأخر وقال فخذ أربعة من
الطير فصرهن إليك، أي خذ إليك، عند الفراء ومثله لكيلا يعلم بعد علم شيئاً
في الموضعين، أي لكي لا يعلم شيئاً من بعد علم علماً، أي من بعد علمه، فأخر
عند الفراء فأما قوله تعالى والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا
أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، فقوله بالله يجوز
أن يكون من صلة الشهادة، ومن صلة الشهادات، إذا نصب الأربع وقياس من أعمل
الثاني أن يكون قوله بالله من صلة شهادات، وحذف من الأول لدلالة الثاني
عليه، كما تقول بالله من صلة شهادات، وحذف من الأول لدلالة الثاني عليه،
كما تقول ضربت وضربني، ومن رفع فقال فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله، فإن
الجار والمجرور من صلة شهادات، ولا يجوز أن يكون من صلة شهادة، لأنك إن
وصلتها بالشهادة فقد فصلت بين الصلة والموصول، ألا ترى أن الخبر الذي هو
أربع شهادات بالله يجوز أن يكون من صلة شهادة أحدهم فتكون الجملة التي هي
إنه لمن الكاذبين في موضع نصب، لأن الشهادة كالعلم فيتعلق بها إن كان كما
يتعلق بالعلم، والجملة في موضع نصب بأنه مفعول به، وأربع شهادات ينتصب
انتصاب المصادر ومن رفع أربع شهادات لم يكن قوله لمن الكاذبين إلا من صلة
شهادات دون شهادة، كما كان قوله بالله من صلة شهادة ففصلت بين الصلة
والموصول ومن ذلك قوله وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً،
والتقدير وأنهم ظنوا أن لن يبعث الله أحداً كما ظننتم وقال الله تعالى وهزي
إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً، أي هزي إليك رطباً تساقط عليك فهذه
الآي محمول على الفعل الثاني عندنا، وما يقتضيه الأول مضمر، وهم يحملون
الأول دون الثاني ويضمرون الثاني ويفصلون بالثاني بين الأول ومقتضاه ومن
التقديم والتأخير فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم،
التقدير فلا أقسم بمواقع النجوم، إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا
المطهرون وإنه لقسم لو تعلمون عظيم وفصل بين الصفة والموصوف بالجملة، وهو
لو تعلمون، وبين القسم وجوابه بقوله وإنه لقسم ومن ذلك قوله فسبحان الله
حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون
والتقدير وحين تصبحون وعشياً، فأخر واعترض بالجملة ومن التقديم والتأخير
قراءة ابن عامر وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم، والتقدير
قتل شركائهم أولادهم، فقدم المفعول على المضاف إليه، قالوا وهذا ضرورة ليس
بضرورة، لأنه قد كثر عندهم ذلك، وأنشدوا فيه أبياتاً جمة فمن ذلك قوله
كأن أصوات من إيغالهن بنا ... أواخر الميس أصوات الفراريج
أي كأن أصوات أواخر الميس وقال
هما أخوا في الحرب من لا أخا له
أي هما أخو من لا أخ له في الحرب
وقال
بين ذراعي وجبهة الأسد
أي بين ذراعي الأسد وجبهته وقال
كأن برذون أبا عصام ... زيد حمار دق باللجام
أي
برذون زيد يا أبا عصام حمار دق باللجام ومن ذلك ما قاله أبو الحسن في قول
الله تعالى من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس
أي إنه لراد من شر الوسواس الخناس من الجنة والناس الذي يوسوس في صدور
الناس ومنه قوله تعالى اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا
يرجعون، أي اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم
وقيل في قوله والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة إن
تقديره والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة ثم يعودون قال أبو الحسن
المعنى فتحرير رقبة لما قالوا ثم يعودون إلى نسائهم فإن قلت كيف جاز أن
تقدر لما قالوا متعلقاً بالمصدر، وهو متقدم قبله؟ قيل لا يمتنع أن يتقدم
على وجه التبيين، ليس إنه متعلق بالصلة، ألا ترى قوله
تقول ودقت نحرها بيمينها ... أبعلي هذا بالرحى المتقاعس
وقوله
كان جزائي بالعصا أن أجلدا
لم
يجعلوه متعلقاً بجزائي، ولكن جعلوه تبييناً للجلد، وكذلك ما ذكره أبو
الحسن وأما التقديم والتأخير الذي قدر، فمثله كثير، ويجوز أن يكون التقدير
والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون للقول، والقول في المعنى المقول،
كالخلق بمعنى المخلوق، ألا ترى أن الذي يعاد هو الجسم، فلهذا كان الخلق
بمعنى المخلوق، في قوله هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده فإن قلت وكيف وقع
اللام موقع إلى في قولك عدت إلى كذا فإنه لا يمتنع، ألا ترى أنه قد جاء قل
يهدي للحق على أن اللام في قول من يخالف في هذا التأويل بمعنى إلى ومثله
فاستمع إلى لما يوحى، أي فاستمع إلى ما يوحى لا بد من ذلك، لا سيما في
قراءة الزيات وأنا اخترتك فاستمع، ويكون التقدير فاستمع لأنا اخترناك إلى
ما يوحى، ولو لم تحمله على هذا لكان التقدير فاستمع لأنا اخترناك لما يوحى،
فتعلق اللامين بقوله فاستمع، وقد قال لا يتعدى فعل بحر في جر متفقين فإن
قلت ولم لا تحمل وأنا اخترتك على نودي في قوله نودي يا موسى أني أنا ربك
وأنا اخترتك، أي نودي بأني أنا ربك وأنا اخترتك قيل إن اخترناك قراءة حمزة،
وهي تقرأ إني أنا ربك، مكسورة الألف، فكيف تحمله عليه وقد ذكرنا ما في هذا
البيان والاستدراك ومن ذلك قوله تعالى إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله
قرضاً حسناً يضاعف لهم اضطرب قول أبي علي في هذه الآية، وله كلام في الحجة
وكلام في الإغفال وكلام في الحليبات وهو أجمع الثلاثة قال في الحليبات
والقول
في أن حرف العطف في قوله وأقرضوا لا يخلو من أن يكون عطفاً على الفعل
المقدر في صلة المصدقين أو على غيره إن قوله وأقرضوا الله لا يجوز أن يكون
معطوفاً على الفعل المقدر في الموصول الأول، على أن يكون التقدير إن الذين
صدقوا وأقرضوا الله، وذلك أنك إذا قدرته هذا التقدير فقد فصلت بين الصلة
والموصول بما ليس منهما، وما هو أجنبي، والفصل بين الصلة والموصول بالأجنبي
وما ليس منهما لا يصح، ولذلك لم يجيزوا رأيت القائمين وزيداً إلا عمراً،
وهذا النحو من المسائل؛ لأن زيداً معطوف على رأيت، والاستثناء من الصلة من
حيث كان المستثنى معمول الفعل الذي فيها، فقد فصلت بينهما بالمعطوف، ولم
يجز ذلك كما لم يجز أن يكون وأقرضوا معطوفاً على صدقوا المقدر في الصلة،
لفصل المصدقات المعطوف على ما بينهما وإنما لم يجز ذلك لأن العطف على
الموصوف وغيره في الأسماء يؤذن بتمامه، ألا ترى أنك لا تعطف على الاسم من
قبل أن يتم بجميع أجزائه، فإذا كان العطف يؤذن بالتمام فعطفت ثم أتيت بعد
العطف بما هو من تمامه فقد زعمت أنه تام غير تام، فنقضت بذكرك ما بقي من
الصلة ما قدمته من حكم التمام بالعطف، وكان مدافعاً غير مستقيم ولا يستقيم
أن يكون قوله وأقرضوا الله، في هذه الآية، محمولاً على المقدر في الصلة،
كما كان قوله فأثرن به نقعاً على المقدر من قوله فالمغيرات صبحاً فأثرن به
نقعاً، لأنك لم تزد في هذا الموضع على أنك عطفت على الموضع ولم تفصل بين
الصلة والموصول بأجنبي منهما، كما فصلت بالمعطوف بينهما في الأخرى، والحمل
على المعنى في هذا النحو من العطف مستقيم حسن، فإذا لم يجز أن يكون معطوفاً
على الصلة لم تحمله على ذلك، ولكن على وجوه أخر، منها أن تجعل العطف
اعتراضاً بين الصلة والموصول وإن شئت كملته على أن الخبر غير مذكور وإن شئت
جعلت المعطوف والمعطوف عليه بمنزلة الفاعلين وجعلت العطف عليهم وأما حمله
على الاعتراض فهو أرجح الوجوه عندي، لأن الاعتراض قد شاع في كلامهم واتسع
وكثر، ولم يجر ذلك عندهم مجرى الفصل بين المتصلين بما هو أجنبي منهما، لأن
فيه تسديداً وتثبيتاً، فأشبه من أجل ذلك الصفة والتأكيد، فلذلك جاء بين
الصلة والموصول في الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر والمفعول وفعله، وغير ذلك
فما جاء من ذلك من الصلة والموصول قوله تعالى والذين كسبوا السيئات جزاء
سيئة بمثلها وترهقهم ذلة وكقوله
ذاك الذي وأبيك يعرف مالك ... والحق يدفع ترهات الباطل
فإذا
جاء الفصل بين الصلة والموصول بما ذكرنا من الاعتراض فإنه يجوز الفصل بين
اسم إن وخبرها بالاعتراض الذي هو قوله وأقرضوا الله قرضاً حسناً أحرى، لأن
اتصال الصلة بالموصول أشد من اتصال المبتدأ بالخبر، ألا ترى أنهما يجريان
مجرى الاسم الواحد، وأن المبتدأ قد يحذف خبره ولا يستعمل إثباته وقوله
يضاعف لهم على هذا التأويل في الآية في موضع رفع بإن خبر المبتدأ ومما جاء
من الاعتراض بين الفعل والفاعل قوله
ألا هل أتاها والحوادث جمة ... بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا
فالمبتدأ والخبر اعتراض، والجار والمجرور في موضع رفع بأن فاعل، كما أنهما في كفى بالله كذلك، وإذا جاز في الفعل والفاعل كان المبتدأ والخبر أجوز ومن الاعتراض بين الصفة والموصوف قوله تعالى ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون كما أن قوله لو تعلمون كذلك، والمعنى في لو تعلمون اعلموا، كما تقول لو قمت، أي قم وزعم أبو الحسن أن الماضي في هذا المعنى أكثر من المضارع وإن حملت على أن الخبر غير مذكور ولم تجعل قوله وأقرضوا الله اعتراضاً، ولكن جملة معطوفة على ما تقدم، جاز في قوله والمصدقات أمران
أحدهما أن تكون الواو بمنزلة مع، على أن تكون قد سدت مسد خبر المبتدأ، كما انك لو قلت إن المصدقين مع المصدقات، كان كذلك، ألا ترى أنه لما كان معنى قولك أقائم الزيدان أيقوم الزيدان، استغنيت بالفاعل عن خبر المبتدأ، وإن كان قد ارتفع قائم ارتفاع المبتدأ، فكذلك قولك والمصدقات، وإن كان منتصباً بالعطف على إن، فإنه سد مسد الخبر، فلا يحتاج مع ذلك إلى تقدير خبر، كما لم يحتج إليه في قولك أقائم الزيدان ومثل ذلك قولهم الرجال وأعضادها، والنساء وأعجازها؛ لما كان المعنى كذلك، يدخلان على هذا الحد، فيكون المعنى إنهم معهن في نيل الثواب وارتفاع المنزلة فإذا حملت على ذلك جاز بلا خلاف فيها وقد يجوز أن تضمر لهذا النحو خبراً، فيكون التقدير كل رجل وضيعته مقرونان؛ وعلى هذا تضمر أيضاً في خبر إن في قوله إن المصدقين والمصدقات أي إن المصدقين والمصدقات يفلحون، أو مضاعف لهم، ونحو ذلك مما ذكروا به في التنزيل، ويكون موضع يضاعف نصباً صفةً للقرض وإن شئت جعلته جملة مستأنفة، إلا أنك لم تلحق الواو، أو لالتباس أحدهما بصاحبه، وقوله ولهم أجر كبير مستأنف ومن شاء جعل ما قبله وصفاً، إذ لا تعلق بالموصوف وإن شئت جعلته حالاً من لهم في قوله يضاعف لهم وإن شئت جعلت المعطوف والمعطوف عليه بمنزلة الفاعلين، وجعلت قوله وأقرضوا معطوفاً على ذلك، لأن معنى المصدقين والمصدقات كمعنى إن الناس المصدقين فإذا كان ذلك معناه جاز أن يعطف وأقرضوا عليه كما كان يحوز ذلك لو أبرزت ما هذا المذكور في معناه وموضعه وعلى هذا الوجه حمله أبو الحسن؛ لأنه قال في تفسيرها لو قلت الضاربه أنا، وقمت زيد، كان جائزاً، كأنه يريد إنه كما استقام أن يحمل الضارب على ضرب فتعطف قمت عليه، كذلك يستقيم أن تجعل الفاعلين، فتحمل وأقرضوا عليه، إذ لا يستقيم عطف وأقرضوا على الصلة الأولى، ولأن العطف على المعنى قد جاء في الصلات وغيرها كثيراً، فأفهمه ومن التقديم والتأخير قوله تعالى ذلك جزيناهم ببغيهم، أي جزيناهم ذلك، فقدم المفعول الثاني وقال ذلك جزيناهم بما كفروا، أيجزيناهم ذلك بكفرهم وقال وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها أي مجرميها أكابر وقال وجعلوا لله شركاء الجن، أي الجن شركاء وقال والله يؤتي ملكه من يشاء أي يؤتي من يشاء ملكه وقال تؤتي الملك من تشاء، أي تؤتي من تشاء الملك وأما قوله تعالى وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة جاء في التفسير أن قريشاً في الجاهلية كانت تكثر التزوج بغير عدد محصور، فإذا كثر على الواحد منهم مؤن زوجاته وقل ماله مد يده إلى ما عنده من أموال اليتامى، فحل له الأربع وإلى هذا الوجه أشار أبو علي بعدما حكى عن أبي العباس في كتابه في القرآن تعجب الكسائي من كون فانكحوا ما طاب لكم جواباً لقوله وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى قال وقاله أبو عبيد، وليس هذا الجواب، فإنما الجواب في قوله فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم، كأنه قال فإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة فقال أبو علي جواب إن خفتم الفاء في فواحدة، كأنه في التقدير إن خفتم ألا تقسطوا، إن كثرت عليكم مؤن الزوجات وأحوجتهم إلى مال اليتامى أي فانكحوا واحدة وقوله فانكحوا ما طاب اعتراض بين الشرط والجزاء، مثل قولك إن زيداً - فافهم ما أقول - رجل صدق قال ولما كان الكلام باعتراض الجملة المسددة للشرط كرر الشرط ثانياً، فقيل فإن خفتم ألا تعدلوا وهو قوله وإن خفتم ألا تقسطوا وهذه الجملة متأخرة معنىً، أي في حال الضيق واحدة، وفي السعة أربع والقصة عن عكرمة والشرح لأبي علي قال قوم إنهم كانوا يتوقون أموال اليتامى ولا يتوقون الزنا، فقيل كما خفتم في ذا فخافوا الزنا وأتوا الكلالة عن مجاهد وقيل كانوا يخافون ألا يعدلوا في أموال اليتامى ولا يخافون أن يعدلوا في النساء عن سعيد بن جبير وقيل التقدير ألا تقسطوا في نكاح اليتامى فانكحوا ما حل لكم من غيرهن من النساء عن عائشة وروي عن عروة عن عائشة أنها قالت كان الناس يتزوجون اليتامى ولا يعدلون بينهن، ولم يكن لهن أحد يخاصم عنهن، فنهاهم الله عن ذلك، وقال وإن خفتم
ومن ذلك قوله تعالى ذلك هو الضلال البعيد يدعو لمن ضره أقرب من نفعه ذلك منصوب بيدعو، ويكون ذلك بمعنى الذي والجملة بعده صلة وقال الفراء بل اللام في لمن ضره في نية التأخير، والتقدير من لضره، وهو خطأ، لأن الصلة لا تتقدم على الموصول وقيل إن من ليس في موضع مفعول يدعو، لأنه مكرر من الأول معاد للتوكيد، واكتفى من مفعوله بمفعول الأول، وكرر تفظيعاً للأمر في عبادة الأصنام، وقوله لمن ضره على هذا مبتدأ، وخبره لبئس المولى ووجه ثالث وهو أن يكون يدعو بمعنى يقول كقول القائل ما يدعى فلان فيكم؟ أي ما يقال له؟ وكذلك يدعون عنته، أي يقولون يا عنته، أي يقولون الذي ضره أقرب من نفعه هو إلهنا، ويكون الخبر محذوفاً لدلالة الكلام عليه ووجه رابع وهو أن يكون يدعو من تمام الضلال البعيد، أي يدعوه، ويدعوه في موضع الحال للمبتدأ، والتقدير ذلك هو الضلال البعيد داعياً، أي في حال دعايته إياه ولمن ضره ابتداء، وخبره لبئس المولى ولا يكون لبئس المولى خبراً في قول من يقول إن يدعو بمعنى يقول، لأن المنافق لا يقول إن الصنم والله لبئس المولى وإن قلت إنه لا يقول أيضاً ضره أقرب من نفعه، وإنما يقول غير ذلك، فإن ذلك على اعتقادنا ما فيه من كونه ضاراً، على تقدير أن المنافق يقول الصنم إله، ثم يأخذ في ذمه ومن ذلك قراءة من قرأ أن هذه أمتكم أمة واحدة بالفتح، لأن التقدير ولأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون، أي فاتقون هذا ومثله وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً المعنى ولأن المساجد لله فلا تدعو وكذلك عند الخليل، لإيلاف قريش كأنه فليعبدوا رب هذا البيت لإيلاف قريش، أي ليقابلوا هذه النعمة بالشكر والعبادة للمنع بها فأما قوله وأن الله ربي وربكم فاعبدوه في سورة مريم، فيجوز أن يكون على هذا فاعبدوه لأنه ربي وربكم ولكن أبا علي حمله على قوله أوصاني بالصلاة والزكاة بأن الله ربي وأما قوله وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه فيكون مثل هذا، والفاء في قوله فاتبعوه مثل الفاء في قوله بزيد فامرر والفاء في قوله الثاني عاطفة جملة على جملة، وعلى القول الأول زيادة وقال الفراء فيمن فتح وأن هذا صراطي إنه محمول على الهاء من قوله ذلكم وصاكم به، أي به وبأن هذا وهكذا قال أيضاً في قوله وأنه تعالى جد ربنا إنه محمول على قوله فآمنا به وبأنه تعالى وقد ذكرنا أن عطف الظاهر على المضمر لا يجوز، وقد جوز في خمس آيات هذا الوجه، فهاتان، وقوله وكفر به والمسجد الحرام وقوله تساءلون به والأرحام فيمن جر؛ وقوله وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له وقد أبطلنا ذلك كله في غير موضع ومن ذلك قوله يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة إلى قوله أو جاء أحدكم من الغائط أو لامستم النساء قال الشافعي في مس أحد الزوجين إنه ينقض وضوء الماس، واحتج بهذه الآية وقال لنا متى حملنا الآية على اللمس باليد صارت الآية حاجة لبيان الطهارتين وبيان أنواع الحدث الأصغر، فإن الآية نزلت في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله - وكانوا عرسوا فالمعنى إذا قمتم إلى الصلاة، أي عن التعريس والنوم، فاغسلوا، فيكون بيان النوم حدثاً وما هو بمعناه مما يوجب استطلاق وكاء الحدث من الإغماء والجنون ثم قال أو جاء أحد منكم من الغائط، وكان بياناً لجميع ما يخرج من المخرج المعتاد دلالة، وكان في الآية تقديم وتأخير، أي إذا قمتم عن النوم، أو جاء أحد منكم من الغائط، أو لامستم النساء، أي مسستم باليد، فيكون بيان أن المس حدث، إذ هو سبب اشتهاء، فاغسلوا وجوهكم فإن عدمتم الماء فتيمموا، من غير ذكر أسباب الحدث، لأن البدل يتعلق بما يتعلق به الأصل، فلا يفتقر إلى بيان زائد ومتى لم يجعلوا هكذا كانت الآية ساكتة عن بيان أنواع الحدث وعندنا المراد بالآية الجماع، مجازاً، كما في قوله تعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن،ولأنا أجمعنا أن الجماع مراد، فإن الشافعي أباح التيمم للجنب، وذكر أنه في كتاب الله تعالىإلا هاهنا، فبطل أن تكون الحقيقة، إلا أنه يقول أبحت التيمم للجنب، لأن الله تعالى جعله بدلاً عن الوضوء والاغتسال جملة
وعن ابن عمر وابن مسعود أنهما كانا يحملان الآية على المس باليد، وكانوا لا يبيحون التيمم للجنب، فدل أن تأويل الآية بالإجماع ليس على التقديم والتأخير، ولا يصار إلى التقديم والتأخير إلا بدليل قاطع يمنع من حمله على الظاهر، على ما ذكرناه قبل في هذه الآي وكذلك قوله تعالى بل الله فاعبد، أي فاعبد الله، فقدم المفعول وأما قوله تعالى واتبعوا ما تتلوا الشياطين فهو في نية التقديم و التأخير، والتقدير نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم واتبعوا ما تتلوا الشياطين، فاتبعوا معطوف على نبذ، وقوله كأنهم لا يعلمون في موضع الحال، أي نبذوه مشابهين الجهال وقوله وما أنزل على الملكين، في ما قولان أحدهما أنه بمعنى الذي، فيكن نصباً عطفاً على السحر على ما تتلو، أو جراً بالعطف على ملك سليمان والثاني أن يكون نفياً بالعطف على قوله وما كفر سليمان أي وما كفر سليمان على الملكين ويقال إن سحرة اليهود زعموا أن الله تعالى أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان، فأكذبهم الله بذلك، فيكون التقدير وما كفر سليمان وما أنزل على الملكين، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس ببابل هاروت وماروت؛ فعلى هذا اختلفوا فيهما على ثلاثة أقوال الأول أن هاروت وماروت رجلان من سحرة أهل بابل تعلما السحر من الشياطين الثاني أنهما شيطانان من مردة الشياطين خصا بالذكر من بينهم لتمردهما، والسحر من استخراج الشياطين للطافة جوهرهم ودقة أفهامهم، لأن أفعال الحيوان مناسبة وقيل إنهما ملكان من الملائكة أهبطهما الله على صورة الإنس لئلا ينفروا منهما وقيل سبب هبوطهما أن الله تعالى أهبطهما ليأمرا بالدين وينهيا عن السحر، لأن السحر كثر في ذلك الزمان وانتشر واختلف من قال بهذا هل كان للملكين تعليم الناس السحر أم لا؟ على قولين أحدهما أن الملكين كانا يعلمان الناس السحر وينهيان عن فعله، ليكون النهي عنه بعد العلم به، لأن ما لا يعلم أنه سحر لا يمكن الاحتراز منه، كالذي لا يعرف الكفر لا يمكنه الامتناع منه، فيكون التعليم إذاً بالنهي عنه عن علي بن أبي طالب، صلوات الله عليه والثاني أنه لم يكن للملكين تعليم السحر ولا إظهاره للناس، لما في تعليمه من الإغراء بفعله، ولأن السحر قد كان فاشياً، فأهبط الملكان بمجرد النهي قال ابن بحر جملة هذا أن تلا بمعنى كذب يقال تلا أي كذب يقول نبذ هذا الفريق كتاب الله وراء ظهورهم واتبعوا كذب الشياطين على ملك سليمان أنه كان بسحر وموضع ما في قوله وما أنزل على الملكين جر عطف على ملك سليمان أي الشياطين كذبوا عليه وعلى ما أنزل قال ومعنى أنزل على الملكين أنزل معهما وعلى ألسنتهما، كما قال الله تعالى على رسلك، أي على ألسن رسلك ومعهم فلا يجوز أن يكون نصباً عطفاً على السحر لأن الإنزال على الملكين لا يكون إلا من الله تعالى، والله لا يضاف إليه السحر وإنما يضاف إلى الكفرة وأوليائهم من الشياطين، وهما نزلا بالنهي عن السحر، فقالوا نزلا بتعليمه وكان معنى الكلام أن الشياطين يعلمان الناس السحر، وأن الملكين لا يعلمان ذلك أحداً بل ينهيان عنه حتى يبلغ من نهيهما وصدهما عن تعلمه أن يقولا للمتعلم إنما نحن فتنة فلا تكفر، فإن كان من الملائكة فإنما يقولان ذلك للأنبياء، ويقول الأنبياء لسائر البشر، وإن كان من البشر قالا ذلك لكل واحد من البشر؛ وذلك كما يقول الرجل ما أمرت فلاناً بما فعل ولقد بالغت في نهيه حتى قلت له إنك إن فعلت ذلك نالك كذا وكذا ووقع الاختصار بعد قوله وما يعلمان فحذف بل ينهيان، ليستنبطه العلماء بالفكرة فيؤجروا وقال ابن جرير من جعل ما جحداً، والملكين جبريل وميكائيل جعل التقدير لم ينزل السحر إلى سليمان مع جبريل وميكائيل، كما يقول اليهود، وجعل من في قوله ويتعلمون منهما بمعنى المكان والبدل، أي فيتعلمون مكان ما علماه ما يفرقون به بين المرء وزوجه
ومن ذلك قوله ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء إلى قوله وأن تقوموا لليتامى بالقسط ما في موضع الرفع بالعطف على الضمير في يفتيكم، أي يفتيكم الله فيهن، ويفتيكم أيضاً القرآن الذي يتلى عليكم، وفي من قوله في يتامى النساء من صلة يتلى، والمستضعفين جر عطف على يتامى النساء، وأن تقوموا لليتامى بالقسط جر عطف على المستضعفين ويجوز في المستضعفين أن يكون عطفاً على قوله في الكتاب، أي يتلى عليكم في الكتاب وفي حال المستضعفين وجاء في التفسير إنهم كانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الأطفال، فلما فرض الله تعالى المواريث في هذه السورة شق ذلك على الناس فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله - عن ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية و ما كتب لهن يعني الميراث عن ابن عباس وقيل إنهم كانوا لا يؤتون النساء صدقاتهن ويتملكها أولياؤهن، فلما نزل قوله وآتوا النساء صدقاتهن نحلة سألوا رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله - فأنزل الله هذه الآية وما كتب لهن يعني من صداق قيل إنه وارد في ولي اليتيم، كان لا يتزوجها وإن حلت له، ويعضلها ولا يزوجها طمعاً في مالها، لأنه لا يشاركه الزوج فيه، فنزل ذلك فيه ومعنى ترغبون أن تنكحوهن أي ترغبون عن نكاحهن ومن ذلك قوله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة قوله في الحياة الدنيا لا يخلو من تعلقه بحرم، أوبزينة، أو بأخرج، أو بالطيبات، أو بالرزق؛ فجوز تعلقها بحرم، أي حرم ذاك إذ ذاك ومنع من تعلقها بزينة كما يمتنع الضرب الشديد يوم الجمعة، إن علقت اليوم بالضرب، لكون المصدر موصوفاً فإن قلت فقد جاء إذا فرحين، فإن اسم الفاعل ليس كالمصدر، لأن الوصف يؤذن بانقضاء أجزائه، والوصل يؤذن ببقاءه وجوز أن يتعلق بالطيبات وبالرزق وبأخرج فإن قلت فإن أخرج في صلة التي، والطيبات في صفة اللام، والرزق مصدر، فكيف يوصل بهذه الأشياء، وهي للذين آمنوا فاصلة؟ فإنه قد جاء والطلاق عزيمة ثلاثاً، وجزاء سيئة بمثلها، لأنه يسدد الأول ويجوز أن يتعلق بالطيبات، تقديره والمباحات من الرزق ويجوز أن يتعلق بآمنوا الذي هو صلة للذين آمنوا في الحياة الدنيا ثم انظر ما أغفله أبو علي من الفصل بين الصلة والموصول بقوله والطيبات من الرزق، لأن هذا غير معطوف على قوله زينة الله ولا يمكن أبو علي أن يجيب عن هذا الفصل بأنه مما يسدد القصة، وإذا كان العطف على الموصول يتنزل منزلة، صفته في منع تعلق شيء به بعد العطف، فالعطف على ما قبل الموصول أولى بالمنع وأحق، لأن قوله والطيبات منصوب بحرم لا بأخرج، وفي تعلقه بالطيبات نظر، لأن قوله من الرزق بيان للطيبات يتنزل منزلة الحال، وكما يمنع النعت بما قبله فكذلك الحال، إلا أن لأبي علي أن ينحو بهذا البيان نحو التمييز فيتوجه له حينئذ الفرق بينه وبين الحال وجوز في الإغفال تعلقها بآمنوا في الذين، وبمحذوف في موضع الحال، والعامل فيه معنى اللام، فعلى هذا يكون فيه ضمير وعلى الأولين لا ضمير ولا يجوز تقديمه على الذين في الوجهين أعني الحال والتعلق بآمنوا ويجوز في الوجه الآخر التقديم، كما جاز كل يوم لك ثوب؛ وهي مبتدأ واللام خبره، وخالصة أيضاً كحلو حامض، فيمن رفع، و فيمن نصب حال، ولم يجز أن يتعلق بأخرج لأنه فصل به، أعني في الحياة الدنيا بين المبتدأ وخبره، فيمن رفع؛ وبين الحال وذي الحال فيمن نصب، لكون في الحياة الدنيا أجنبية من هذه الأشياء، ثم لم يرتض من نفسه أن يظن به ما يخطر بخاطر من أن هذا ظرف، والظروف يتلعب بها، فذكره حجة لأبي الحسن ومن ذلك قوله تعالى له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله قالوا إن التقدير له معقبات من أمر الله، فيكون من أمر الله معمول الظرف الذي هو قوله له وقيل يحفظونه عند نفسه من أمر الله، ولا راد لأمره ولا مانع لقضائه وقيل إن لا مضمر، أي لا يحفظونه من أمر الله وقيل في المعقبات حراس الأفراد الذين يتعاقبون الحرس عن ابن عباس وقيل إنه ما يتعاقب من الله وقضائه في عباده عن عبد الرحمن ابن زيد وقيل إنهم الملائكة، إذا صعدت ملائكة الليل عقبتها ملائكة النهار، وإذا صعدت ملائكة النهار عقبتها ملائكة الليل عن مجاهد
وقيل في من
بين يديه أي من أمامه وورائه وهذا قول من زعم أن المعقبات حراس الأفراد
وقيل في الماضي والمستقبل وهذا قول من زعم أن المعقبات ما يتعاقب من أمر
الله وقضائه وقيل من هداه وضلالته وهذا قول من زعم أنه الملائكة وقيل
يحفظونه من أمر الله، أي من تلك الجهة وقع حفظهم له، أي حفظهم إياه إنما هو
من أمر الله، كما يقال هذا من أمر الله عن سعيد بن جبير فإذا حملته على
التقديم كان قوله من بين يديه متعلقاً بقوله يحفظونه، والتقدير له معقبات
من أمر الله يحفظونه من بين يديه ومن خلفه قال النخعي فيكون الظرف فاصلاً
بين الصفة والموصوف، فنظيره إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه
ومن خلفه رصداً، جمع راصد يعني الملائكة يحفظون النبي - صلى الله عليه وعلى
آله - من الجن والإنس، وهم أربع ومن ذلك قوله كما أخرجك ربك من بيتك بالحق
قيل الكاف من صلة ما قبله وقيل من صلة ما بعده فمن قال هي من صلة ما قبله،
قال كما أخرجك أي كما ألزمك الخصال المتقدم ذكرها التي تنال بها الدرجات،
ألزمك الجهاد وضمن النصرة لك والعاقبة المحمودة وقيل بل المعنى الأنفال لله
والرسول مع مشقتها عليهم، لأنه أصلح لهم، كما أخرجك ربك من بيتك بالحق مع
كراهتهم، لأنه أصلح لهم وقيل هو من صلة ما بعده، والتقدير يجادلونك في الحق
متكرهين كما كرهوا إخراجك من بيتك وقيل أن يعمل فيه بالحق، يعني هذا الحق
كما أخرجك ربك جائز حسن وقيل التقدير يجادلونك في القتال كما جادلوا في
الإخراج ومن قوله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان، ثم قال ذواتا أفنان فقوله
ذواتا صفة لجنتين، أي جنتان ذواتا أفنان و اعترض بينهما بقوله فبأي آلاء
ربكما تكذبان وهكذا الآي كلها تتلوها إلى قوله ومن دونهما، كلها صفات لقوله
جنتان، والتقدير وله من دونهما جنتان، وما بعدها صفات لجنتان المرتفعة
بالظرف وقوله فبأي آلاء ربكما تكذبان اعتراض، ويكون قوله متكئين على رفرف
حالاً من المضمرين في قوله ومن دونهما أي ولهم من دونهما، كما أن قوله
متكئين على فرش حال من قوله ولمن والتقديم والتأخير كثير في التنزيل ومضى
قبل هذا الباب الخبر المقدم على المبتدأ في قوله ولهم عذاب أليم، ولهم عذاب
عظيم، ولكم في القصاص حياة، ونحوه كثير وأما قوله الذي جعلناه للناس سواء
العاكف فيه والباد، وقد قرئ بالرفع والنصب وجه الرفع في سواء أنه خبر
ابتداء مقدم، والمعنى العاكف والبادي فيه سواء، أي ليس أحدهما بأحق منه
صاحبه، فاستواء العاكف والبادي، فيه دلالة على أن أرض الحرم لا تملك، ولو
ملكت لم يستويا فيه، وصار العاكف فيه أولى بها من البادي بحق ملكه، ولكن
سبيلهما سبيل المساجد التي من سبق إليها كان أولى بالمكان لسبقه إليه،
وسبيله سبيل المباح الذي من سبق إليه كان أولى به ومن نصب فقال سواء العاكف
أعمل المصدر عمل اسم الفاعل، فرفع العاكف به كما يرتفع بمستو، ولو قال
مستوياً العاكف فيه والبادي، فرفع العاكف بمستو فكذلك يرفعه بسواء والأكثر
الرفع في نحو هذا، وألا يجعل هذا النحو من المصدر بمنزلة الفاعل، ووجهه أن
إعماله المصدر قد يقوم مقام اسم الفاعل في الصفة، نحو رجل عدل، فيصير عدل
العادل وقد كسر اسم المصدر تكسير اسم الفاعل في نحو قوله
فنواره ميل إلى الشمس زاهر
فلولا أن النور عنده كاسم الفاعل لم يكسر تكسيره، فكذلك قول الأعشى
وكنت لقىً تجري عليه السوائل
ومن
أعمل المصدر إعمال اسم الفاعل فقال مررت برجل سواء درهمه؛ وقال مررت برجل
سواء هو والعدم؛ كما تقول مستو هو والعدم، فقال سواء العاكف فيه والباد،
كما تقول مستوياً العاكف والباد، فهو وجه حسن ويجوز في نصب قوله سواء
العاكف فيه وجه آخر وهو أن تنصبه على الحال، فإذا نصبته عليها وجعلت قوله
للناس مستقراً، جاز أن يكون حالاً يعمل فيها معنى الفعل، وذو الحال الذكر
الذي في المستقر ويجوز أيضاً في الحال أن يكون من الفعل الذي هو جعلناه،
فإن جعلتها حالاً من الضمير المتصل بالفعل كان ذو الحال الضمير والعامل
فيها، وجواز قوله للناس مستقر، على أن يكون المعنى أنه جعل للناس منسكاً
وكتعبداً، فنصب، كما قال وضع للناس
ويدل على جواز كون قوله للناس
مستقراً، أنه قد حكى أن بعض القراء قرأ الذي جعلناه للناس العاكف فيه
والبادي سواء، فقوله للناس يكون على هذا مستقراً في موضع المشغول الثاني
لجعلناه، فكما كان في هذا مستقراً كذلك يكون مستقراً في الوجه الذي تقدمه،
ونعني الذي جعلناه للعاكف والبادي سواء أنهما يستويان فيه في الاختصاص
بالموضع ومن ذلك قوله تعالى قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلاً
أو زد عليه قوله نصفه بدل من الليل، كما تقول ضربت زيداً رأسه، فالمعنى نصف
الليل إلا قليلاً، نصفه أو انقص من النصف أو زد عليه وقوله إلا قليلاً
يفيد ما أفاده أو انقص منه قليلاً، لكنه أعيد تبعاً لذكر الزيادة؛ خير الله
تعالى بين أن يقوم النصف أو يزيد عليه أو ينقص منه وقال الأخفش المعنى أو
نصفه أو زد عليه قليلاً، لأن العرب قد تكلم بغير أو، يقولون أعط زيداً
درهماً درهمين أو ثلاثة وقال المبرد خطأ لا يجوز، إنما نصفه بدل من الليل،
والاستثناء مقدم من النصف ومن ذلك قوله فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا
هذا من طرائف العربية، لأن هي ضمير القصة مرفوعة بالابتداء، وأبصار الذين
كفروا مبتدأة، وشاخصة خبر مقدم، وهي خبر أيضاً، والجملة تفسير هي، والعامل
في إذا قوله شاخصة، ولولا أن إذا ظرف لم يجز تقديم ما في حيز هي عليها، لأن
التفسير لا يتقدم على المفسر، ولكن الظرف يلغيه الوهم، وقد جاء ذلك في
الشعر في غير الظرف، قال الفرزدق
وليست خراسان الذي كان خالد ... بها أسد إذ كان سيفاً أميرها
والتقدير
الذي كان خالد بها سيفاً إذ كان أسداً أميرها ففي كان الثانية ضمير القصة؛
وأسد مبتدأ، وأميرها خبر، والجملة تفسير الضمير الذي في كان، وقدم الأسد
على كان الذي في ه الضمير وقالوا يمدح خالد بن عبد الله القسري ويهجو
أسداً، وكان أسد واليها بعد خالد، قال وكأنه قال وليست خراسان بالبلدة التي
كان خالد بها سيفاً، إذ كان أسد أميرها ففصل بين اسم كان الأول، وهو خالد،
وبين خبرها الذي هو سيفاً بقوله بها أسد إذ كان، فهذا واحد وثان أنه قدم
بعض ما أضافه إليه، وهو أسد عليها، وفي تقديم المضاف إليه أو شيء منه على
المضاف من القبح ما لا خفاء به، فنظير الآية قوله فإذا نفخ في الصور فلا
أنساب بينهم، وقوله إذا مزقتم كل ممزق، وقوله إذا بعثر ما في القبور، ثم
قال إن ربهم، فإذا في هذه الأشياء متعلقة بمحذوف دل عليه ما بعد إن والفاء
وقيل في البيت إن كان زائدة، فيصير تقديره إذ أسد أميرها، فليس في هذا أكثر
من شيء واحد، وهو ما قدمنا ذكره من تقديم ما بعد إذ عليها، وهي مضافة
إليها وهذا أشبه من الأول، ألا ترى أنه إنما نفي حال خراسان إذ أسد أميرها؛
لأنه إنما فضل أيامه المنقضية بها على أيام أسد المشاهدة فيها، فلا حاجة
به إلى كان، لأنه أمر حاضر مشاهد فأما إذ فمتعلقة بأحد شيئين إما بليس
وحدها، وإما بما دلت عليه من غيرها، حتى كأنه قال خالفت خراسان إذ أسد
أميرها التي كانت أيام ولاية خالد لها، على حد ما نقول فيما يضمر للظرف،
ليتأولها ويصل إليها ومن ذلك قوله إني كفرت بما أشركتموني من قبل، تقدير من
قبل أن يكون متعلقاً بكفرت، المعنى أي كفرت من قبل بما أشركتموني ألا ترى
أن كفره قبل كفرهم، وإشراكهم إياه فيه بعد ذلك، فإذا كان كذلك علمت أن من
قبل لا يصح أن يكون من صلة ما أشركتموني، وإذا لم يصح ذلك ثبت أنه من صلة
كفرت ومن ذلك قوله كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به، أي
أنزل إليك لتنذر، فأخر اللام المتعلق بالإنزال وقيل فلا يضيق صدرك بأن
يكذبوك عن الفراء فيكون اللام متعلقاً بالحرج ومن ذلك قوله وأنفسهم كانوا
يظلمون، أي كان يظلمون أنفسهم ومنه وباطل ما كانوا يعلمون، وأهؤلاء إياكم
كانوا يعبدون هذا يدل على جواز يقوم كان زيداً، ألا ترى أن أنفسهم منتصب
بيظلمون، فإذا جاز تقديم مفعوله جاز تقديمه وجاز وقوعه موقع المعمول فأما
قوله وذكرى للمؤمنين ففي موضعه ثلاثة أقوال رفع بالعطف على كتاب، وقيل بل
مبتدأ مضمر وإن شئت كان نصباً بتذكر، أي لتنذر فتذكر وإن شئت هو جر باللام،
أي لتنذر وللذكرى
وضعفه ابن عيسى فقال باب الجر ضيق لا يتسع فيه
الحمل على المعاني وليس الأمر كما قال، لأنا عرفنا أن تعد اللام مضمرة،
وكأنه قال للإنذار به وذكرى للمؤمنين، وإذاً جاء كيف يهدي الله قوماً كفروا
بعد إيمانهم وشهدوا، والتقدير وبعد أن شهدوا، لم يكن لنظر أبي الحسن مجال
في هذا الباب، وابن من أنت من أبي علي، وكلامك ما تراه من الاختصار
والإيجاز فأما قوله تعالى فإذا هم فريقان يختصمون فإن العامل في إذا محذوف،
كقولك خرجت فإذا زيد، فبالحضرة زيد، فيكون فريقان بدلاً من هم؛ وإن كان
متعلقاً بالمحذوف، فيكون الإخبار عن المبدل منه وقد قال
وكأنه لهق السراة كأنه ... ما حاجبيه معين بسواد
أخبر
عن المبدل منه، والإخبار في الآية إذا قدرت قوله فريقان بدلاً من هم كان
متعلقاً بمحذوف، كما يكون مع البدل منه فكذلك يجوز أن تجعل قوله فريقان
يختصمون الخبر عن هم، فإذا قدرته كذلك أمكن أن تعلق إذا بما في فريقان من
معنى الفعل، وإن شئت علقته بالاختصام، و قال يختصمون، على المعنى ويجوز أن
تجعل الفريقان الخبر ونجعل يختصمون وصفاً، فإذا قدرته كذلك تعلق إذا بما في
الفريقان من معنى الفعل، ولا يجوز أن يتعلق بيختصمون، لأن الصفة لا تتقدم
على الموصوف ألا ترى أنه لم يجز أزيداً أنت رجل تضربه، إذا جعلت تضرب وصفاً
وأجاز المازني زيداً أنت رجل تكرمه، على أن يكون تكرمه خبراً ثانياً لأنت
لا وصفاً للنكرة ويجوز أن تجعل يختصمون حالاً من هم، وتجعل فريقين بدلاً،
فالعامل في الحال الظرف، كقوله فيها زيد قائماً وقال في موضع آخر يختصمون
وصف أو حال والحال من أحد الشيئين إما من الضمير في فريقان لأنه منصوب، ألا
تراهم قالوا يومئذ يتفرقون، وليس كذا والآخر أن يكون حالاً مما في ذا من
معنى الفعل، وذاك إذا جعلته على قولهم حلو حامض، فإنه على هذا التقدير
متعلق بمحذوف، فإذا تعلق بالمحذوف كان بمنزلة قولهم في الدار زيد قائماً
فإذا لم تجعله على هذا الوجه لم يجز أن ينتصب عنه حال، ألا ترى أنك إذا لم
تجعله على قولهم حلو حامض، كان فريقان خبر هم الواقعة بعد إذا، وإذا كان
كذلك كان إذا في موضع نصب مما في قوله فريقان من معنى الفعل، فليس في إذا
ضمير لتعلقه بالظاهر، فإنما ينصب الحال إذا تعلق بمحذوف خبراً لهم وأما
قوله تعالى وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين،
يحتمل أن يكون أتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ولعنة يوم القيامة؛ فحذف
المضاف، ويجوز أن يكون محمولاً على موضع في هذه الدنيا كما قال
إذا ما تلاقينا من اليوم أوغد
ويشهد
لذلك، والوجه الذي قبله، قوله تعالى في آية أخرى لعنوا في الدنيا والآخرة،
وقوله وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود، ويكون
قوله هم من المقبوحين جملة استغنى بها عن حرف العطف فيها بالذكر الذي تضمنت
مما في الأولى، كما استغنى عنه بذلك في قوله تعالى ثلاثة رابعهم كلبهم ولو
كانت الواو لكان ذلك حسناً، كما قال ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ويجوز أن
يكون العامل فيه من المقبوحين لأن فيه معنى فعل، وإن كان الظرف متقدماً،
كما أجاز كل يوم لك ثوب ويجوز أن يكون العامل فيه مضمراً يدل عليه قوله من
المقبوحين لقوله يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين وأما قوله الملك
يومئذ الحق للرحمن فيكون يومئذ من صلة المصدر، كما كان في التي قبلها،
يعني في قوله والوزن يومئذ الحق، والحق صفة والظرف الخبر، ويجوز أن يكون
يومئذ معمول الظرف، ولا يتقدم عليه ولا يتصل على هذا بالمصدر وأما قوله
والوزن يومئذ الحق، إن جعلت الظرف من صلة المصدر جاز أن تنصبه نصب المفعول
به، كقولك الوزن الدراهم حق، ويكون الحق على هذا خبر المبتدأ وإن جعلت
يومئذ خبر المصدر، لأن الوزن حدث، فيكون ظرف الزمان خبراً عنه تعلق بمحذوف،
جاز أن ينتصب انتصاب الظرف دون المفعول به، ألا ترى أن المفعول به لا تعمل
فيه المعاني، ويكون الحق على هذا صفة للوزن، ويجوز أن يكون بدلاً من الذكر
المرفوع الذي في الخبر
وأما قوله يوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون فهو متعلق بمحذوف، ألا ترى أنه ليس في هذا الكلام فعل ظاهر يجوز أن يتعلق الظرف به، فإذا كان كذلك تعلق بما دل عليه قوله فهم يوزعون كما أن قوله، أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون الظرف فيه كذلك، وكذلك قوله ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد، لأن الظرف من حيث كان مستقبلاً كان بمنزلة إذا، ومن ثم أجيب بالفاء كما يجاب إذا بها وأما قوله تعالى يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه، فقد تكون مثل التي تقدمت ألا ترى أن قوله وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ماض، كما أن قوله ونجينا الذين آمنوا كذلك، وندعو مستقبل، كما أن يحشر أعداء الله كذلك، فتجعل الظرف بمنزلة إذا كما جعلته ثم بمنزلته، فيصير التقدير يوم ندعو كل أناس بإمامهم لم يظلموا، أو عدل عليهم، ونحوه ومن ذلك قوله فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير، القول فيه إن ذلك إشارة إلى النقر، كأنه قال فذلك النقر يومئذ يوم عسير، أي نقر يوم عسير، فقوله يومئذ، على هذا متعلق بذلك، لأنه في المعنى مصدر وفيه معنى الفعل، فلا يمتنع أن يعمل في الظرف كما عمل في الحال، ويجوز أن يكون يومئذ ظرفاً لقوله يوم، ويكون يومئذ بمنزلة حينئذ، ولا يكون اليوم، الذي يعنى به وضح النهار، ويكون اليوم الموصوف بأنه عسير خلاف الليلة؛ ويكون التقدير فذلك اليوم يوم عسير حينئذ، أي ذلك اليوم يوم في ذلك الحين، فيكون متعلقاً بمحذوف ولا يتعلق بعسير، لأن ما قبل الموصوف لا تعمل فيه الصفة فأما إذا في قوله فإذا نقر في الناقور فالعامل فيه المعنى الذي دل عليه قوله يوم عسير، تقديره إذا نقر في الناقور عسر الأمر فصعب، كما أن لا بشرى يومئذ يدل على يحزنون ومن ذلك قوله تعالى ما ننسخ من آية، وما تنفقوا من خير، وما تفعلوا من خير وما يفتح الله للناس من رحمة، وما أنفقتم من شيء كل هذا ما فيه منصوب بفعل الشرط الذي بعده، والفعل منجزم به ومثله أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى، أيا منصوب بتدعو، وتدعو منجزم به ومنهم من قال إن أيا ينتصب بمضمر دون تدعو، لأن تدعو معموله، فلو نصبه وجب تقدير تقديمه وأما قوله أي منقلب ينقلبون، فالتقدير أي انقلاب ينقلبون، فمنقلب مصدر وأي مضاف إليه، فيصير حكمه حكم المصدر، فيعمل فيه ينقلبون ومن ذلك ما قيل في قوله تعالى ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة عن ابن بحر إن فيه تقديماً وتأخيراً، والتقدير وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها والله مقلب قلوبهم في حال أقسامهم، وعالم منها بخلاف ما حلفوا عليه؛ إذ هو مقلب القلوب والأبصار، عالم بما في الضمير والظاهر، وما يدريكم أنها إذا جاءت لا يؤمنون كما لم يؤمنوا به أول مرة، أي قبل الآية التي طلبوها ونذرهم في طغيانهم يعمهون وحمله قوم على أن الكاف بمعنى على، وآخرون على أنه بمعنى من أجل، أي من أجل ما لم يؤمنوا به أول مرة ومن ذلك قوله لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون، أي ثبتت لهم دار السلام جزاء لعملهم، وهو أحسن من أن تعلقه بقوله وليهم، إنما يجازيهم بعملهم الجنة ومثله أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون ومن ذلك قوله الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً قيماً، أي على عبده الكتاب قيماً ولم يجعل له عوجاً، ففصل وقدم وأخر ويجوز أن يكون الواو واو الحال، فيكون قيماً حالاً بعد حال ومن ذلك قوله تعالى أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، يكون التقدير على قرية على عروشها، فيكون بدلاً، ويكون وهي خاوية بمعنى خالية، والجملة تسدد الأول وأما قوله تعالى وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين، التقدير فمهما يكن من شيء فسلام لك من أصحاب اليمين إن كان من أصحاب اليمين، فقوله إن كان من أصحاب اليمين مقدم في المعنى، لأنه لما حذف الفعل وكانت تلي الفاء أما قدم الشرط وفصل بين الفاء وأما به، وعلى هذا جميع ما جاء في التنزيل ومن ذلك قوله فكيف تتقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً روي عن حمزة الزيات أنه قال في التفسير فكيف تتقون يوماً يجعل الولدان شيباً إن كفرتم
قال أبو علي أي كيف تتقون عذابه أو جزاءه، فاليوم على هذا اسم لا ظرف؛ وكذلك واتقوا يوماً يجعل الولدان شيباً، إن اليوم محمول على الاتقاء وقد قيل إنه على إن كفرتم يوماً فهذا تقديره كفرتم بيوم، فحذف الحرف وأوصل الفعل وليس بظرف، لأن الكفر لا يكون يومئذ، لارتفاع الشبه لما يشاهد وقال الله تعالى وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به إلى قوله لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً قيل الاستثناء من قوله أذاعوا به فهو في نية التقديم وقيل هو من قوله لعلمه الذين يستنبطونه، ولولا وجوابه اعتراض وقيل بل هو مما يليه ويعني به زيد بن عمرو بن نفيل، يبعث وحده ومنه قوله تعالى فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض إن نصبت أربعين بيتيهون كان من هذا الباب، وهو الصحيح وقيل بل هو متعلق بمحرمة والتحريم كان على التأبيد ومن ذلك فجزاء مثل ما قتل من النعم فيمن رفع المثل أنه صفة للجزاء، والمعنى فعليه جزاء من النعم يماثل المقتول، والتقدير فعليه جزاء وفاء اللازم له، أو فالواجب عليه جزاء من النعم مماثل ما قتل من الصيد فمن النعم على هذه القراءة صفة للنكرة التي هي جزاء وفيه ذكره، ويكون مثل صفة للجزاء، لأن المعنى عليه جزاء مماثل للمقتول من الصيد من النعم، والمماثلة في القيمة أو الخلقة، على حسب اختلاف الفقهاء في ذلك ولا يجوز أن يكون قوله من النعم على هذا متعلقاً في المصدر، كما جاز أن يكون الجار متعلقاً به في قوله جزاء سيئة بمثلها، لأنك قد وصفت الموصول، وإذا وصفته لم يجز أن تعلق به بعد الوصف شيئاً كالعطف في التأكيد وقيل قوله من النعم من صلة ما قتل وليس بوصف للجزاء وقيل هو من صلة يحكم وإن تقدم عليه؛ والجزاء يقوم في أقرب المواضع إلى القاتل عند أبي حنيفة، وعند الشافعي الجزاء من النظير، ولو كان من النظير لم يقل يحكم به ذوا عدل منكم ولم يعطف عليه أو كفارة طعام مسكين، لأن ذلك إلى الحكمين، والنظير لا يحتاج فيه إلى ذلك وأما قوله تعالى إني لكما لمن الناصحين، وأنا على ذلكم من الشاهدين، و وكانوا فيه من الزاهدين فتبيين للظاهر وليس بصلة، لأنه لا تتقدم الصلة على الموصول ومن ذلك قوله ولا تطرد الذين يدعون ربهم إلى قوله فتطردهم فتكون من الظالمين، فتطردهم جواب النفي في قوله ما عليك من حسابهم من شيء، وقوله فتكون جواب النفي في نية التقديم ومن ذلك قوله فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب إلى قوله ودرسوا ما فيه، فقوله درسوا عطف على ورثوا، وكلتا الجملتين صفة لقوله خلف وقوله ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب اعتراض بين الفعلين اللذين هما صفة خلف ومن ذلك قوله زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه إلى قوله ولتصغى والآية بينهما اعتراض ومن ذلك قوله ليذوق وبال أمره، اللام متعلق بقوله فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هدياً، أي يحكم به ليذوق وبال أمره فيكون قوله هدياً حالاً من الهاء المجرور بالباء، وقوله أو كفارة عطف على جزاء، وطعام بدل منه، أو عدل ذلك عطف على كفارة والتقدير فجزاء مثل ما قتل من النعم، أو كفارة طعام مساكين، أو عدل ذلك صياماً يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة ليذوق وبال أمره ومن ذلك قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور يوم ظرف لقوله له، ويجوز أيضاً أن يتعلق بالمصدر الذي هو الملك فيكون مفعولاً به، كأنه يملك ذلك اليوم، كما قال مالك يوم الدين وقوله عالم الغيب فيمن جر، وهي رواية عن أبي عمرو، نعت لقوله وأمرنا لنسلم لرب العالمين ومن رفع عالم فهو رفع بفعل مضمر، أي ينفخ فيه عالم الغيب، كقوله رجال بعد قوله يسبح ومن ذلك قوله وأخرى لم تقدروا عليها نصب عطف على قوله وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها، تقديره ومغانم أخرى؛ نظيره وأخرى تحبونها والتقدير على تجارة تنجيكم وتجارة أخرى وإن شئت كان التقدير ولكم تجارة أخرى تحبونها ثم قال نصر من اله أي هي نصر ومن ذلك قوله فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم قال معمر التقدير وجاءتهم رسلهم بالبينات من العلم ومن ذلك قوله وهو الذي كف أيديهم عنكم إلى قوله ليدخل الله في رحمته قال أبو الحسن اللام من صلة كف
ولو قال متعلق بمضمر دل عليه كف لم يكن فصلاً بين الصلة والموصول وكان أحسن ومن ذلك قوله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله قال أبو علي الظرفان صفة للنكرة متعلقان بمحذوف، والشهادة من الله هي شهادة يحملونها ليشهدوا بها، كما قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين، فإنه يجوز أن يكون التقدير إن أحوالهم ظاهرة وإن كتموها، كما قال ولا يخفى على الله منهم شيء، فإذا لم يتعلق بكتم تعلق بالشهادة، وتعلقه به على وجوه فإن جعلت قوله عنده صفة للشهادة لم يجز أن يكون من الله متعلقاً بشهادة، لأنه فصل بين الصلة والموصول، منا أنك لو عطفت عليه كان كذلك ويجوز أن تنصب عنده لتعلقه بشهادة، فإذا فعلت ذلك لم يتعلق به من الله لأنه لا يتعلق به ظرفان وإن جعلت عنده صفة أمكن من الله حالاً عما في عنده، فإذا كان كذلك وجب أن يتعلق بمحذوف في الأصل، والضمير العائد إلى ذي الحال هو في الظرف الذي هو من الله ويجوز أن تجعل الظرفين جميعاً صفة للشهادة وقيل في قوله لابثين فيها أحقاباً لا يذوقون تقديره لا يذوقون أحقاباً، فهو ظرف للايذوقون، وليس بظرف للابثين، إذ ليس تحديداً لهم، لأنهم يلبثون غير ذلك من المدد، فهو تحديد لذوق الحميم والغساق ومن ذلك قوله وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم عند الأخفش على تقدير وما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغياً بينهم ولا يلزم قول ابن جرير، لأن من في قوله من بعد يتعلق بما اختلف لا المصدر، والفصل بين المفعول له والمصدر، لأن المفعول له علة للفعل، والمصدر اختلف فيه الأصحاب بيض الموضع أبو علي في الكتاب ومن ذلك قوله يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه إلى قوله والمسجد الحرام جر المسجد عندنا محمول على الشهر، والتقدير يسألونك عن قتال في الشهر الحرام والشهر الحرام، لأن القتال كان حقه عند المسجد وقوم يحملونه على الباء في قوله كفر به، والمضمر المجرور لا يحمل عليه المظهر حتى يعاد الجار المعنى على هذا للقول أو حرمنا عليهم شحومهما، أو الحوايا، أو ما اختلط بعظم، إلا ما حملت ظهورهما فإنه غير محرم، ودخلت أو على طريق الإباحة ومن ذلك قوله ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم قال مجاهد فيه تقديم وتأخير، والتقدير لآتينهم من بين أيديهم وعن أيمانهم حيث ينظرون، ومن خلفهم وعن شمائلهم من حيث لا ينظرون وقال أبو علي أي أسول لهم تسويلاً وأغويهم إغواء أكون به كالغالب لهم المستولي عليهم، لأن من أوتي من هذه الجهات فقد أحيط به، ومن أحيط به فقد استولى عليه وقيل من بين أيديهم أشككهم في أخراهم، ومن خلفهم أرغبهم في دنياهم، وعن أيمانهم، أي من قبل حسناتهم، وعن شمائلهم من قبل سيئاتهم عن ابن عباس ويقال لم دخلت من في الخلف والقدام، وعن في اليمين والشمائل؟ والجواب لأن في الخلف والقدام معنى طلب النهاية، وفي اليمين والشمال الانحراف قال أبو عيسى لم يقل من فوقهم، لأن رحمة الله تنزل عليهم من فوقهم؛ ولم يقل من تحت أرجلهم، لأن الإتيان منه موحش ومن ذلك قوله فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم قال ابن عباس في الآية تقديم وتأخير، والتقدير لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا، وإن كان موجزاً في اللفظ وقيل هو على حذف المضاف، أي يعذبهم بمصائبها التي تصيبهم؛ وقيل بزكاتها؛ وقيل بغنيمتها وسبي الأولاد، لأنه قيل الهاء للأولاد، لقوله انفضوا إليها وقيل يعذبهم الله بجمعها والبخل بها ومن ذلك قوله إني أسكنت من ذريتي إلى قوله ليقيموا الصلاة اللام من صلة أسكنت وهو في نية التقديم، والفصل بالنداء غير معتد به وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر فإنه في المعنى في نية التقديم والتأخير، والتقدير وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر ولكنه يمنع من ذلك شيء، وهو من قبل لأنه لا يعمل فيما بعده إذا تم الكلام قبله، ولكنه يحمله على مضمر دل عليه الظاهر، أي أرسلناهم بالبينات ومن ذلك قوله تعالى يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده، جوز إما أن يكون يوم نطوي منصوباً بنعيده، أو بدل من الهاء في كنتم توعدون، ولم يجز أن يكون منصوباً بهذا يومكم كقوله
وأما قوله لولا أن من الله علينا أولى من أن الفعل من غير فصل، وليس هذا كقوله وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، لأن ليس ليست لها قوة الفعل، ولكنه يكون لا المركبة مع لو عوضاً من الفصل، وإن تقدمت، كما كان عوضاً من التوكيد في قوله ما أشركنا ولا أباؤنا، وإن كانت بعد حرف العطف زائدة عن موضع التوكيد في الحاشية قال عثمان راجعته في هذا فقلت ولم جعلت أن مخففة من الثقيلة، وما أنكرت أن تكون هي الخفيفة الناصبة للفعل؟ فتفكر ملياً ثم جوزه ومن التقديم والتأخير قول الكوفيين نعم زيد رجلاً واستدلوا بحسن أولئك فريقاً قال وقد يكون التقدير على غير ما قالوا، لأن نعم غير متصرف ومن ذلك حم والكتاب المبين إلى قوله إنا كنا منذرين، هو جواب القسم فأما قوله إنا أنزلناه اعتراض ليس بجواب، لأنه صفة القرآن، وليس من عادتهم أن يقسموا بنفس الشيء إذا أخبروا عنه، فهو معترض بين القسم وجوابه ومن ذلك قول الفراء في قوله فحاسبناها حسابا ًشديداً وعذبناها عذاباً نكراً قال وعذبناها في الدنيا وحاسبناها في الآخرة وأما قوله وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فإن الجار يجوز تعلقه بشيئين بالأخذ والعزة؛ فإن علقته بالأخذ كان المعنى أخذه بما يؤثم، أي أخذه بما يكسبه ذلك والمعنى، أنه للعزة يرتكب ما لا ينبغي أن يرتكبه بما يؤثمه وكأن العزة حملته على ذلك وقلة الخشوع وقد يكون المعنى الاعتزاز بالإثم، أي مما يعتز بإثمه فيبعده مما يرضاه الله ومن ذلك قوله ولقد علموا لمن اشتراه قال أبو الحسن عني به الشياطين وقوله لو كانوا يعلمون، عني به الناس الطبري هذا المخالف لقول جميع أهل التأويل، لأنهم مجمعون أن قوله ولقد علموا يعني به اليهود دون الشياطين، وهو خلاف ما دل عليه التنزيل، لأن الآيات قبل قوله وبعد قوله لو كانوا يعلمون جاءت بذم اليهود، فقوله لمن اشتراه مثله، ومعناه التقديم، والتقدير وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم و لبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق وقال بعضهم نفي عنهم العلم بعد أن أثبته لهم؛ لأنهم علموا ولم يعلموا تعمل فيما قبلها، ولكنه على أن تجعل المصدر، يعني المفعول، أي المقبوض، والمفعول ينصب ما قبله، وإن لم يعمل المصدر فيما قبله ومثل القبضة القسمة في نحو قوله وإذا حضر القسمة أولو القربى، لقوله فارزقوهم منه، أي من المقسوم، لأن الرزق لا يكون القسمة هذا كلامه في هذه الآية وقال في الظرف في قوله وهو الذي في السماء إله إنه متعلق بمعنى إله، كقوله كل يوم لك ثوب، ولك يلتفت إلى معنى إله ذو العبادة، وأن المتعلق بالمضاف إليه لا يتقدم على المضاف ولعله جعله بمعنى مألوه من أن القبض بمعنى المقبوض فإن راجعنا درس الكتاب وحضرتنا نكتة تدفع الفصل أخبرناك بها إن شاء الله وقد بلغ من أمرهم ما هو أشد من هذا، فقالوا لا يجوز زيداً ما ضربت، على تقدير ما ضربت زيداً، لأنه نقيض قولهم إن زيداً قائم فتقول ما زيد قائم، ألا ترى أن ما يكون جواباً للقسم في النفي كما يكون جواباً في الإيجاب؛ فلما صارت بمنزلة إن لم يعمل ما بعدها فيما قبلها ثم إنهم قالوا في قوله كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون ويجوز أن تكون، ما نافية، وقليلاً نصب ب يهجعون، لأنه ظرف، والظرف يكتفى فيه برائحة الفعل، أي ما كانوا يهجعون من الليل فقد حصل من هذا كله أن الحارثي يسوي بين الظرف وبين الاسم المحض؛ فلا يعمل ما بعد إن فيما قبل إن، سواء كان ظرفاً أو اسماً محضاً ، فعلى هذا قوله يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن، لا يتأتى إعمال قوله في شأن في قوله كل يوم على قول الحارثي، وإن كان ظرفاً، لأن الظرف والاسم الصريح عنده سيان، فجاء من هذا أن قوله كل يوم هو في شأن كقولهم زيداً أجله أحرز، فتنصب زيداً بأحرز، للفصل بين المعمول والعامل بالمبتدأ، وهو أجنبي، وكما لا يجوز زيداً أجله أحرز، وجب ألا يجوز كل يوم هو في شأن أن تنصب كل ب في شأن لأنه مثل أجله في المسألة، فلهذا اضطرب كلام الأستاذ وغلامه فيما أنبأناك به والله أعلم وأما قوله وثمود فما أبقى فتحمله على مضمر، أو على قوله أهلك عاداً الأولى، لا تحمله على أبقى
ومثل الآي المتقدم ذكرها يوم نبطش البطشة الكبرى
إنا منتقمون لا تحمله على قوله إنا منتقمون لما ذكرنا، وإنما تحمله على
مضمر وأما قوله
رأسها ما تقنع
فالنصب على أن يكون مفعول تقنع على هذه
القاعدة خطأ، والصحيح رواية من رواه بالرفع على تقدير ورأسها ما تقنعه،
فحذف الهاء كقراءة ابن عامر وكلا وعد الله الحسنى أي وعده الله ومن ذلك
قوله لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر فبصائر حال من
هؤلاء، وقد أخره عن الاستثناء فهشام الممدوح خال هشام الخليفة، وأبو أم
الخليفة أبو الممدوح، ف حي اسم ما، ويقاربه صفته، وفصل بين الصفة والموصوف
بخبر المبتدأ، وهو أبو أمه مع خبره في موضع النصب ل مملك، وقدم المستثنى
وهو مملكاً على المستثنى منه وهو حي، وأنشدوا للقلاخ
وما من فتى كنا من الناس واحداً ... به نبتغي منهم عميدا ًنبادله
قال
البياني هذا كلام مستكره، وتلخيصه فما كان أريب فتى، وذلك من شرط المرتبة
والفصل بينهما وبين المدح، أعني إدخال كان فيها، فحذفها واكتفى منها بقوله
كنا، ومن لغو، كقولك ما رأيت أحداً، وما رأيت من أحد كنا من الناس واحداً،
أي كنا نبغي عميداً أو أحداً من الناس نبادله به والمعنى لا أحد أفتى وأسود
نتمناه مكانه والقلاخ بن حزن بن جناب العنبري، نصري، عمر عمراً طويلاً في
الإسلام، والقلاخ مأخوذ من القلخ، وهو رغاء من البعير فيه غلظ وخشونة،
وأحسبه لقباً والله أعلم وله مع معاوية بن أبي سفيان خبر يذكر فيه أنه ولد
قبل مولد النبي صلى الله عليه وعلى آله قال عثمان في البيت فيه أشياء في
التقديم والتأخير، وذلك أنه أراد فما من الناس فتى كنا نبتغي منهم واحداً
عميداً نبادله به ولا يحسن أن يكون واحداً صفة ل عميد من حيث لم يجز أن
تقوم الصفة على موصوفها، اللهم إلا أن يعتقد تقديمه عليه، على أن يجعله
حالاً منه، فقوله من الناس خبر من فتى، وقد فصل بينهما ببعض صفة الفتى، وهو
قوله كنا، ويجوز أن من الناس صفة أيضاً ل فتى على أن يكون خبر فتى محذوفاً
أي ما في الوجود أمر في المعلوم أو نحو ذلك فتى من أمره ومن شأنه ويجوز أن
يكون نصب واحداً ب ينبغي، وعميداً وصف له، وقدم واحداً وهو مفعول ينبغي
عليه، وقدم به وهو متعلقه بقوله نبادله، وهو صفة ل عميد هي ولا يجوز تقديم
ما في الصفة على موصوفها، او قلت عندي زيداً رجل ضارب، وأنت تريد عندي ضارب
زيداً، لم يجز، وذلك أنه إنما يجوز وقوع المعمول بحيث يجوز وقوع العامل،
والعامل هنا هو الصفة، ومحال تقديمها على موصوفها، فإذا لم يجز ذلك أضمرت
للناس مما يتعلق به مما يدل عليه قوله نبادله، هنا بمعنى نبدله، وقع فاعل
موقع أفعل، كقولهم عافاه الله، أي أعفاه، وطارت النعل، أي أطرقتها، وجعلت
لها طرقاً ويجوز أن يكون به متعلقة ب نبتغي، كقولك طلبت بهذا الثوب مائة
درهم، وأردت فيما بعت، نبادله به، فحذفت الثانية لمجيء لفظة الأولى
الثامن
والثلاثون ما جاء في التنزيل من اسم الفاعل الذي يتوهم فيه جريه على غير
من هوله، ولم يبرز فيه الضمير، وربما احتج به الكوفي، ونحن لا نجيز ذلك
لأنا نقول أن اسم الفاعل إذا جرى على غير من هوله خبراً أو صفة أو حالاً أو
صلة وجب إبراز الضمير فيه
فمن ذلك قوله تعالى إن الذين كفروا وماتوا
وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها فقوله
خالدين حال من المجرور ب على، أي أولئك عليهم لعنة الله خالدين فيها، فقد
جرى على غير من هوله، فلم يبرز فيه الضمير ومن قال إنه حال من اللعنة لمكان
الكناية المتصلة به وهو فيها لم يصح، لأنه حينئذ جرى على اللعنة والفعل
لغيرها، فوجب أن يبرز فيه الضمير، وكان يجيء خالدين فيها هم ومثله أولئك
جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها، وهو على
هذا الخلاف ومثله يدخل النار خالداً فيها، لا يكون خالداً فيها صفة للنار،
لأنه لم يقل خالداً فيها هو، وإنما حال من الهاء في يدخله، أي يدخله ناراً
مقدراً الخلود فيها، كما قال فتبسم ضاحكاً من قولها، أي مقدراً الضحك من
قولها
وأما قوله ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها لا يكون خالداً حالاً من الهاء في جزاؤه لأنه أخبر عن المصدر بقوله جهنم، فيكون الفصل بين الصلة والموصول، ولا يكون حالاً من جهنم لمكان فيها، لأنه لم يبرز الضمير، ألا ترى أن الخلود ليس فعل جهنم، فإذا هو محمول على مضمر، أي يجزاه خالداً فيها ونظيره في الحديد بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وقال جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها قال أبو علي بشراكم اليوم جنات، أي حلول جنات، أو دخول جنات، لأن البشرى حدث، والجنة عين، ولا تكون هي هي ، وإذا كان كذلك لم تخل خالدين من أن تكون حالاً من بشراكم، أو من المصدر المحذوف في اللفظ المراد في المعنى، فلا يجوز أن يكون من بشراكم على معنى تبشرون خالدين، لئلا يفصل بين الصلة والموصول؛ فإذا كان كذلك قدرت الحال من الدخول المحذوف من اللفظ المثبت في التقدير، ليكون المعنى عليه، كأنه دخول جنات خالدين، أي مقدر بين الخلود مستقبلاً، كقوله فادخلوها خالدين فإن قلت فهل يجوز أن يكون الحال مما دل عليه البشرى، كما كان الظرف متعلقاً بما دل عليه المصدر، في قوله تعالى إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون كأنهم يبشرون خالدين؛ فالقول إن ذلك لا يمتنع فيما ذكرت من الظرف، إذ كان الظرف أسهل من الحال، ألا ترى أن الحال هو المفعول به في المعنى، فلا يحسن أن يعمل فيه مالا يعمل في المفعول به، ومن ثم اختلفا في امتناع تقديم الحال إذا كان العامل فيها بمعنى، ولم يمتنع ذلك في الظرف؛ وقد جعلنا الظرف متعلقاً بالبشرى وإن لم تقدره كذلك، ولكن إن جعلت الظرف خبراً جاز ذلك، ويكون جنات بدلاً من البشرى، على أن حذف المصدر المضاف مقدر، ويكون خالدين على الوجهين اللذين تقدم ذكرهما ومثله في التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها خالدين حال من الهاء العائدة إلى من، وحمل على المعنى فجمع ومثله في الطلاق خالدين فيها أبداً قد أحسن الله له رزقاً وفي التوبة موضعان أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، وبعده ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وفي آل عمران للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلاً وفي النساء والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وفي المائدة فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها خالدين حال من المفعول دون جنات وفي التوبة وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة فهذا ونحوه على الخلاف الذي قدمناه قال أن لهم أجراً حسناً ماكثين فيه أبداً ف ماكثين حال من الهاء والميم، وعندهم صفة ل الأجر فأما قوله إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هم ببالغه، أي ما الماء ببالغ فيه وإن شئت ما فوه ببالغ الماء؛ ولا يكون و ما فوه ببالغه الماء، ويكون الضميران ل فيه، وفاعل بالغ الماء؛ لأنه يكون جارياً على فيه وهو للماء، والمعنى إلا كاستجابة كفيه إلى الماء، وكما أن بسؤال نعجتك، ومن دعاء الخير لم يذكر معهما الفاعل، واللام متعلق ب البسط فأما قوله وما هو ببالغه، أي ما الماء بالغ فاه من كفيه مبسوطتين ويمكن أن يكون هو في قوله وما هو ببالغه ضميراً ل باسط، أي ما الباسط كفيه إلى الماء بالبالغ الماء، أي ليس ينال الماء بيده، فإذا لم ينل الماء لبعده عنه مع بسطه الكفين، فأن لا يبلغ فاه، مع هذه الصورة على الامتناع، أولى وقيل إن الذي يدعو الماء ليبلغ إلى فيه، وما الماء ببالغ إليه وقيل إنه كالظمآن يرى خياله في الماء، وقد بسط كفيه ليبلغ فاه، وما هو ببالغه، لكذب ظنه وفساد توهمه عن ابن عباس وقيل إنه كباسط كفيه إلى الماء ليفيض عليه، فلا يحصل في كفيه شيء منه وعن الفراء إن المراد بالماء هاهنا البئر لأنها معدن للماء، وإن المثل كمن مد يده إلى البئر بغير رشاء وأما قوله تعالى فظلت أعناقهم لها خاضعين فقد قال الفراء إن خاضعين جرى حالاً عن المضاف إليهم دون الأعناق، فجمع جمع السلامة، ولو جرى على الأعناق لقيل خاضعة
وليس الأمر كما قال؛ لأنه لم يقل خاضعين
هم، ولكن الأعناق بمعنى الرؤساء وإن شئت كان محمولاً على حذف المضاف، أي
فظلت أصحاب أعناقهم، فحذف المضاف وأما قوله إلى طعام غير ناظرين إناه فهو
نصب على الحال من الضمير في قوله لا تدخلوا بيوت النبي ولم يجر وصفاً ل
طعام، لأنه لم يقل غير ناظرين أنتم إناه، إذ ليس فعلاً ل طعام
التاسع والثلاثون ما جاء في التنزيل نصباً على المدح ورفعاً عليه
وذلك
إذا جرى صفات شتى على موصوف واحد، يجوز لك قطع بعضها عن بعض، فترفعه على
المدح أو تنصبه، وكذلك في الشتم تقول مررت بالرجل الفاضل الأديب الأريب،
وبالرجل الفاسق الخبيث اللئيم يجوز لك أن تتبعها الأول، وأن تنصب على
المدح، وترفع فمن ذلك قوله تعالى ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر، إلى
قوله والموفون بعهدهم والتقدير هم الموفون والصابرين أي أمدح الصابرين
وقيل إن قوله والموفون رفع عطف على من آمن ومن ذلك قوله تعالى لكن الراسخون
في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين
الصلاة أي وامدح المقيمين والمؤتون الزكاة أي وهم المؤتون، وكذلك
والمؤمنون بالله وقيل إن قوله والمقيمين جر وعطف على قوله منهم وهذا خطأ،
لأنه لم يعد لفظة من وأما قوله ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً ملعونين،
فنصب على الذم، أي أذم الملعونين وقيل هو حال من الضمير في لنغرينك، أي
لنغرينك بهم ملعونين ومن ذلك قوله تعالى سيصلى ناراً ذات لهب وامرأته حمالة
الحطب، فيمن نصب على تقدير أذم حمالة الحطب، فيكون قوله وامرأته رفعاً
عطفاً على الضمير في يصلى، أي يصلى هو وامرأته وأما من رفع حمالة الحطب
فيكون وامرأته مبتدأة، ويكون حمالة الحطب خبره وإن رفعته بالعطف كان
التقدير هي حمالة الحطب، وكل ما ذكرنا في الذي والذين إذا جاز كونهما وصفاً
لما قبلهما، فإن نصبهما ورفعهما على المدح جائز وأما قوله تعالى الصابرين
والصادقين، فقد يكون من هذا الباب، وقد يكون جراً جرياً على قوله للذين
اتقوا عند ربهم...... الذين يقولون ربنا... الصابرين ومن ذلك قوله مذبذبين
بين ذلك، أي أذمهم وأما قوله أشحة عليكم فيكون على الذم، ويكون على الحال
من المعوقين، أي يعوقون هاهنا عند القتال ويشحون عن الإنفاق على فقراء
المسلمين وإن شئت من القائلين وإن شئت لا يأتون البأس إلا قليلاً، ويكون
على الذم
المتمم الأربعين ما جاء في التنزيل من المبتدأ المحذوف
خبرهفمن ذلك قوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، والتقدير فيما
يتلى عليكم شهر رمضان ويكون قوله الذي أنزل فيه القرآن نعتاً وقيل بل هو
الخبر وقيل بل الخبر قوله فمن شهد منكم الشهر، أي فمن شهده منكم وجاز دخول
الفاء لكون المبتدأ موصوفاً بالموصول، والصفة جزء من الموصوف، وكان المبتدأ
هو الموصول ومثله قوله قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم لما وصف
اسم إن بالموصول أدخل الفاء في الخبر كما دخل في قوله إن الذين فتنوا
المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم وكما قال إن الذين يكفرون
بآيات الله، ثم قال فبشرهم بعذاب أليم، لأن المبتدأ الموصول والنكرة
الموصوفة يدخل الفاء في خبرهما وقال الأخفش بل الفاء في قوله فإنه ملاقيكم
زائدة، فعلى قياس قوله هنا تكون زائدة ويجوز أن يكون قوله الذي تفرون خبر
إن، كأنه قال الموت هو الذي تفرون منه، نحو القتل أو الحرب، ويكون الفاء في
فإنه ملاقيكم للعطف ومن ذلك قوله والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً
يتربصن بأنفسهن، أي فيما يتلى عليكم ومن ذلك أيضاً واللذان يأتيانها منكم،
أي فيما يتلى عليكم ويجوز أن يقال وإنما رفع قوله واللذان ولم ينصبه وقال
في الكتاب اللذين يأتيانها فاضربهما؛ لأن الاختيار النصب، لأن الذي في
الكتاب يراد بهما معينان، والفاء زائدة، فهو بمنزلة زيداً فاضرب وفي الآية
لا يراد بهما معينان، بل كل من أتى بالفاحشة داخل تحتها فقوله فآذوهما في
موضع الخبر، والفاء للجزاء في الآية، وفي المسألة الفاء زائدة وقال الزانية
والزاني فاجلدوا كل واحد منهما وقال والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما أي
فيما يتلى عليكم
فأما قوله مثل الجنة التي وعد المتقون فهو على
القياس المتقدم، أي فيما يتلى عليكم وقال أبو إسحاق التقدير صفة الجنة التي
وعد المتقون، وليس بصحيح، لأن اللغة لا تساعد عليه، ولأن موضوعه التشابه،
ولا معنى للوصفية في شيء من تصاريفه، وكيف يصح ومن جهة المعنى أيضاً إنه لو
قال قائل صفة الجنة فيها أنهار، لكان كلاماً غير مستقيم، لأن الأنهار في
الجنة لا في صفتها؛ وأيضاً فقد أنث ضمير المثل حملاً على الصفة، وهذا أيضاً
بعيد وقول الفراء أيضاً من أن الخبر جعل عن المضاف إليه، وهو الجنة، دون
المضاف، الذي هم مثل، فباطل أيضاً؛ لأنا لم نر اسماً يبدأ به ولم يخبر عنه
البتة، وكذا من قال المثل يقحم، أي يلغى، لأن الاسم لا يكون زائداً، إنما
يزاد الحرف، فكذلك قول الزجاج، لأنه إن أراد بالمثل الصفة، فقوله صفة الجنة
جنة فاسد، لأن الجنة ليست بالصفة، والزيادة شيء يقوله الكوفيون في مثل،
واسم، ويعلم، ويكاد، ويقول هذه الأربعة تأتي في الكلام زيادة، ونحن لا نقول
بذلك وأما قوله الذي خلقني إن جعلته مبتدأ، فقوله فهو يهدين خبره وما بعده
معطوف على الذي، والتقدير هو يطعمني ويسقيني، إلى قوله وبالصالحين محذوف
الخبر، أي فهو يهديني، كما تقول زيد قائم، وبكر وخالد ومن ذلك قوله تعالى
أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس، أي البر والتقوى أولى، فحذف الخبر وأما
قوله وقالت اليهود عزير ابن الله، فيمن لم ينون، فيجوز أن يكون عزيز
مبتدأ، وابن صفة، والخبر مضمر أي قالت اليهود عزير ابن الله معبودهم ويجوز
أن يكون حذف التنوين لالتقاء الساكنين، ويكون ابن خبراً ويجوز أن يكون لم
يصرف عزير، ومثله يدعو لمن ضره أقرب من نفعه فيمن جعل يدعو بمعنى يقول وقد
تقدم ذلك في المبتدأ ومثله ما أكرهتنا عليه من السحر ولم يقل محطوط عنا وقد
تقدم ومثله طاعة وقول معروف و فصبر جميل، وقد تقدم ومثله قوله إن الذين
آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله، والتقدير إن الذين
آمنوا والذين هادوا إلى قوله فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والصابئون كذلك
فالتقدير في والصابئون أي والصائبون كذلك، فحذف الخبر وفصل بين اسم إن
بمبتدأ مؤخر تقديراً، وقال
ومن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقياراً بها لغريب
أي
إني لغريب وإن قياراً كذلك وقال الله تعالى أن الله بريء من المشركين
ورسوله أي رسوله بريء، فحذف الخبر وقيل بل هو عطف على الضمير في بريء هو
ورسوله وعند سيبويه هو محمول على موضع إن، كقوله إن هذه أمتكم أمة واحدة
وأنا ربكم فاعبدون، فيمن فتح ومن ذلك قوله تعالى أفمن كان على بينة من ربه
ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة، ولم يذكر الخبر،
والتقدير كمن كان على ضلالة وقال أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً، أي كمن
لم يزين له ذلك وقال أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت، والتقدير كمن لا
يقام عليه فحذف الخبر في هذه الآي وقد أظهر في قوله، أفمن كان على بينة من
ربه كمن زين له سوء عمله وأما قوله أمن هو قانت آناء الليل فيمن خفف،
فيكون، أي يكون من هذا الباب، على تقدير أمن هو قانت آناء الليل كالجاحد
والكافر وزعم الفارسي أن التقدير أمن هو قانت آناء الليل كمن جعل لله
أنداداً ثم قال واستضعفه أبو الحسن، دون الاستفهام لا يستدل عليه بما قبله
وإنما يستدل عليه بما بعده فقيل إن ذلك على تقديرك دون تقديرنا، فما تقول
في قوله أفمن شرح الله صدره للإسلام، وقوله أفمن يتقي بوجهه، أليس الخبران
محذوفين؟ وقوله أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار قلت أيها
الفارسي، جواباً إن سيبويه قال إن الخبر محذوف، يعني خبر قوله أفمن حق
عليه، ولم تكن لتذب عن أبي الحسن أن التقدير أفمن حق عليه كلمة العذاب،
أفأنت تنقذ، بل قدرت حذف الخبر وزعم أحمد بن يحيى أن من قدر أمن هو قانت
آناء الليل، فهو كالأول وزعم الفارسي أن هذا ليس موضع النداء بل موضع
تسوية، ألا تراه قال من بعد قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون،
وجواب الفارسي تحت قول أحمد هو كالأول، يعني أنه قال - عز من قائل قل تمتع
بكفرك قليلاً إنك من أصحاب النار، يامن هو قانت آناء الليل أبشر إنك من
أصحاب الجنة، فحذف في الثاني لذكره أولاً
فأما من شدد فقال أمن هو
قانت، فالتقدير الكافر الجاحد خير أمن هو قانت؟ كقوله أم زاغت عنهم
الأبصار، والتقدير أمفقودون هم أم زاغت عنهم الأبصار؟ ومن ذلك قوله وما من
إله إلا الله، قوله إلا الله بدل من موضع الجار والمجرور، والخبر مضمر،
والتقدير ما من إله في الوجود إلا الله، كقوله لا إله إلا الله، فليس الرفع
محمولاً على الوصف للمجرور، لأن الأكثر في الاستثناء والبدل دون الوصف
وأما قوله تعالى الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين، ف الذين يلمزون مبتدأ،
وخبره سخر الله منهم ومن نصب زيداً مررت به كان الذين منصوباً عنده، ولا
يكون فيسخرون خبره، لأن لمزهم للمطوعين لا يجب عنه سخريتهم بهم، كما أن
الإنفاق يجب عنه الأجر في قوله الذين ينفقون أموالهم إلى قوله فلهم أجرهم،
وإذا لم يجب عنه كان فيسخرون عطفاً على يلمزون، أو على يجدون، وموضع والذين
لا يجدون جر تابع ل المؤمنين، أو نصب تابع ل المطوعين، والظرف، أعني في
الصدقات يتعلق ب يلمزون دون المطوعين، للفصل بين الصلة والموصول، أي يعينون
في إخراج الصدقات لقلتها، ومنه قوله فروح وريحان، ومنه قوله فنزل من حميم،
أي فله نزل من حميم، وفي الظرف ذكر من الموصوف
الحادي والأربعون ما
جاء في التنزيل من إن المكسورة المخففة من إنوذلك إذا جاءت لزمتها اللام
في الخبر، كما أن النافية يلزمها إلا في الخبر فمن ذلك قوله تعالى وإن كنتم
من قبله لمن الضالين قال وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين قال وإن وجدنا
أكثرهم لفاسقين قال إن كنا عن عبادتكم لغافلين قال وإن كاد ليضلنا عن
آلهتنا قال وإن كانوا ليقولون لو أن عندنا ذكراً من الأولين فاللام هنا ك
إلا كقوله إن الكافرين إلا في غرور وقوله إن هم إلا كالأنعام وقوله إن نظن
إلا ظنا قال سيبويه ويكون إن يبتدأ بما بعدها في معنى اليمين، وفي اليمين،
كما قال إن كل نفس لما عليها حافظ وإن كل لما جميع لدينا محضرون قال وحدثني
من لا أتهم به أنه سمع عربياً يتكلم بمثل قوله إن زيداً لذاهب، وهي التي
في قوله وإن كانوا ليقولون لو أن عندنا، وهذه إن مخففة من عن الشديدة قال
أبو علي أما إن في الآي فالقول فيها أنها مخففة من الثقيلة، وقد دخلت على
الفعل مخففة، وامتنعت من الدخول عليه مشددة؛ فالجواب أنها امتنعت من ذلك
مثقلة لشبهها بالفعل في إحداثها النصب والرفع، كما يحدثهما الفعل من حيث لم
يدخل الفعل على الفعل لم تدخل هي أيضاً عليه، وأصلها أنها حرف تأكيد، وإن
كان لها هذا الشبه الذي ذكرنا بالفعل، فإذا خففت زال شبه الفعل عنها، فلم
تمتنع من الدخول على الفعل إذ كانت الجمل المخبر بها على وجهين مبتدأ وخبر،
وفعل وفاعل، وقد تحتاج المركبة من الفعل والفاعل من التأكيد إلى مثل ما
تحتاج إليه المركبة من المبتدأ والخبر، فدخلت المخففة على الفعل مؤكدة، إذ
كان أصلها التأكيد، وزال المعنى الذي كان امتنع من الدخول على الفعل، وهو
شبهها به، ولزوال شبهها بالفعل اختير في الاسم الواقع بعدها الرفع، وجاء
أكثر القراءة على ذلك، كقوله وإن كل لما جميع لدينا محضرون، و إن كل نفس
لما عليها حافظ، فمن حيث اختير الرفع في الاسم الواقع بعدها جاز دخولها على
الفعل في الآي التي تلوناها أو غيرها
وأما اللام التي تجيء بعدها
مخففة فهي لأن تفرق بينها وبين إن التي تجيء نافية بمعنى ما، كالتي في قول
الله تعالى ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وليست هذه اللام التي تدخل على
خبر المشددة التي هي الابتداء، لأنه كان حكمها أن تدخل على إن فأخرت إلى
الخبر لئلا يجتمع تأكيدان، إذا كان الخبر هو المبتدأ في المعنى، أو ما هو
واقع موقعه وراجع إليه، فهذه اللام لا تدخل إلا على المبتدأ أو على خبر إن
إذا كان إياه في المعنى أو متعلقاً به، ولا تدخل من الفعل إلا ما كان
مضارعاً واقعاً في خبر إن وكان فعلاً للحال، فإذا لم تدخل إلا على ما ذكرنا
لم يجز أن تكون هذه اللام التي تصحب إن الخفيفة إياها، إذ لا يجوز دخول
لام الابتداء على الفعل الماضي، وقد وقع بعد إن هذا الفعل، نحو إن كاد
ليضلنا و إن وجدنا أكثرهم لفاسقين وقد جاءت الأفعال الواقعة بعد إن فعملت
فيما بعد اللام، ومعلوم أن لام الابتداء التي تدخل في خبر إن الشديدة لا
يعمل الفعل الذي قبلها فيما بعدها، وذلك قوله وإن كنا عن عبادتهم لغافلين،
وقول القائل
هبلتك أمك إن قتلت لفارساً ... حلت عليك عقوبة المتعمد
فلما
أعمل الفعل فيما بعده هذه اللام علم من ذلك أنها ليست التي تدخل في خبر إن
الشديدة، وليست هي التي تدخل على الفعل المستقبل، والماضي للقسم، نحو
ليفعلن، أو لتفعلن ولو كانت تلك للزم الفعل، الذي تدخل عليه النون يعني
ليفعلن، الذي تدخل عليه إحدى النونين، فلما لم يلزم النون علم أنها ليست
إياها قال الله تعالى إن كاد ليضلنا وإن كانوا ليقولون، فلم يلزم النون
حكى سيبويه إن هذه النون قد لا تلزم المستقبل في القسم، فيقال والله لتفعل، وهم يريدون لتفعلن قال إلا أن الأكثر على ألسنتهم ما أعلمتك، يعني من دخول النون، ولا ينبغي أن نقول إن هذه اللام هي التي في لتفعلن فتحمل الآي التي تلوناها على الأقل في الكلام، على أن هذه اللام لو كانت هذه التي ذكرنا أنها للقسم، وتدخل على الفعل المستقبل والماضي، لم تدخل على الأسماء، مثل وإن كنا عن عبادتكم لغافلين وإن قتلت لفارساً، لأن تختص بالدخول على الفعل الماضي أو المستقبل المقسم عليه، أو ما يتصل بهما، نحو إلى من قوله لإلى الله تحشرون والدليل على ذلك أنها لا تعلق الأفعال الملغاة قبل إن إذا وقعت في خبرها، كما تعلقها التي تدخل على الأسماء فقد ثبت بما ذكرنا أن هذه اللام الداخلة على خبر إن المخففة التي تدخل في خبر إن المشددة، ولا هي التي تدخل على الفعل المستقبل والماضي في القسم، لكنها تلزم إن هذه لتفصل بينها وبين التي بمعنى ما النافية، ولو أدخلت شيئاً من الأفعال المعلقة على إن المكسورة المخففة من الثقيلة، وقد نصبت واللام في خبرها لم تعلق الفعل قبلها من أجل اللام، كما تعلقه مع لام الابتداء، لأن هذه اللام قد ثبت أنها ليست تلك، فإذا لم تكن تلك لم تعلق الفعل الملغى كما تعلقه لام الابتداء فهذه حقيقة إن هذه المخففة واللام التي تلحق معها عندي، ويدل على أن هذه اللام ليست التي للابتداء أن تلك تدخل على الخبر نفسه التي لا تستغنى، أو يكون قبل الخبر ويكون الأول في المعنى أو ما يقوم مقام ما هو الأولى في المعنى، أو تدخل على الاسم نفسه إذا فصل بين إن واسمها، ولا تدخل على الفضلات وما ليس بالكلام افتقار إليه، كما دخلت هذه في قوله لفارساً ونحوه، فلو أدخلت علمت على مثل إن وجدك زيداً لكاذباً لوجب انفتاح إن إذ ليس في الكلام شيء يعلق الفعل عنها، ولم يجب أن يكون في إن ضمير القصة من هذه المسألة، كما تقول أن في مثل قوله علم أن سيكون ضمير، لأن هذا الضمير إنما يكون في أن المخففة من أن الشديدة، وليست هذه تلك، إنما هي أن التي كانت قبل دخول الفعل عليه، أن التي لا تمتنع من الدخول عليه، وهي ثقيلة، وكما تقول في حال انكسارها نحو إن كاد ليضلنا إنه لا ضمير فيه كذلك تقول في حال انفتاحها بعد الفعل إنه لا ضمير فيها والوجه أن تقول إنه لا ضمير فيه، في نحو إن كاد ليضلنا وإنه دخل على الفعل كما دخل على الاسم، لأنه حرف وضعه التأكيد، فالصنفان جميعاً يؤكدان، وإنما امتنع من الدخول على الفعل في حال التثقيل لشبهه بالفعل، وكما لم يدخل فعل على فعل كذلك لم تدخل هذه مثقلة عليه، وهذه العلة زائلة عنها في حال التخفيف، فيجب أن تدخل عليها، فإذا قلنا علمت أن قد وجدك زيد لكاذباً لم تدخل اللام، كما كانت تدخل قبل دخول علمت، ولم يمنع الفعل من فتح أن شيء، وارتفعت الحاجة إليها مع دخول علمت، لأن علمت يفتحها، إذ لا مانع لها من فتحها، فإذا فتحتها لم تلتبس بإن التي ينفي بها، ولولا فتحها إياها لاحتيج إلى اللام، لأن علمت من المواضع التي يقع فيها النفي كما وقع بعد ظننت في نحو قوله وظنوا ما لهم من محيص فلو بقيت إن على كسرتها بعد علمت للزمتها اللام، وكان ذلك واجباً لتخليصها من النفي، فإذا لم تبق على الكسرة فلا ضرورة إلى اللام، فإن شئت قلت إذا أدخلت علمت عليها حذفت اللام لزوال المعنى الذي كانت اللام اجتلبت له، وإن شئت قلت أتركها ولا أحذفها، فتكون كالأشياء التي تذكر تأكيداً من غير ضرروة إليه، وذلك كثير في الكلام فأما قول أبي الحسن ويدخل على من زعم أن هاهنا ضميراً أن تقول له كيف تصنع إلى آخر الباب؟ فذلك من قوله يدل على انه جعل اللام التي في نحو إن وجدت زيداً لكاذباً، لام ابتداء، وقد بينا فساد ذلك، وكيف يجوز أن تكون هذه لام الابتداء وقد دخلت في نحو قوله وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين وليس في هذا الكلام شيء يصلح أن تدخل عليه لام الابتداء البته، ولا يوجد فيها شرطه ووصفه، وقد بينا ذلك، ولا يصلح أن يكون في إن هذه ضمير، من حيث ذكرت قبل وأما قوله تعالى وإن كلا لما ليوفينهم، من خفف إن ونصب بها كلا فهو الذي حكاه سيبويه، ويكون لما ما، صلة فصل بها بين لام إن ولام القسم ومن قال وإن كلا لما فشدد، كان لما مصدراً، لقوله كلا لما، لكنه أجرى الوصل مجرى الوقف
وأما قوله وإن كل لما جميع لدينا محضرون، وإن كل
نفس لما عليها حافظ فشدد، وكذلك وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا، فشدد
قوم، وأما من خفف فسهل سائغ، وإن على قراءته هي المخففة من الثقيلة
المكسورة الهمزة المعملة عمل الفعل، وهي إذا خففت لزمتها اللام لتفصلها من
النافية وتخلصها منها، ولهذا المعنى جاءت هذه اللام، وقد تكون ما صلة فأما
من ثقل فقال لما، قيل إن لما بمنزلة إلا قال سيبويه وسألت الخليل عن قولهم
أقسمت عليك إلا فعلت، ولم فعلت؟ لم جاز هذا في هذا الموضع، وإنما أقسمت
هاهنا، كقولك والله؟ فقال وجه الكلام ب لمتفعلن هاهنا، ولكنهم أجازوا هذا
لأنهم شبهوه ب نشدتك الله، إذ كان فيه معنى الطلب قال أبو علي ففي هذا
إشارة من سيبويه إلى أنهم استعملوا لما حيث يستعملون فيه إلا وقال قطرب
حكاه لنا الثقة، يعني كون لما بمعنى إلا وحكى الفراء عن الكسائي أنه قال لا
أعرف جهة التثقيل وقال الفراء في قوله وإن كل لما جميع لدينا محضرون الوجه
التخفيف، ومن ثقل إن شئت أردت وإن كل لمن ما جميع، ثم حذفت إحدى الميمات
لكثرتها، مثل قوله
طفت علماء علة حاتم
والوجه الآخر من التثقيل أن
تجعلوا لما بمنزلة إلا مع إن خاصة، فتكون في مذهبها وقال أبو عثمان
المازني، فيما حكاه عنه أبو إسحاق الأصل لما فثقل فهذا ما قيل في تثقيل لما
من هذه الآي الثلاث، أعني قوله وإن كل لما جميع، وقوله وإن كل ذلك لما
متاع الحياة الدنيا، وقوله إن كل نفس لما عليها حافظ ويجوز أن يتأول على
هذا الذي قيل من أن معنى لما ك إلا على أن يكون إن فيها هي النافية، لا
يمتنع ذلك في شيء منها فأما قوله وإن كلا لما ليوفينهم، فلا يجوز فيه هذا
التأويل ولا يسوغ، ألا ترى أنك لو قلت إن زيداً إلا لمنطلق، لم يكن لدخول
إلا مساغ ولا مجاز فإن قال أو ليس قد دخلت إلا بين المبتدأ وخبره في
المعنى، فيما حكاه سيبويه من قولهم ليس الطيب إلا المسك، وإن مثل ليس في
دخولها على المبتدأ وخبره؟ قيل إنه ذكر أن قوماً يجرون ليس مجرى ما، كما
أجروها مجراها، فقولهم ليس الطيب إلا المسك، كقولهم ما الطيب إلا المسك،
ألا تراهم رفعوا المسك كما يرتفع خبر ما في نحو ذا، ولم يتأول سيبويه ليس
على أن فيه ضمير القصة والحديث، لما كان، لا يرى في هذا التأويل، من إدخال
إلا بين المبتدأ والخبر، فلا مساغ لتثقيل لما في هذه الآية على انه يكون
بمنزلة إلا فأما ما قاله الفراء من قوله إن هي لمن ما، ثم حذفت إحدى
الميمات لكثرتهن، فلا تخلو ما هذه التي قدرها هاهنا من أن تكون زائدة أو
موصولة، فلا يسهل أن تكون موصولة، لأن التقدير يكون لمن الذين هم جميع
لدينا محضرون وقلت قولي هم جميع لدينا صلة الذين، والذين مع صلته بمنزلة
اسم واحد في صلة من، ومحضرون خبر ما الذي بمعنى الذي، والاسم وخبره صلة من،
فقولك غير جائز، لأن من على هذا لم يرجع من صلته إليه شيء فهذا التقدير في
هذه الآية غير متأت وأما قوله وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا، فلا
يجوز فيه ذلك أيضاً، ألا ترى أنك إن قدرت ما زائدة، كان المعنى وزخرفاً وإن
كل ذلك متاع الحياة الدنيا والزخرف وما قبله من المذكور لا يكون من في
المعنى، فلا يكون من المتاع فهذا قول ساقط مستكره لانكساره وتجويز مالا
يجاز فيه، حيث يوجد لتأويله مجاز، وإن كان غير هذا الوجه من حذف الحرف من
من، وحذفه غير سائغ، لأن أقصى أحوالها أن تكون كالمتمكنة، والمتمكنة إذا
كانت على حرفين لم تحذف، إنما تحذف من الثلاثة لتصير على حرفين، فإذا بلغ
ذلك لم يكن بعده موضع حذف، هذا على إن من غير متمكنة، والحذف فيها وفي
ضربها غير موجود فأما لدن فهو على ثلاثة أضرب، وقد قلنا فيه فيما تقدم،
وكذلك ما قالوه من قولهم و الله لأفعلن قال العجاج
خالط من سلمى خياشم وفا
موضع ضرورة، فأما ما ذكره الفراء من الحذف من لمن ما كالحذف من قولهم علما فالذي نقول إن الحذف أحد ما تخفف به الأمثال إذا اجتمعت، وهو على ضربين أحدهما أن يحذف الحرف مع جواز الإدغام كقولهم بخ بخ، في بخٍ بخٍ والآخر أن يحذف لامتناع الإدغام في الحرف المدغم فيه لسكونه، وإن الحركة غير متأتية فيه مثل علما، أو لأن الحرف المدغم يتصل بحرف إذا أدغم فأسكن لزم تحريك ما قبله، وهو مما لا يتحرك، مثل يسطيع، فلا يشبه قولهم علما إذا أرادوا على الماء، ما شبهه به لو أريد به لمن ما؛ لأنك لو أدغمت اللام من على في التي للتعريف للزم تحريكها، وهي ما يلزمه السكون، ولذلك اجتلبت معها همزة الوصل، فلما كان كذلك حذفت اللام الأولى، وليس كذلك لمن ما، ألا ترى إن الحرف المدغم فيه هنا متحرك وليس بساكن، فلا يشبه هذا ما شبهه به فإن قلت اجعله مما ذكرته مما يحذف الحرف فيه مع جواز الإدغام ك بخ قيل هذا يمتنع من وجهين أحدهما إنه منفصل وبخ متصل، والمنفصل في الإدغام ليس كالمتصل، إذ لا يلزم لزومه، وإن التقدير باتصاله الانفصال، ألا ترى أنك تظهر مثل جعل لك، و قعد داود، ونحوه من المنفصل، ولو كان متصلاً لم يجز إلا الإدغام، وكما لم يستثقل اجتماع الأمثال، لما كان التقدير بها الانفصال في هذه الأشياء، كذلك لا يستثقل في لمن ما اجتماع الأمثال وأيضاً فإذا لم يدغم مثل قوم موسى، من أدغم مثل جعل لك، لكراهية تحريك الساكن في المنفصل، فأن يكره الحذف أولى، لأن التغيير بنقل حركة ثابتة في الحرف أسهل من حذف حرف بكثير، ألا ترى إلى كثرة ما ينقلون من الحركات للإدغام في المتصل، وقلة حذف الحرف للإدغام في المتصل، فإذا امتنعوا من الكثير الذي أنس به في المتصل كان أن يمتنعوا من القليل الذي لم يأنسوا به في المنفصل أولى والآخر أن الحذف في هذا قياساً على بخ لا يجوز لما أعلمتك من قلته، وأنا لا نعلم له مثلاً فلا مساغ للحمل على هذا الضيق القليل، مع ما ذكرته لك من الفصل بين المنفصل والمتصل، وعلى أن بخ ليس لنا أن نقول إنه حذف، لاجتماع المثلين دون أن تجعله محذوفاً على حد بناء جاء على علته غيره من ذوات الثلاثة المحذوفة، لأنها كحذف د دٍ ونحو ذلك، فقول الفراء في هذا فاسد في المعنى من حيث أريتك، وفي اللفظ لما ذكرته من امتناع حذف من قبل الإدغام وبعد الإدغام وقول المازني أيضاً ليس بالجديد، لأن الحروف يخفف مضاعفها، ك أن ورب، ونحو ذلك، ولا ينقل إلى أنه أقرب إلى الصواب، لأن الدخل فيه من جهة اللفظ دون المعنى، فأما ما حكوه من كون لما بمعنى إلا فمقبول، ويحتمل أن تكون الآي الثلاثة عليه، كما أعلمتك، وتكون إن النافية قال وقد رأينا نحن في ذلك قولاً لم أعلم أحداً تقدمنا فيه، وهو أن تكون لما هذه في قول من شدد في هذه الآي لم النافية دخلت عليها ما فهيأتها للدخول على ما كان يمتنع دخولها عليه قبل لحاق ما لها، ونظير ذلك إنما أنذركم بالوحي، ولعلما أنت حالم، وما أشبهه، وربما أوفيت ألا ترى أنها هيأت الحرف للدخول على الفعل، فكأنه في التقدير إن كل نفس لما عليها، أي ليس كل نفس إلا عليها حافظ، نفياً لقول من قال كل نفس ليس عليها حافظ، أي كل نفس عليها حافظ ف إن على هذا التقدير تكون النافية الكائنة بمعنى ما، والقراءة بالتثقيل على هذا تطابق القراءة بالتخفيف، لأن المعنى يؤول إلى كل نفس عليها حافظ، مثل قوله ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب إلا أنه أكد ب إن، والقراءة بالتخفيف لما أسهل مأخذاً وأقرب متناولاً وأما تقدير قوله وإن كل لما جميع لدينا محضرون كأنه قيل كل ما جميع لدينا محضرون، على ما كانوا ينكرونه من أمر البعث حتى حمل عظيم إلى النبي - صلى الله عليه وعلى آله - فقيل له أترى الله يحيي هذا بعد ما رم؟ وكما حكي في التنزيل من قولهم أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون في كثير من الآي تحكي عنهم أنهم ينكرون فيها البعث، فقيل لهم كل ما جميع لدينا محضرون، نفي لقولهم كلهم ليس يجمعون عند الله ولا ينشرون وأما قوله وإن كل ذلك لما متاع الحياة فكأنه قيل كل ذلك ليس متاع الحياة الدنيا، فنفى ذلك بأن قيل ليس ذلك متاع، وإذا نفي أنه كله ليس متاع الحياة الدنيا، أي ليس شيء من ذلك للكافر يقربه إلى الله وإلى الدار الآخرة إنما هو متاع الدنيا والعاجلة
وأما قوله لو
أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين قيل التقدير ما كنا
فاعلين، وليست إلا معها فأما قوله قل إن كان للرحمن ولد فقد قيل قل إن كان
للرحمن ولد، وتم الكلام ثم قال فأنا أول العابدين على أنه لا ولد له وقيل
إن كان للرحمن ولد على الشرط فأنا أول العابدين، على انه لا ولد له صح
وثبت، ولا يكون ذلك أبداً كما قال عيسى إن كنت قلته فقد علمته أي إن صح
وثبت أني كنت قلته فيما مضى فقد علمته
الثاني والأربعين ما جاء في
التنزيل من المفرد ويراد به الجمعفمن ذلك قوله تعالى وأنزل معهم الكتاب
بالحق، يعني الكتب، لأنه لا يجوز أن يكون لجميع الأولياء كتاب واحد وقال كل
آمن بالله وملائكته وكتابه فيمن قرأه هكذا، يريد وكتبه وقال وصدقت بكلمات
ربها وكتابه أي وكتبه فأما قوله تعالى والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت
فالطاغوت يقع على الواحد وعلى الجمع، وأراد به الجمع هنا وقال في الإفراد
يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به جاء في التفسير أنه
أراد كعب بن الأشرف وقال في موضع آخر والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها
أراد به الأصنام، وأن في موضع النصب بدل من الطاغوت، أي اجتنبوا عبادتها،
وهو في الأصل مصدر طغى، وأصله طغيوت، على فعلوت، مثل الرهبوت، والرحموت،
فقدم الياء وأبدل منها الفاء فصار طاغوت ومن ذلك قوله تعالى لقد خلقنا
الإنسان في أحسن تقويم لفظه لفظ المفرد ومعناه الجنس، ألا ترى قوله إلا
الذين آمنوا وعملوا الصالحات يدل على صحة هذا والعصر إن الإنسان لفي خسر
إلا الذين آمنوا الذين مبتدأ وخبره فلهم أجر غير ممنون فهذا لا يصح في سورة
العصر إذ لا خبر بعده ومن ذلك قوله تعالى مستكبرين بها سامراً، أي سماراً،
لقوله مستكبرين قبله، وبعده تهجرون فالسامر كالباقر، والحامل، عند أبي علي
ومثله فليدع ناديه عند أبي علي، وعلى هذا حمل أيضا ًقوله عاليهم ثياب سندس
فيمن أسكن الياء، فقال يكون ثياب سندس مبتدأ، على قول سيبويه، وعاليهم خبر
مقدم وزعم أنه بمنزلة قوله سامراً تهجرون وهذا لعلة نظره فيما قبل الآية
لقوله ويطوف عليهم ولدان مخلدون ألا ترى أنه يجوز أن يكون عاليهم صفة له
قالومثله دابر من قوله فقطع دابر القوم الذين ظلموا قال ينبغي أن يكون دابر
فاعلاً، من باب الحامل، والباقر، على تفسير معمر إياه ب آخر القوم الذي
يدبرهم قوله في موضع آخر وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين
فقال وما كانوا فجمع الضمير فإن قلت يكون الضمير عائداً على الذين كذبوا،
وهو جمع قيل هذا يبعد، لأن الذين كذبوا بآياتنا معلوم أنهم غير مؤمنين،
فإذا لم يجز هذا ثبت أن الضمير يعود إلى الدابر، وإذا عاد إليه ثبت أنه
جمع، والدابر يجوز أن يكونوا مؤمنين، ويجوز أن يكونوا كافرين، مثل الخلف،
ويصح الإخبار عنهم بأنهم كانوا مؤمنين ومن ذلك قوله وسيعلم الكافر لمن عقبى
الدار أي الكفار، فيمن، أفراد الجنس، ومنه وكان الكافر على ربه ظهيراً أي
على معصية ربه ظهيراً وأما قوله تعالى والفلك التي تجري في البحر فالفلك
اسم يقع على الواحد والجمع جميعاً قال في المفرد ومن معه في الفلك المشحون
وقال في الجمع حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم فقال وجرين، فجمع، وهو في
الجمع مثل أسد، وفي المفرد مثل قفل ومن ذلك أحد في قوله ولم يفرقوا بين أحد
منهم وقال فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً أي أنفساً وقال وحسن أولئك رفيقاً
أي رفقاء وقال ثم نخرجكم طفلاً أي أطفالاً وقال ألا تتخذوا من دوني وكيلاً
أي وكلاء وقال فإنهم عدو لي أي أعداء وقال خلصوا نجياً أي أنجية وقال
فمالنا من شافعين ولا صديق أي أصدقاء
الثالث والأربعون ما جاء في
التنزيل من المصادر المنصوبة بفعل مضمر دل عليه ما قبلهفمن ذلك قوله تعالى
قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك، أي نسألك غفرانك، ونستغفر غفرانك، واغفر لنا
غفرانك ومن ذلك قوله تعالى لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من
تحتها الأنهار ثواباً من عند الله أي لأثيبنهم ثواباً، فدل على ذلك أكفرن
ومثله لكن الذين اتقوا ربهم إلى قوله نزلاً من عند الله لأنه يدل على
أنزلهم إنزالاً
ومن ذلك قوله وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله
كتاباً مؤجلاً، لأن قوله وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله دل على أنه
كتب ذلك، أي كتب ذلك عليهم كتاباً مؤجلاً ومن ذلك قوله كتاب الله عليكم لأن
قبله حرمت، وقد نقدم ذلك ومن ذلك قوله ذلك عيسى بن مريم قول الحق فيمن
نصب، أي أقول قول الحق ومنه قوله تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك لأن
معنى تهجد وتنفل واحد ومن ذلك قوله وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر
السحاب صنع الله لأن معنى هذه الجملة صنع الله ذلك صنعاً ومثله قوله بنصر
الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لأن معنى ينصر ويعد واحد
ومثله، لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها
الأنهار وعد الله لأن ما قبله يدل على يعد الله فهذا قياس ما يرد عليك مما
قد فاتني منه، والله أعلم وأما قوله تعالى استكباراً في الأرض ومكر السيء
أي استكبروا ومكروا المكر السيء، ألا ترى أن بعده، ولا يحيق المكر السيء
إلا بأهله كما أن السيء صفة للمكر، كذلك الذي قبل، تقدير ومكر المكر السيء
وكذلك أفأمن الذين مكروا السيئات أي مكروا المكرات، السيئات فحذف الموصول
هذا وأقام صفته، فوقعت الإضافة إليه، كما تقع على موصوفه الذي هو المصدر،
وأجرى مجراه
الرابع والأربعون ما جاء في التنزيل من دخول لام إن على
اسمها وخبرها أو ما اتصل بخبرها، وهي لام الابتداء دون القسموقد تقدم على
ذلك أدلة، وهي تدخل على خبر إن أو ما يقع موقعه، أو على اسم إن إذا وقع
الفصل بين إن، واسمها فمن ذلك قوله تعالى وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم
فإذا دخل على الاسم لما وقع الفصل بينها وبين اسمها وقال إن في هذا لبلاغاً
لقوم عابدين وقال إن في ذلك لعبرة، فأدخل على الخبر وقال وإنك لتهدي إلى
صراط مستقيم وقال وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم وقال وإنه لعلم
للساعة وقال وإنه لذكر لك ولقومك فأدخل على الفضلة الواقعة قبل الخبر وقال
إنهم لفي سكرتهم يعمهون وقال أءنك لأنت يوسف وقال إن هذا لهو الفضل وقال
وإنا لنحن الصافون، وإنا لنحن المسبحون وإنهم لهم المنصورون وأما قوله وإنه
في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم، فإنك لو جعلت في أم الكتاب خبراً كنت أدخلت
اللام على الخبر الثاني، والأحسن من ذلك أن تدخل على الخبر الأول، فوجب أن
يكون قوله في أم الكتاب ظرفاً متعلقاً بالخبر لا خبراً وأما قوله تعالى إن
هذان لساحران فيمن أضمر، لأن لو جعل إن بمعنى نعم فإنه أدخل اللام على خبر
المبتدأ، لأن هذان في قولهما ابتداء، واللام لا تدخل على خبر الابتداء،
وإنما تدخل على المبتدأ، وإدخالها على الخبر شاذ، وأنشدوا فيه
أم الحليس لعجوز شهر به ... ترضى من اللحم بعظم الرقبة
وقد تقدم ما هو الاختيار عندنا وتختص هذه اللام بباب إن وشبهوا بإن لكن، وأنشدوا
ولكنني من حبها لعميد
وهذا
حديث يطول، وفيما ذكرناه كفاية فأما قوله تعالى وإن منكم لمن ليبطئن فإن
قوماً من النحويين أنكروا أن يدخل الصلة قسم، كما ذهب إليه أبو عثمان؛ لأن
الفراء حكى ذلك، وقال فاحتججنا عليه بقوله وإن منكم لمن ليبطئن بهذا ما
أشار إليه في كتاب الأخبار في قوله وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه وكان
الوجه الذي ذهبوا لأجله إلى ذلك القسم جملة ليس لها بالصلة ولا بالموصول
التباس، فإذا لم يلتبس لم يجب أن يفصل بها، ألا ترى أن والله لعمرك،
ونحوهما في نحو الذي والله، لا تعلق له بالموصول، فلما رأوه كذلك لم
يجيزوا، والجواب عن ذلك أنه ينبغي أن يجوز من وجهين أحدهما أن القسم بمنزلة
الشرط والجزاء، وكما يجوز أن يخلو الشرط مما يعود إلى الموصول، إذا عاد
إليه من الجزاء، كذلك يجوز أن يخلو القسم من الراجع والوجه الآخر أن القسم
تأكيد وتسديد ل ما الصلة، وإذا جاز الفصل فيها والاعتراض من حيث كان
تسديداً للقصة، نحو قوله تعالى والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها
فالفصل بين القسم وبينه أجدر وأقيس، لما ذكرناه من شبهه بالجزاء والشرط، مع
أن فيه ما ذكرناه من تسديد القصة، فهذا وجه الجواز /
الخامس والأربعون ما جاء في التنزيل وفيه خلاف بين سيبويه وأبي العباس وذلك في باب الشرط والجزاء
، وذلك أنك إذا قلت إن تأتني آتيك، فسيبويه يقدره على التقديم، أو كأن قال آتيك أن تأتني وأبو العباس يقدره على إضمار الفاء، على تقدير أن تأتني فآتيكومن ذلك قوله وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً، فيمن ضم الراء وشدد، هو على التقديم عند سيبويه، وعلى إضمار الفاء عند أبي العباس وكذلك قوله يوم تجد كل نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوءٍ تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيدا من جعل قوله وما عملت من شرطا أضمر الفاء في قوله تود وهو عند أبي العباس وعند سيبويه يقدر التقديم في تود ومن جعل ما بمعنى الذي فله أن يبتدئ بها ويجعل تود الخبر ومن قال إن ما معطوفة على قوله ما عملت جعل قوله تود في موضع الحال من عملت قال أبو علي في قوله يوم تجد كل نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوءٍ تود لو أن بينها إن جعلت تجد من وجدان الضالة، كان محضرا حالاً، وقوله وما عملت من سوء في موضع نصبٍ بالعطف على ما الأولى، و تود في موضع الحال عن ما الثانية، لأن في الجملة ذكرا يعود إلى ما وإن جعلت تجد بمعنى تعلم، كان محضرا المفعول الثاني والمعنى يوم تجد كل نفس جزاء ما عملت من خير محضرا وتود لو أن بينها وبينه جزاء ما عملت؛ لا يكون إلا كذلك، لأن ما عملته فيما مضى لا يكون محضرا هناك وقريب من هذا في المعنى قوله ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقعٌ بهم، أي جزاؤه، لأن الإشفاق منه يجب ألا يقرب منه ويجوز أن يكون موضع ما الثانية رفعا، و تود في موضع رفع خبر الابتداء ولا يجوز أن يكون ما بمعنى الجزاء، إلا أن يكون تود فهي تود، ولو كان وما عملت من سوء ودت، لجاز أن يكون جزاء ويجوز على قياس قول أبي الحسن في قوله الوصية للوالدين من أن المعنى فالوصية، أن يكون جزاء، ويقدر حذف الفاء، ويكون المعنى فهي تود لو أن بينها وبينه وهو قياس قول الفراء عندي، لأنه ذكر في حد الجزاء أن قوله وإن أطعتموهم إنكم لمشركون على حذف الفاء فسيبويه حمل هذه المواضع على التقديم، ولم يجز إضمار الفاء، وقال في باب أي إذا قلت أيها تشألك، هو على إضمار الفاء، أي فلك ولعله عمل هناك على الموصول إذ أجراها مجراها، إذا قلت أيها تشأ لك هو وأبو العباس يزعم أنك إذا قلت إن تأتني آتيك فقد وقع الجزاء موقعه فلا ينوى به التقديم، كما أن الفاعل إذا وقع موقعه لا ينوى به غير موضعه وسيبويه يقول إن الشرط على وجهين أحدهما أن يكون المعتمد المقصود تقديم الشرط وإتباع الجزاء له، كقولك إن تأتني آتك، وإن تأتني فأنا مكرم لك ولا يجوز تقديم الجواب على الشرط والآخر أن يكون الاعتماد على فعل وفاعل، أو مبتدأ وخبرٍ، يبتدئه المتكلم ويعلقه بشرط كما يعلقه بظرف، فيقول أكرمك إن أتيتني، وأنا مكرمك إن زرتني، كما تقول أكرمك يوم الجمعة فإذا قال إن أتيتني أكرمك، فليس أكرمك بجواب، فيكون تقديما إلى غير موضعه، وإنما هو الفعل، الذي القصد فيه التقديم
السادس والأربعون ما جاء في التنزيل من إدخال همزة الاستفهام على الشرط والجزاءوهذه أيضاً مسألة فيها اختلاف بين سيبويه ويونس، وصورتها أإن تأتني آتك، بجزم الجواب عند سيبويه ويونس يقول أإن تأتني أتيك، بالرفع، ويقول هو في نية التقديم، ويقدره أآتيك إن تأتني فمن ذلك قوله تعالى أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم وقال الله تعالى أفإن مت فهم الخالدون فهاتان آيتان يحتج بهما سيبويه على يونس، وذلك أنه إذا نوى بالجزاء التقديم وجب أن يكون التقدير في الآية الأولى انقلبتم على أعقابكم فإن مات؟ وفي الآية الأخرى أفهم الخالدون فإن مت؟ وهذا ليس وجه الكلام، وإنما وجه الكلام أفهم الخالدون إن مت؟ وكذا انقلبتم على أعقابكم إن مات لأن من قال أنت ظالم إن فعلت، لم يقل فأنت ظالم إن فعلت؛ فإن قيل فإن الفاء زيادة، قيل الفاء ها هنا نظير ثم في قوله أثم إذا ما وقع آمنتم به وكما لا يجوز تقدير الزيادة في ثم فكذا ها هنا
السابع والأربعون ما جاء في التنزيل من إضمار الحال والصفة جميعاوهو شيء لطيف غريب، فمن ذلك قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر، أي فمن شهده منكم صحيحا بالغا
ومن ذلك قوله في الصفة وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةً وله أخٌ
أو أخت والتقدير وله أخ أو أخت من أم، فحذف الصفة وقال وأوتيت من كل شيء،
وفتحنا عليهم أبواب كل شيء، كان المعنى كل شيء أحبته، وكل شيء أحبوه وقال
في الريح ما تذر من شيءٍ أتت عليه إلا جعلته كالرميم وقال تدمر كل شيء ولم
تجتح هودا والمسلمين معه وقوله وكذب به قومك يعني الكافرين لأن فيهم حمزة
وعلياً وجعفرا وقال حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، أي شيئا مما ظنه وقدره،
يبين ذلك قول العباس بن مرداس
وقد كنت في الحرب ذاتدرأ ... فلم أعط شيئاً ولم أمنع
أراد شيئاً مما قدرت إعطائي إياه وبعد هذا البيت
إلا أفائل أعطيتها ... عديد قوائمه الأربع
فقال
لم أعط شيئا ثم قال إلا أفائل أعطيتها وعلى هذا قولهم ما أنت بشيء، أي شيء
يقع به اعتداد فهذا قريب من قولهم تكلمت ولم تتكلم وقريب من هذا قول
الكميت
سئلت فلم تمنع ولم تعط نائلا ... فسيان لا ذم عليك ولا حمد
كأنه
لم يعط عطاء يكون له موضع، أو يكون له اعتداد وقريب من هذا قوله تعالى فإن
له نار جهنم لا يمون فيها ولا يحيا والذي لا يموت يحيا، والذي لا يحيا
يموت؛ ولكن المعنى لا يحيى حياة طيبة يعتد بها ولا يموت موتا مريحا، مما
دفعوا إليه من مقاساة العذاب، وكأن الإحياء للعذاب ليس بحياة معتدٍّ بها
قال عثمان وأما حذف الحال فلا يحسن، وذلك أن الغرض فيها إنما هو توكيد
الخبر بها، وما طريقه طريق التوكيد غير لائقٍ به الحذف، لأنه ضد الغرض
ونقيضه، ولأجل ذلك لم يجز أبو الحسن تأكيد الهاء المحذوف من الصلة، نحو
الذي ضربت نفسه زيد، على أن يكون نفسه توكيدا للهاء المحذوفة من ضربت وهذا
مما يترك مثله كما يترك إدغام الملحق إشفاقا من انتقاض الغرض بإدغامه فأما
ما أجزناه من حذف الحال في قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه، أي فمن
شهده صحيحا بالغا، فطريقه أنه لما دلت الدلالة عليه من الإجماع والسنة جاز
حذفه تخفيفا وإما إذا عريت الحال من هذه القرينة، وتجرد الأمر دونها، لما
جاء حذف الحال على وجه وحكى سيبويه سير عليه ليل، وهم يريدون ليل طويل،
وكأن هذا إنما حذفت فيه الصفة لما دل من الحال على موضعها، وذلك أنك تحس في
كلام القائل لذلك من التطويح والتطريح والتفخيم والتعظيم ما يقوم مقامه
قوله طويل ونحو ذلك، وأنت تحس هذا من نفسك إذا تأملته، وذلك أن يكون في
مدح، فتقول كان والله رجلاً، فتزيد في قوة اللفظ بالله هذه الكلمة، وتمكن
في تمطيط اللام وإطالة الصوت عليها، أي رجلا فاضلا شجاعا، أو كريما، أو نحو
ذلك؛ وكذلك تقول سألناه فوجدناه إنسانا، وتمكن الصوت بإنسان وتفخمه؛
فتستغنى بذلك عن وصفه، وتريد إنسانا سمحا، أو جوادا، أو نحو ذلك؛ وكذلك إن
ذممته ووصفته بالضيق، قلت سألناه وكان إنسانا وتزوى وجهك وتقطبه، فيغنى عن
ذلك قولك إنسانا لئيما، أو بخيلا، أو نحو ذلك فعلى هذا وما يجري مجراه تحذف
الصفة فأما إن عريت من الدلالة عليها من اللفظ أو الحال فإن حذفها لا
يجوز، ألا تراك لو قلت وردنا البصرة فاجتزنا بالأبلة على رجل، أو رأينا
بستانا، وسكت، لم تفد بذلك شيئا، لأن هذا ونحوه مما لا يعرى منه ذلك
المكان، وإنما المتوقع أن تصف من ذكرت وما ذكرت، فإن لم تفعل كلفت علم ما
لا يدل عليه، وهو لغو من الحديث، وتجوز في التكليف ومن ذلك ما يروى في
الحديث لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد أي لا صلاة كاملة أو فاضلة، ونحو
ذلك ومثله لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي، عليه السلام
الثامن
والأربعون ما جاء في التنزيل من الجمع يراد به التثنيةفمن ذلك قوله تعالى
فإن كان له إخوةٌ فلأمه السدس وأجمعوا، غير ابن عباس، أن الأخوين يحجبان
الأم من الثلث إلى السدس، خلافا له، فإنه لا يحجب إلا بوجود ثلاثة إخوة ومن
ذلك قوله تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، أي يديهما ومن ذلك قوله
إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما، أي قلباكما مثل هذا لا يجوز فيه
الإفراد استتغناء بالمضاف إليه، وتجوز فيه التثنية اعتبارا بالحقيقة، ويجوز
فيه الجمع اعتبارا بالمعنى، لأن الجمع ضم نظير إلى نظير كالتثنية
وقالوا
كل شيء من شيئين فتثنيتهما جمع، كقولك ضربت رءوس الزيدين، وقطعت أيديهما
وأرجلهما؛ وهذا أفصح عندهم من رأسيهما، كرهوا أن يجمعوا بين تثنيتين في
كلمة واحدةٍ، فصرفوا الأول إلى لفظ الجمع، لأن التثنية جمع في المعنى، لأن
معنى الجمع ضم شيءٍ إلى شيءٍ، فهو يقع على القليل والكثير، وأنشدوا
ومهمهين قذفين مرتين ... ظهراهما مثل طهور الترسين
فأما
قوله تعالى فلا أقسم برب المشارق والمغارب، فقيل هو من هذا الباب، لقوله
رب المشرقين ورب المغربين، فعبر عن التثنية بالجمع ومعنى رب المشرقين ورب
المغربين، قيل المشرقان الشتاء والصيف، وكذا المغربان عن ابن عباس وقيل
مشرق الشمس والفجر، ومغرب الشمس والشفق قوله يا ليت بيني وبينك بعد
المشرقين قيل معناه بعد المشرق والمغرب فهذا كالقمرين والعمرين وقيل مشرق
الشتاء والصيف وأما قوله تعالى وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت
للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله وهم لم يدعوا إلهية مريم كما ادعوا
إلهية المسيح؛ فيما يزعمون، فإن ذلك يجيء على
لنا قمراها والنجوم الطوالع
والعجاجان،
لرؤبة والعجاج؛ والأسودان، للماء والتمر، أطلق على أحدهما اسم الآخر، وإن
لم يكن ذلك اسما له واعلم أنه قد جاءت التثنية يراد بها الكثرة والجمع، كما
جاء الجمع يراد به التثنية قال الله تعالى بل يداه مبسوطتان وقال فارجع
البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير أي كرتين اثنتين وإنما ذاك
بكراتٍ، وكأنه قال كرة بعد كرة، كما قالوا لبيك، أي إلبابا بعد إلباب،
وإسعادا بعد إسعادٍ، في سعديك، وحنانيك تحننا بعد تحنن، قال
ضرباً هذاذيك وطعناً وخضا
أي هذا بعد هذٍ وأنشدوا للكميت
وأنت ما أنت في غبراء مظلمةٍ ... إذا دعت ألليها الكاعب الفضل
أي
أللا بعد ألل وهذا حديث يطول وأما قوله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان
الفراء يريد به المفرد، كقوله ومهمهين، ثم قال قطعته، وهذا لا يصح، كقوله
وجنى الجنتين، وقوله جنةً وحريرا، ودانيةً، وقوله قطعته كقوله معين بسواد
في الرد إلى الأول ومن ذلك قوله أولئك مبرءون يعني عائشة وصفوان وقال وألقى
الألواح، وفي التفسير كان معه لوحان وقال وكنا لحكمهم شاهدين والمتقدم
داود وسليمان وأما قوله تعالى إن المتقين في جناتٍ ونهر في مقعد صدق هو على
حذف المضاف، أي في موضع قعود وكذا قراءة من قرأ، في مسكنهم، أي في موضع
سكناهم، لأن الاستغناء بالجمع عن المضاف إليه أكثره في الشعر، نحو في حلقكم
عظم و بعض بطنكم نقل فارسهم
التاسع والأربعون ما جاء في التنزيل
منصوبا على المضاف إليهوهذا شيء عزيز، قال فيه فارسهم إن ذاك قد أخرج بطول
التأمل والفكر فمن ذلك قوله عز من قائل قال النار مثواكم خالدين فيها إلا
ما شاء الله خالدين حال من الكاف والميم المضاف إليهما مثوى ومثله إن دابر
هؤلاء مقطوعٌ مصبحين، ف مصبحين حال من هؤلاء وكذلك قوله ونزعنا ما في
صدورهم من غلٍّ إخواناً، إخوانا حال من المضاف إليهم في قوله في صدورهم
ومثله إليه مرجعكم جميعا قال أبو إسحاق المثوى المقام، و خالدين فيها منصوب
على الحال، أي النار مقامكم في حال خلودٍ دائما قال أبو علي مثوى عندي في
الآية اسم للمكان دون المكان، لحصول الحال في الكلام معملا فيها، ألا ترى
أنه لا يخلو من أن يكون موضعا أو اسم مصدرٍ، فلا يجوز أن يكون موضعا، لأن
اسم الموضع لا يعمل عمل الفعل، لأنه لا معنى للفعل فيه، فإذا لم يكن موضعا
ثبت أنه مصدر، والمعنى النار ذات إقامتكم، أي النار ذات إقامتكم فيها
خالدين، أي هم أهل أن يقيموا ويثبتوا خالدين، فالكاف والميم فاعل في
المعنى، وإن كان في اللفظ خفض بالإضافة وأما قوله
وما هي إلا في إزار وعلقة ... مغار ابن همام على حي خثعما
فهو
أيضا على حذف المضاف المعنى وما هي إلا في إزار وعلقة وقت إغارة ابن همام
ألا ترى أنه قد عداه ب على إلى حي خثعما، فإذا عداه ثبت أنه مصدر، إذ اسما
المكان والزمان لا يتعديان، فهو من باب خفوق النجم، ومقدم الحاج، وخلافة
فلان، ونحوه من المصادر التي استعملت في موضع الظرف، للاتساع في حذف
المضاف، الذي هو اسم زمان، وإنما حسن ذلك في المصادر لمطابقتها الزمان في
المعنى؛ ألا ترى أنه عبارة عن منقض غير باق، كما أن الزمان كذلك، ومن ثم
كثر إقامتهم ما التي مع الفعل بمعنى المصدر مقام ظرف الزمان، لقولهم أكلمك
ما خلا ليل نهارا، وما خلفت جرة درة، وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم؛ حتى
إن قوما من النحويين يسمونها ما الوقت، وحقيقته ما أعلمتك وقال في التذكرة
القول في مثوى إنه لا يخلو من أن يكون اسم مكان أو مصدرا، والأظهر المكان،
فإذا كان كذلك فالحال من المضاف إليهم، كما إن قوله يعني الجعدي
كأن حواميه مدبراً ... خضبن وإن كان لم يخضب
حال
من المضاف إليه وإن جعلت المثوى مصدرا ألزمك أن تقدر حذف المضاف، كأنه
موضع ثوائكم خالدين، فيكون الحال من المصدر والعامل فيها، كأنه يثوون فيها
خالدين فالعامل في الحال على هذا المصدر، وفي الوجه الأول معنى الإضافة،
مثل قوله تعالى فما لهم عن التذكرة معرضين، الحال عن الإضافة، وما فيه من
معنى الفعل هو العامل، والدليل على ذلك أنه لا يخلو من أن يكون العامل
المضاف إليهم أو معنى اللام، فلا يكون معنى اللام، لأنه لو كان كذلك لم تكن
الحال مجموعا بالواو والنون؛ ألا ترى أن ما لهم، أي شيء، وأي شيء ثبت لهم،
لا يكون جميعا مما يعقل، فلا يكون الحال عنه، وإذا لم يكن عنه علمت أنه من
المضاف إليهم، وأن العامل في الحال ما في الإضافة من معنى الفعل، وحروف
الجر في هذا بمنزلة الأسماء كما كانت الأسماء بمنزلتها، في نحو غلام من
تضرب أضرب، وفي الاستفهام غلام من تضرب؟ كما تقول بأيهم تمرر؛ وغلام من
تضرب أضرب، بمنزلة من تمرر أمرر وقال في موضع آخر من التذكرة القول في قوله
تعالى فما لهم عن التذكرة معرضين إن الحال لا يخلو فيه من أن يكون عما في
اللام، أو عن المضاف إليهم، فلا يجوز أن يكون عما في اللام، فإذا لم يجز
ذلك ثبت أنه عن المضاف إليهم، والمضاف إليه إنما جاز انتصاب الحال عنه لأنه
لا تخلو الإضافة فيه من أن تكون بمعنى اللام، أو بمعنى من، فمن أي القسمين
كان فمعنى الفعل فيه حاصل، فانتصابهما عن معنى الفعل، ولا يكون ذلك معنى
مضمرا، كما ذهب إليه أبو عثمان في قوله
وإذ ما مثلهم بشر
ولكن حكم
منزلة الحرف المراد في الظرف في ذلك حكم الإظهار، لأن الإضمار لا يلزمه،
ألا ترى أنك إذا كنيت عنه ظهر الحرف، فكذلك حكم الظرف المراد في الإضافة
لما لم يلزم حذفه، لقولك ثوب زيدٍ، وثوب لزيدٍ، وحلقة حديدٍ، وحلقة من
حديد؛ بمنزلة الحرف الذي يراد في الظرف ولا يلزم حذفه؛ فعن هذا يلتزم الحال
عن المضاف إليه ومما يبين ذلك قوله
كأن حواميه مدبرا
ألا ترى أن
الحال لا تكون من المضاف إليه ولا تكون من كان، لأنه لا عمل لها في ذي
الحال، ولا من خبرها، فإذا لم يجز ذلك ثبت أنه من المضاف إليه، كما أنها في
الآية من المضاف إليه فأما قوله
فهل في معدٍّ فوق ذلك مرفدا
فلا
يخلو من أحد أمرين أحدهما على ما يذهب إليه أبو الحسن في قوله تعالى وأنا
منا الصالحون ومنا دون ذلك ونحوها فيكون في موضع رفع والآخر أن يكون صفة
والموصوف محذوف فيجوز انتصاب المرفد أن يكون حالا عن كل واحدٍ من القولين،
ويجوز أن يكون من المضاف إليه، ويجوز أن يكون تبيينا عن ذلك، مثل أفضلهم
رجلا ومن ذلك قوله أن دابر هؤلاء مقطوعٌ مصبحين ف مصبحين حال من المضاف
إليهم، أعنى هؤلاء
المتم الخمسين باب ما جاء في التنزيل أن فيه
بمعنى أيفمن ذلك قوله تعالى قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به
شيئا المعنى أي لا تشركوا به شيئا، ف لا ناهية جازمة، و أن بمعنى أي وقيل
بل التقدير فيه ذلك ألا تشركوا فيه؛ فيكون خبر مبتدأ مضمر، أي المتلو ألا
تشركوا؛ وليس التقدير المحرم ألا تشركوا؛ لأن ترك الشرك ليس محرما، كما ظنه
الجاهل، ولا أن لا زائدة وقيل التقدير حرم عليكم بألا تشركوا
وقيل التقدير أتلو عليكم ما حرم، أي أتلوا المحرم لئلا تشركوا وقيل التقدير عليكم ألا تشركوا، و أن هذه نابية عن القول، وتأتي بعد فعل في معنى القول وليس بقول، كقولك كتبت إليك أن قم تأويله قلت لك قم ولو قلت قلت لك أن تقوم، لم يجز؛ لأن القول يحكى ما بعده، ويؤتى بعده باللفظ الذي يجوز وقوعه في الابتداء، وما كان في معنى القول وليس بقول فهو يعمل، وما بعده ليس كالكلام المبتدأ وهذا الوجه في أن لم يعرفه الكوفيون ولم يذكروه، وعرفه البصريون وذكروه وسموه أن التي للعبارة، وحملوا عليه قوله وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا وفي تقديره وجهان أحدهما انطلقوا فقالوا قال بعضهم لبعضٍ امشوا واصبروا؛ وذلك أنهم انصرفوا من مجلسٍ دعاهم فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله إلى توحيد الله تعالى وذكره وترك الآلهة دونه، وصار انطلق الملأ لما أضمر القول بعده لمعنى فعلٍ يتضمن القول، نحو كتبت وأشباهه والوجه الأخر أن يكون انطلقوا بمعنى تكلموا كما يقال انطلق زيد في الحديث، كأن خروجه عن السكوت إلى الكلام هو الانطلاق ويقال في أن امشوا أن اكثروا وانموا وليس المشى ها هنا قطع الأماكن، بل المعنى هو الذهاب في الكلام، مثل والذين يسعون في آياتنا ومعنى المشى هو الدؤوب والملازمة والمداومة على عبادتها، مثل إلا ما دمت عليه قائماً ليس يريد الانتصاب، وإنما يريد الاقتضاء، ومثل القيوم، أي المديم حفظه خلقه فإن قيل فإذا كان تأويل المشى على ما ذكرتم فغير ممتنع أن يكون التقدير انطلقوا بالمشى؛ لأنه يكون على هذا المعنى أوصوهم بالملازمة لعبادتها، قيل الوصية وإنما هي العبادة في الحقيقة لا بغيرها، فلا يجوز تعليق الوصية بغير العبادة وأيضا ليس المعنى ذهبوا في الكلام وخاضوا فيه بالمداومة والملازمة بالعبادة وأما قوله ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله أن بمعنى أي، وهي تفسير أمرتني، لأن في الأمر معنى أي ولو قلت ما قلت لهم إلا ما قلت لي أن اعبدوا الله، لم يجز، لأنه قد ذكر القول، وإن أن إذا كانت بمعنى أي، فهي تحتاج إلا ثلاثة شرائط أولها أن يكون الفعل والذي يفسره، أو يعبر عنه، فيه معنى القول وليس بقولٍ، وقد مضى هذا والثاني ألا يتصل به شيء منه صار في جملته ولم يكن تفسيرا له؛ كالذي قدره سيبويه أوعزت إليه بأن افعل والثالث أن يكون ما قبلها كلاما تاما، لأنها وما بعدها جملة تفسر جملة قبلها، ومن أجل ذلك كان قوله وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين وآخر قولهم، دعواهم مبتدأ، وآخر قولهم، مبتدأ لا خبر معه، وهو غير تام، فلا يكون بعده أن بمعنى أي وقوله تعالى وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ومعناه بأنك قد صدقت الرؤيا وأجاز الخليل أيضاً أن يكون على أي، لأن ناديناه كلام تام، ومعناه قلنا يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ومن ذلك قوله ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك، يكون بمعنى أي، ويكون بإضمار الباء، كما حكى الخليل أرسل إليه بأنك ما أنت وذا وأما قوله وجعلناه هدًى لبني إسرائيل أن لا تتخذوا من دوني وكيلا، فيمن زعم وهو معمر أن لا تتخذوا من دوني على إضمار القول، كأنه يراد به قلنا أن لا تتخذوا، ولم يكن قوله هذا متجها، وذلك أن القول لا يخلو من أن تقع بعده جملة على معنى يحكى، أو معنى جملة تعمل في لفظه القول الأول كقولك قال زيد عمرو لمنطلق، فموضع الجملة نصب بالقول والآخر، يجوز أن يقول القائل لا إله إلا الله، فتقول قلت حقا؛ أو يقول الثلج حار، فتقول قلت باطلا؛ فهذا معنى ما قاله، وليس نفس القول
وقوله أن لا تتخذوا خارج
من هذين الوجهين، ألا ترى أن أن لا تتخذوا ليس هو معنى القول، كما أن قولك
حقا، إذا سمعت كلمة الإخلاص، معنى القول، وليس قوله أن لا تتخذوا بجملة،
فيكون كقولك قال زيد عمرو منطلق ويجوز أن يكون بمعنى أي أي التي للتفسير،
انصراف الكلام من الغيبة إلى الخطاب، كما انصرف من الخطاب في قوله تعالى
وانطلق الملأ منهم أن امشوا إلى الأمر، كذلك انصرف من الغيبة إلى النهي في
قوله أن لا تتخذوا وكذلك قوله أن اعبدوا الله ربي في وقوع الأمر بعد
الخطاب، ويجوز أن تضمر القول وتخمل تتخذوا على القول المضمر، إذا جعلت أن
زائدة، فيكون التقدير وجعلناه هدى لبني إسرائيل، فقلنا لا تتخذوا من دوني
وكيلا، فيجوز إذا في قوله أن لا تتخذوا ثلاثة أوجه أحدها أن تكون الناصبة
للفعل، فيكون المعنى وجعلناه هدى كراهة أن تتخذوا من دوني وكيلا، أو لئلا
تتخذوا والآخر أن تكون بمعنى أي، لأنه بعد كلام تام، فيكون التقدير أي لا
تتخذوا والثالث أن تكون أن زائدة، وتضمر القول وأما قوله وقضى ربك ألا
تعبدوا قال أبو علي يكون أن التفسير، لأن قضى ربك كلام تام، ولا تعبدوا
نهى، كأنه قضى ربك هذا وأمر بهذا فعلى هذا يكون قوله وبالوالدين إحساناً
كأنه أمر بعد نهي، كأنه وأحسنوا بالوالدين إحسانا، وتكون الناصبة للفعل
أيضا، فيكون الواو في بالوالدين عاطفة على أن، كأنك قلت قضى بأن لا تعبدوا،
وأن تحسنوا، ويكون الفعل بعد الواو القائمة مقام أن محذوفا، وما أقل ما
يحذف الفعل في صلة أن، وكذلك ينبغي ألا يحذف بعدما يقوم مقامها، وقد قال
أما أنت منطلقا انطلقت إليك، فحمله على أن كنت، وما بدل من الفعلين، وليس
في الآية بل، فلا تحمل على أن الناصبة
الحادي والخمسون ما جاء في
التنزيل من المضاعف وقد أبدلت من لامه حرف لينفمن ذلك ما قاله القاسم في
قوله تعالى لم يتسنه إنه من قوله من حمأ مسنونٍ، أي يتغير، ثم أبدلت من
النون الأخيرة ياء، فصار يتسنى، فإذا جزمت قلت لم يتسن، كما تقول لم يتغن،
ثم تلحق الهاء لبيان الوقف وقيل هو من السنة، تسنى، أي مرت عليه السنون
فتغير ومن أثبت الهاء في الوصل، فلأنهم قالوا سنة وسنهات، فيكون الهاء لام
الفعل ومن ذلك قوله تعالى فهي تملى عليه بكرةً وأصيلا، أي تمل، لقوله
فليملل وليه يقال أمللت، وأمليت ومن ذلك قوله ثم ذهب إلى أهله يتمطى،
والأصل يتمطط قالوا لأنه من المطيطاء ومنه قوله وقد خاب من دساها، أي دسها
بالفجور والمعاصي، فأبدلت من اللام ياء، فصار دساها ومنه قوله تعالى فدلهما
بغرور، أي دللهما، لقوله هل أدلك ويكون فعل، دلى يدلى، الذي مطاوعه تدلى
كقوله
هما دلتاني من ثمانين قامة
أي أوقعهما في المعصية بغروره
وإلقائهما فيها وطرحهما ويجوز أن يكون دلى مثل سلقى، وقد روى فلان آفى من
فلان، وهذا مثل أملى في أمل قال سيبويه وكل هذا التضعيف فيه عربي كثير جيد
جدا، يعني ترك القلب إلى الياء عربي جيد، إذا قلت تظنيت وتسريت وقد جعل
سيبويه الياء في تسريت بدلا من الراء، وأصله تسررت، وهو من السرور، فيما
قاله الأخفش، لأن السرية يسر بها صاحبها وقال ابن السراج هو عندي من السر،
لأن الإنسان يسر بها ويسترها عن حزبه كثيرا والأولى عندي أن يكون من السر،
الذي هو النكاح وقيل ليس الأصل فيه تسررت، وإنما هو تسريت بمعنى سراها، أي
أعلاها، وسراة كل شيءأعلاه وأما كلا وكل فليس أحد اللفظين من الآخر، لأن
موضعهما مختلف، تقول كلا أخويك قائم، ولا تقول كل أخويك قائم ولا يجوز أن
تجعل الألف في كلا بدلا من اللام في كل، ولم يقم الدليل على ذلك، وكذلك قال
سيبويه ومثله ذرية، أصله ذروة، فعلولة من الذر، فأبدلت من الراء ياء،
وقلبت الواو ياء، وأدغمت فيه فصارت ذرية وفي ذلك ما روى عن ابن كثير في
قوله فذانيك برهانان من ربك قال أبو علي وجه ما روى من فذانيك أنه أبدل من
النون الثانية الياء، كراهية التضعيف وحكى أحمد بن يحيى لا وربيك ما أفعل؛
يريد لا وربك ومن ذلك قراءة من قرأ وقرن في بيوتكن هو من قر في المكان يقر،
أصله اقررن، فأبدل من الراء الأخيرة ياء، ثم حذفها وحذف همزة الوصل، فصار
قرن، وهو مشكل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق